النهار اللبنانية: هل فات الوقت على إنقاذ حلب بين روسيا وفك عزلتها وواشنطن وماء وجهها؟
استخدم الغرب إحدى أبرز الوسائل الكفيلة بإحراج روسيا وحربها الجارية في سوريا، وخصوصاً مساهمتها القوية في تدمير حلب ومساعدة النظام السوري من أجل استعادة السيطرة عليها من خلال إعلام قوي لكبريات الصحف تتهم روسيا إلى جانب الدبلوماسية الأوروبية بارتكابها جرائم حرب في سوريا. والاتهام نفسه يسري بالنسبة إلى النظام السوري، إلا أن التركيز هو على روسيا بحيث لا يعتقد أن النظام وحلفاءه على الأرض يستطيعون استعادة حلب من دون الغطاء الجوي الروسي، وفق ما أظهرت محاولات عدة لهم في هذا الإطار خلال العام الماضي.
ووازت هذه السياسة أو واكبتها مواقف تساهم في عزل روسيا في المجتمع الدولي، على غرار إلغاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند استقبالاً للرئيس الروسي في فرنسا كان مقرراً في 19 من أكتوبر (تشرين أول) الجاري، على خلفية انتقاد فرنسا مساهمة روسيا في قصف حلب ومواقف أمريكية وأوروبية ديبلوماسية حادة لم تنجح الديبلوماسية الروسية التي رمت الكرة في ملعب ما سمته رعاية أمريكا لـ”جبهة النصرة”، لرفض واشنطن الفصل بين المعارضين في حلب، في أن تبرر قصف المدينة وتدميرها بذريعة أن هناك فصائل مصنفة إرهابية في المدينة. ومع أن بعض الديبلوماسيين يعتبرون أن حركة هولاند تتصل باعتبارات فرنسية داخلية من ضمن الانتخابات التي يتم الاستعداد لها، ودفاعاً عن موقف فرنسا دولياً إزاء سوريا، باعتبار أن اتصالاً هاتفياً جرى بين هولاند وبوتين وميركل حول سوريا لاحقاً، فإن ذلك محرج للرئيس الروسي الذي كان يستعد لزيارة فرنسا ورعاية افتتاح كنيسة هناك.
حتى إن استخدام روسيا للفيتو على مشروع القرار الفرنسي الرامي إلى وقف الحرب على حلب، كان نقطة لم تصب في مصلحة روسيا، علماً أنه الفيتو الخامس الذي تستخدمه موسكو حماية للنظام في سوريا، مما دفع الأمور في اتجاهين، أحدهما مبادرة سعودية – قطرية تمثلت في توجيه رسالة إلى الجمعية العمومية تطالب بحماية المدينة والمدنيين، والثاني مشروع قرار أعدته نيوزيلندا ووزعته على أعضاء مجلس الأمن يدعو إلى وقف كل الهجمات، فيما وجهت كندا وليشتنشتاين خطاباً إلى رئيس الجمعية العمومية تطلبان فيه عقد جلسة خاصة الأسبوع المقبل لمناقشة الوضع المتدهور في سوريا. وفي غضون ذلك، أعلن عن إجراء محادثات دولية حول سوريا في سويسرا غداً السبت، تجمع الوزيرين جون كيري وسيرغي لافروف ووزراء خارجية عدد من الدول الإقليمية، قبل أن يعقد اجتماع آخر في لندن الأحد، لمجموعة أصدقاء سوريا.
الواقع أن كل المواقف الديبلوماسية في مجلس الأمن قد لا تكون مجدية عملانياً، لأن أي مشروع في مجلس الأمن يمكن أن يقابله فيتو روسي، فيما قرارات الجمعية العمومية غير ملزمة، حتى لو نالت إجماعاً كلياً من كل الدول، في حين أن اتهام روسيا بجرائم الحرب جنباً إلى جنب مع النظام السوري يفترض أن يؤدي بهما إلى المحكمة الجنائية الدولية، فيما ليس هناك آلية تؤدي إلى ذلك. فالمجتمع الدولي محرج لجهة إظهار عجزه عن وقف العنجهية الروسية الداعمة لوحشية نظام بشار الأسد في قصف المدن وحصارها. ويتوقع ديبلوماسيون متابعون ألا تكون الاجتماعات المرتقبة نهاية هذا الأسبوع سوى محاولة من موسكو لكسر عزلتها، وسعي إلى إظهار رغبتها في وقف الحرب، وتالياً دحض الاتهامات التي توجه إليها، في حين أن الديبلوماسية الأمريكية محرجة بإنهاء أوباما ولايته، في ظل انطباع بأنها استسلمت كلياً لروسيا في سوريا وسلمتها الوضع هناك نتيجة سلبية الإدارة الحالية. وإذا لم تشارك إيران أيضاً في الاجتماعات، في الوقت الذي ستشارك فيه السعودية وتركيا وربما دول إقليمية أخرى، فمن غير المرتقب أن يكتسب البحث عن حل، بعداً شمولياً، حتى لو كان الأمر سيقتصر على وقف النار. وإذ استبق الرئيس الروسي الاجتماع المرتقب غداً بالإعلان أنه يصعب التحاور مع الإدارة الأمريكية الحالية، فإنما يشي ذلك بالنسبة إلى الديبلوماسيين المعنيين بأنه من غير المتوقع أن يعطي بوتين إدارة راحلة أي شيء، وأن كل من يكون مكانه سيقوم بالمثل، خصوصاً لجهة محاولة فرض أمر واقع في سوريا يصعب على الإدارة الأمريكية المقبلة عدم أخذه في الاعتبار، خصوصاَ إذا كانت المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون هي من ستفوز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وما اتخذته من مواقف من موضوع سوريا يمكن اعتبارها متقدمة على إدارة الرئيس الحالي.
وتقول مصادر دبلوماسية أخرى إن رفع بعض الدول سقف التهديدات أمام روسيا التي دعت مثلاً إلى عدم تزويد المعارضة السورية مضادات للطائرات، يوحي أن هذا الاحتمال وضع على الطاولة في حال عدم توقف روسيا عن تأمين غطاء جوي للنظام يمكن أن ينجح، باعتبار أن روسيا تعرف جيداً أن استعادة السيطرة على حلب تقوي أوراق بشار الأسد، لكن لا تنهي الحرب، في حين يمكن أن تستعر هجمات انتقامية ضد روسيا كما حصل في أفغانستان. أضف إلى ذلك أن أساليب المواجهة لا تقتصر على دعم المعارضة السورية، بل إن هناك مصالح نفطية ومصالح استراتيجية يمكن استخدامها كضغوط تحول دون سقوط حلب التي تبقي التوازن الإقليمي قائماً رمزياً بحد معقول في فترة الفراغ المتصلة بزمن الانتخابات الرئاسية الأمريكية. إلا أن التقاط روسيا اقتراح الموفد الدولي إلى سوريا ستافان دو ميستورا حول استعداده لمرافقة عناصر النصرة إلى خارج حلب تفادياً لتدميرها ربما يكون ما يلوي ذراع واشنطن والدول الأخرى من أجل المساومة على وقف قصف حلب، فيكون الغرب أنقذ ماء وجهه.
المصدر: وكالات