كشف تطورات المشهد السياسي الليبي عن تحديات جديدة تعوق مسيرة حكومة “الوفاق الوطني” برئاسة فايز السراج فرغم التأييد الإقليمي والدولي لهذه الحكومة، إلا أنها لا تمارس حتى الآن مهام وصلاحيات الحكم بشكل كامل، وباتت واقعة بين مطرقة “داعش” وسندان عدم الحصول على تصديق البرلمان المعترف به دوليا.
فمنذ ظهور تنظيم «داعش» في ليبيا وسيطرته على مناطق مهمة كمدينة سرت أخذ الحديث يتزايد عن قرب تدخل دولي في ليبيا؛ من أجل منع التنظيم من التمدد..لكن بات من الواضح أن الأمر ليس بهذه البساطة فبعد سلسلة تصريحات غربية تحدثت عن ضرورة التدخل في ليبيا جاء الرئيس الأمريكي، باراك أوباما ليعرب خلال مؤتمر صحفي نهاية الأسبوع الماضي، مع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في لندن عن اعتقاده بأنه ليس من الضروري نشر قوات برية، وأن من غير المحتمل أن يكون هذا الأمر موضع ترحيب من قبل الحكومة الجديدة.. لكن لم يكد يمضي يوم على تصريحات أوباما حتى خرج وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، ليؤكد أنه لا يمكن استبعاد إرسال قوات إلى ليبيا إذا طلبت الحكومة الليبية ذلك.
و تعكس التصريحات السابقة نوعا من التباين بين الموقف الأوروبي والموقف الأمريكي بشأن كيفية التعامل مع تهديد «داعش». ومرد ذلك إلى تباين في تصورات التهديد الذي يشكله التنظيم. فواشنطن ترى في التنظيم خطرا كبيرا وتهديدا لمصالحها ومصالح حلفائها خاصة في أوروبا؛ ولكن البعد الجغرافي من جهة، وعدم تعرض الولايات المتحدة لهجمات مباشرة من قبل التنظيم من جهة ثانية، ربما يجعل واشنطن في غير عجلة من أمرها لإنهاء التنظيم، برغم تأكيدها أنه هدف استراتيجي لها. وهى تركز على الضربات الجوية وبعض العمليات الخاصة فقط .
أما بالنسبة إلى الأوروبيين فمن الواضح أن التنظيم أصبح هاجسا خطيرا جدا، فقد ضرب في العمق الأوروبي وهناك مخاوف متزايدة من أن يقوم التنظيم بعمليات جديدة في دول أوروبية أخرى غير فرنسا وبلجيكا، من بينها بريطانيا.
ومن هنا فإن الأوروبيين، وخاصة فرنسا وإيطاليا وبريطانيا يبدون أكثر ميلا بشكل عام لفكرة التدخل العسكري المباشر، لكنهم يشترطون لمثل هذا التدخل طلبا صريحا من الحكومة الليبية الجديدة. وهنا يبرز التساؤل : لماذا لم تقم الحكومة حتى الآن بالتقدم بهذا الطلب؟.
تتمتع حكومة «الوفاق الوطني» بدعم المجتمع الدولي وخاصة القوى الغربية، وهى بحاجة ماسة إلى هذا الدعم، حيث لم تتمكن بعد من تثبيت أقدامها، ومن المتوقع ألا تستطيع البقاء من دون الدعم الغربي لها خاصة في ظل الوضع الأمني القائم، ووجود قوى رئيسية معارضة لوجود هذه الحكومة سواء في الشرق أو في الغرب. ويبدو أن الدول الأوروبية تنتظر طلبا حكوميا من أجل التدخل.
ولكن يبدو في المقابل أيضا، أن الحكومة الجديدة غير قادرة، على الأقل الآن، على الطلب من الغرب التدخل. فهى تدرك أن هناك معارضة داخلية وإقليمية أيضا لهذا التدخل، وهناك دول مهمة بالنسبة إليها عبرت صراحة عن رفضها أي تدخل عسكري في ليبيا.
كما أن الوضع الداخلي يكبح أي محاولة من حكومة الوفاق للإقدام على هذه الخطوة التي تحتاج إلى الكثير من الحسابات. فهى تسعى إلى كسب التأييد المحلي، وتحاول التواصل مع مختلف القوى حتى المعارضة منها من أجل ضمان دائرة أوسع من التأييد الشعبي لها في الداخل.
ومن هنا يمكن القول إن حكومة الوفاق الوطني تحاول استثمار تزايد الاهتمام الإقليمي والدولي بدعم هذه الحكومة وتعزيز قدرتها على تأدية مهامها وتحقيق أهدافها، في دعم جهود الوصول إلى تسوية للأزمة وتحقيق الاستقرار في ليبيا والقضاء على التنظيمات الإرهابية.
من جهة أخرى، تواجه حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج، والتي لم تحصل بعد على ثقة كافة أطراف الصراع الليبي، مأزقا جديدا؛ حيث يتعين عليها الحصول على دعم الشرق والحصول على ثقة البرلمان المعترف به دوليا حتى يمكنها ممارسة أعمالها وتثبيب أقدامها على الأرض.
وعلى الجانب الدولي، فقد أبدت العديد من دول العالم والمنظمات الدولية استعدادها للتعاون مع الحكومة الجديدة، ويأتي على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وكإجراء عقابي للقوى المناوئة للحكومة الجديدة، فرضت الولايات المتحدة الأمريكية، في نهاية أبريل 2016، عقوبات على رئيس حكومة الإنقاذ الوطني – غير المعترف بها دوليا – تقضي بتجميد أرصدته المالية بالسوق الأمريكية.
واقع الأمر أن المشهد السياسي أمام حكومة الوفاق الوطني الليبي بات أكثر تعقيدا، إذ ما زال رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الجويل يؤكد في مناسبات عدة على أن تشكيلها يفتقد الشرعية، كما أخفق برلمان الشرق بطبرق في الانعقاد لمنح حكومة الوفاق الثقة أيضا.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الوسط ( أ ش أ )