تستعد مصر لاستقبال المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تحظى بإعجاب وتقدير العديد من المثقفين سواء في الداخل أو الخارج باعتبارها “صوت نبيل لثقافة الحكمة في زمن الأزمة التي تلف العالم”.
والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التى تبدأ اليوم الخميس زيارة لمصر تلبية لدعوة رسمية من الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ ولدت عام 1954 في مدينة هامبورج فيما انتقلت في عامها الأول مع والدها لما كان يعرف بألمانيا الشرقية لتشب عن الطوق في بلدة تمبلن حتى نالت درجة الدكتوراه وباتت أستاذة جامعية في الفيزياء.
وعقب سقوط حائط برلين عام 1989 وتوحد الألمانيتين من جديد؛ دفع بها المستشار الألماني هيلموت كول للحياة السياسية لتنال عضوية البرلمان في مطلع العقد الأخير من القرن العشرين ثم تدخل الحكومة في عام 1991 كوزيرة للمرأة والشباب؛ حتى وصلت لمنصب المستشار في عام 2005 على رأس ائتلاف بين أحزاب الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والديمقراطي الاجتماعي.
ومع أنها زعيمة حزب “الاتحاد الديمقراطي المسيحي” الذي يصنف ضمن معسكر اليمين، فإن أنجيلا ميركل تبنت بالأقوال والأفعال معا توجهات واضحة لدعم التضامن الاجتماعي والتناغم مع نبض القاعدة الشعبية العريضة كما أنها مدافعة صلبة عن حقوق الإنسان والتي تتضمن الحقوق الأساسية مثل الخدمات الصحية والسكن والتعليم.
وفي الانتخابات الاتحادية عام 2013 دخل حزبها في ائتلاف بقيادتها مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فيما توصف أنجيلا ميركل بأنها تنتمي لتلك النوعية من الساسة “أصحاب القرار الحاسم” حتى وصفت بأنها “أقوى امرأة في العالم وزعيمة الاتحاد الأوروبي”.
وقد نهضت انجيلا ميركل بجهود كبيرة في إصلاح نظام الرعاية الصحية وتطوير مصادر الطاقة وتعزيز العلاقات الاقتصادية عبر الأطلنطي وتم اختيارها من قبل كشخصية العام فيما تعد من أهم الأصوات الأوروبية المدافعة عن حق الإنسان في الحياة كما تجلى في موقفها المضيء حيال ما عرف بأزمة اللاجئين في ألمانيا وأوروبا على وجه العموم.
وبدورها الإنساني وحكمتها في مواجهة أزمة اللاجئين إلى بلادها، باتت أنجيلا ميركل حاضرة في كتب تتدفق في الثقافة الغربية حول سبل التعامل مع أزمة اللاجئين في أوروبا مثل كتاب:” الأدويسة الجديدة: قصة أزمة اللاجئين في أوروبا” لباتريك كينجسلي وهو كتاب صدر بالإنجليزية في مطلع العام الحالي.
وكثير من المثقفين سواء في الغرب أو في العالم العربي توقفوا بالإكبار والتقدير لمواقف أنجيلا ميركل حيال تلك الأزمة التي شكلت تحديا لألمانيا وأوروبا معا وتحول معها اللاجئون بأكثريتهم العربية لقضية موضع شد وجذب بين تيارات واتجاهات سياسية مختلفة في القارة العجوز.
غير أن المستشارة الألمانية التي أمسكت بزمام القيادة الإنسانية لأزمة اللاجئين مضت بشجاعة تمد يد العون قدر الطاقة لهؤلاء الذين ضاقت بهم الأرض في أوطانهم وجاؤوا يبحثون عن ملاذات آمنة وفرص للحياة في ألمانيا وغيرها من بلدان الغرب لتجسد بحق “ثقافة الاحتفاء بأصحاب النفوس الجريحة من الذين اضطروا للرحيل من ديارهم وأوطانهم”.
ومن هنا استحقت أنجيلا ميركل التي تتولى منصب المستشار في بلادها منذ عام 2005 الإشادة من كثير من المثقفين في العالم ومضى كاتب مثل الكاتب الصحفي الأمريكي الشهير جوشوا هامر في رصد الملامح الإنسانية للتجربة الألمانية في التعامل مع اللاجئين والتي تضمنت دعما حكوميا لبرامج تعليمية للغات وغيرها من صور الدعم بقصد تأهيل هؤلاء اللاجئين للحياة في بلد مختلف عن بلدانهم ومنحهم الأمل في المستقبل وتمكينهم من الظفر بفرص عمل.
وإذا كان العام الماضي قد شهد تصاعداً في ظاهرة اللاجئين الذين يتدفقون من بلد عربي جريح كسوريا على ألمانيا التي شهدت بدورها تصاعدا في نزعة تيار اليمين المتطرف الرافض لوجود ما يسميه “بالغرباء في الأرض الألمانية” فإن هذا التصاعد أثار بدوره تساؤلات قلقة حول مدى قدرة حكومة المستشارة أنجيلا ميركل في استيعاب المزيد من اللاجئين ومنح “الغرباء نوعا من العزاء” تحت وطأة ضغوط متعددة بعضها يهدد فرص فوز الحزب الحاكم في الانتخابات القادمة في شهر سبتمبر هذا العام.
ففي هذه الأزمة فتحت ميركل الأبواب الألمانية لـ 800 ألف مهاجر بين طفل وامرأة وشاب ومتقدم في السن فكانت؛ كما تعيد أمينة شفيق للأذهان “الدولة الأوروبية وغير الأوروبية الأولى في استيعاب المهاجرين السوريين والعراقيين وبعض المتسللين من جنسيات أخرى أفغانية وباكستانية”.
وتمسكت المستشارة الألمانية بموقفها هذا رغم التنبيهات التي وجهت لها والتي أشارت إلى إمكانية تسلل عناصر إرهابية وسط هذه الجموع الغفيرة التي اخترقت حدود البلدان باحثة عن مأوى آمن تسكن إليه، كما أنها تمسكت بهذا الموقف الإنساني الحقوقي والمرتكز على نصوص دستورية واضحة- كما تقول أمينة شفيق- “مع علمها وعلم الجميع بنمو ذلك التيار الشعبوي اليميني في أوروبا رافضا الآخر وخاصة ذلك الآخر المسلم”.
وكانت ميركل التي قضت في هذا المنصب أكثر من 11 عاما قد أعلنت ترشحها لولاية رابعة؛ “بغرض الدفاع عن القيم الديمقراطية”، في مواجهة تنامي التيار الشعبوي اليميني، غير أنها أقرت بأن المعركة الانتخابية المزمعة في خريف هذا العام، ستكون “صعبة”.
إننا إذ نرحب بالمستشارة أنجيلا ميركل في مصر؛ إنما نرحب بثقافة الحكمة والتضامن الإنساني.. نرحب بالسيدة العظيمة التي تقيم جسرا للتواصل بين كل البشر لتبدد جزع الغرباء وتضمد آلام النفوس الجريحة وتبرهن على أن العالم مازال بمقدوره أن يعود لجوهره الإنساني وأن يثمر الياسمين.
المصدر: أ ش أ