يتشكل وجدان ثقافات الجنوبيين، شعوب جمهورية جنوب السودان، في نطاق قبلي يحدده تنوع عشائري يشكل موروثا ثقافيا متنوعا ومتباينا في نفس الوقت ما يرسم الطبيعة الفريدة لهذه الدولة الإفريقية، وخارطة السلالة البشرية هناك تخطها القبائل التي تخلق حصنا واقيا ومنيعا للحفاظ على عاداتها ومعتقداتها وثقافاتها بكافة مفرداتها، منعا من أن تذوب في ثقافات أخرى وتهدد القبيلة.
وتحرص القبائل بجنوب السودان -مع تعاقب الأجيال داخلها- على ممارسة ثقافاتها بشكل متوارث كما هي بحيث لا يسمح لأي جيل بالعبث بأي ممارسة أو تقليد، فالوعي القبلي لكافة أبناء جنوب السودان، اتجاه محافظ يتأثر بالموروثات ويتمسك به بشدة.
والزواج كأحد الموروثات الثقافية في جنوب السودان تتعدد أشكاله ما بين قبيلة وأخرى ولكن في مجمله يختلف تماما عن موروثات الشعوب العربية، عدا المهور التي لم تختلف عن عادات بعض القبائل الغربية، حيث تبرز الابقار والأغنام كعامل أساسي ورئيسي لاتمام مراسم الزواج.
وتمتلك قبائل جنوب السودان، التي يصل عددها إلى نحو 63 قبلية، ثروة حيوانية كبيرة من الأبقار والأغنام وهي واحدة من الأيقونات الثقافية المهمة في حياة القبائل، حيث يحتفظون بها ليس لسبب اقتصادي وإنما للتفاخر والمبادلة في أمور الزواج والمعاملات القبلية.
وتتنوع تقاليد الزواج والمهور من قبيلة لأخرى، حسب المناطق، فهناك قبائل تتبادل مهور الأبقار وهي قبائل شرق ووسط الاستوائية والمناطق المحيطة بجوبا وقبائل أخرى تعتمد على الأغنام وهي قبائل غرب الاستوائية، ولكنها تتفق جميعا في الزواج المبكر للفتيات غير الموثق قانونا، كما إن جميع القبائل لا يتقيدون بعدد محدد من الزوجات.
وتبرز قبيلة (الدينكا)، كأكبر القبائل الرعوية، وتتحدد قيمة المهر لديها حسب جمال المرأة الذي يتحدد بناء على طولها وبكارتها، ولا تتزوج المرأة التي تنتمي لهذه القبلية بزوج خارج القبيلة، حيث إن (الدينكا) حريصة على زيادة نسلها ولكن يمكن لأبناء تلك القبيلة من الرجال ، الزواج من قبائل أخرى.
ويقول ابراهام، من أنباء قبلية الدينكا، لموفد وكالة أنباء الشرق الأوسط إلى جنوب السودان، إن “قبيلتنا هي الأعلى مهرا بين القبائل حيث تتبادل ما يقرب من 500 بقرة للزيجة الواحدة، حسب قوامها الذي لا بد أن يتمتع بالطول وأن تكون ذات أسنان بيضاء، إضافة إلى وزنها وسمرتها”.
ويضيف: “هناك طقس مهم لابد من القيام به، وهو (الرواك)، حيث يقوم الشاب باختطاف حبيبته قبل أن يتقدم للزواج منها، ويعيشان معا حتى تحمل، ثم يأتي حينها إلى أهلها لطلب الزواج منها”.
وتبادل الأبقار والأغنام بين القبائل بجنوب السودان تقوم حساباته على عدة اعتبارات، فالزوج يقدم مهرا للزوجة وأبقارا أخرى للأم، اعتزازا بها، وفي حال ما كانت الزوجة متعلمة يدفع عن تعليمها جانبا آخر من الأبقار.
وتقول الويل ايوك، وهي فتاة ذات 16 عاما، وتنتمي إلى قبيلة (تبوسا) في ولاية شرق الاستوائية، إنها تزوجت منذ ما يقرب من 4 سنوات، حيث دفع زوجها مهر نحو 250 بقرة، وتضيف أن أفراد قبيلتها ، وهي من القبائل النيلية الحامية، تتراوح أعدادهم ما بين 700 ألف إلى 750 الف شخص ويتواجدون بمنطقة كبويتا فى شرق الاستوائية، حيث يتركزون فى قرى كبويتا، وريتو، نارس، وكاتو، نياتا، وموقو، ولاميريانق، وكاروكوموق.
أما في ولاية وسط الاستوائية، تعيش قبلية (المنداري) على ضفاف النيل شمال العاصمة جوبا، وهي قبيلة تتمتع بأمتلاكها أبقار (أنكولي واتوسي) وهي أبقار ثمينة تشتهر بقرونها الضخمة وتعرف باسم (مواشي الملوك)، ويتبادلون عند الزواج 100 بقرة.
وقبلية (النوير) وهي ثاني أكبر القبائل، وقد خفضت قيمة مهورها نظرا لأوضاعها الاقتصادية التي تعاني منها نتيجة حربها مع (الدينكا)، فيدفع العريس نحو 40 بقرة مهرا لعروسه، ويعطي 10 منها لوالد العروس وعشر أخرى لوالدتها وعشر لأقارب الأب وعشر لأقارب الأم.
أما قبلية (باريا) وهي من القبائل النيلية الحامية، ويتوزعون عند أطراف مدينة جوبا فيقدم الزوج نحو 11 بقرة فقط مهرا للزوجة وواحدة كبيرة للأمم.
المصدر : أ ش أ