توقفت أصوات الحفارات والماكينات والعمال، وخيّم الصمت على مقالع الحجارة الواقعة إلى الشرق من قرية بيت فجار قرب مدينة بيت لحم منذ أكثر من شهر بعد أن دهمتها قوات كبيرة من جيش الاحتلال الإسرائيلي وصادرت منها معدات ثقيلة تقدر قيمتها بملايين الدولارات، وطالبت أصحابها بدفع رسوم وغرامات وضرائب باهظة.
وليس بعيداً من هذه المقالع الصامتة، يتجمع أصحابها وبعض عمالهما كل صباح يرقبون حدوث شيء في الأفق، أملاً في العودة إلى مصادر رزقهم التي لا مصادر لهم بعدها.
قال محمد طقاطقة (41 عاماً)، وهو أحد أصحاب المقالع: «سرحت العمال، وأصبحت أنا وإخوتي الخمسة بلا عمل»، مضيفاً: «منذ أفقنا على الحياة ونحن نعمل في هذه المهنة، ولا نستطيع أن نعمل بغيرها، ولا يوجد غيرها لنا، وليس لنا سوى الانتظار».
ودأبت قوات الاحتلال على مضايقة أصحاب مقالع الحجارة في الضفة الغربية، والتي تشكل مصدر عمل لحوالى 22 ألف عامل فلسطيني. لكن هذه المرة الأولى التي تقوم فيها بحملة شاملة صادرت فيها معدات ثقيلة، وفرضت غرامات باهظة على أصحابها، واشترطت إعادتها لهم بدفع هذه الغرامات أولاً.
والتطور اللافت في الإجراء الإسرائيلي هذه المرة، هو مطالبة أصحاب المقالع بدفع ضرائب عن السنوات الخمس الأخيرة. وقال المحامي روني سليمان الذي يتولى متابعة قضية أصحاب مقالع الحجارة، إن السلطات الإسرائيلية طلبت من كل صاحب مقلع خريطة تظهر مساحة الأرض التي يقع فيها المقلع لتقدير حجم الإنتاج خلال السنوات الخمس الماضية، من أجل فرض ضريبة على الإنتاج.
وقال طقاطقة: «نحن نعمل في أرضنا، وإذا كان هناك من ضرائب فنحن سندفعها للسلطة الفلسطينية وليس لإسرائيل، نحن نعمل في أرضنا وليس في إسرائيل». وأضاف: «يريدوننا عبيداً لهم، نعمل أعمالاً شاقة في اقتلاع الصخور وتحويلها إلى حجارة بناء، ونبيعها، ثم يسلبون ثمنها منا على شكل ضرائب».
وتقع غالبية مقالع الحجارة في المنطقة «ج» الواقعة تحت الإدارة العسكرية الإسرائيلية، والتي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة. ويشكل قطاع الحجر والرخام مصدر دخل مهماً في الأراضي الفلسطينية، إذ يصدر الحجر الفلسطيني إلى 71 دولة.
وقال رئيس اتحاد صناعات الحجر صبحي ثوابتة، إن هذا الإنتاج يشكل 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الأراضي الفلسطينية. واعتبر أن الهدف من الإجراءات الإسرائيلية هو ضرب الاقتصاد الفلسطيني، وتحويل العمال إلى عاطلين من العمل يبحثون عن فرصة للهجرة، موضحاً: «هذه سياسة ضرب مقومات الحياة وتفريغ الأرض وتحويلها إلى المستوطنين» .
وأيدت منظمة «هيومان رايتس ووتش» ما يقوله الفلسطينيون عن سياسة التفريغ والتهجير الإسرائيلية. وقالت في تقرير لها صدر أول من أمس، إن «السلطات الإسرائيلية تمنح المستوطنين ترخيصاً لإقامة مقالع حجارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحرم الفلسطينيين من ذلك».
واعتبرت المنظمة الدولية الإجراء الإسرائيلي «عقاباً جماعياً»، مشيرة إلى أنه جاء بعد يومين فقط من قيام اثنين من أبناء قرية بيت فجار بعملية طعن لجندي إسرائيلي قرب مستوطنة «آريئيل» في الضفة.
وتعد قرية بيت فجار الموقع الرئيس لمقالع الحجارة في الضفة، وتنتج 25 من حجارة البناء. وأدى توقف العمل في مقالع الحجارة في القرية إلى توقف مصانع الحجر في القرية وآلاف العمال من القرية والقرى المجاورة عن العمل.
وقال المحامي روني سلمان إن السلطات الإسرائيلية تفرض غرامات باهظة ومبالغ فيها على أصحاب مقالع الحجارة، موضحاً أنها «فرضت غرامات تراوحت بين 3000- 5000 دولار على كل صاحب مقلع جرت مصادرة معدات منه». وأضاف: «هذه غرامات باهظة ولا قِبَل للناس بها، وهي لا تتناسب حتى مع القوانين والأنظمة الإسرائيلية». وتابع المحامي الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية: «هذا عقاب جماعي، ودفع الناس إلى ترك الأرض كي تحول إلى المستوطنين»
ويسعى المحامي إلى اللجوء إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية أملاً في تحريك المحكمة للبحث عن حل للمعضلة التي يواجهها أصحاب الأعمال الفلسطينية في المنطقة «ج»، وقال: «يحاول أصحاب المقالع الحصول على ترخيص للعمل منذ عشرين عاماً، لكن السلطات ترفض، واليوم نأمل في أن تعمل محكمة العدل العليا على البحث عن حل عندما نعرض المشكلة أمامها».
لكن أهالي بيت فجار يقولون إن انتظار قرار المحكمة سيستغرق فترة طويلة لا يمكنهم أن يظلوا خلالها بلا عمل. وأضاف علاء الطويل، أحد أصحاب المقالع: «هل سنعيش بلا خبز إلى أن تصدر المحكمة قرارها».