تحل علينا اليوم ذكرى رحيل أسطورة الغناء صاحب الصوت الشجي الحنون، الذي أطربنا بصوته وفنه، وأصبح خالدا بأغانيه في قلوب عشاقه، سواء في مصر أو العالم العربي أجمع، إنه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ.
ولد عبد الحليم علي إسماعيل شبانة في 21 يونيو عام 1929، في قرية الحلوات بمحافظة الشرقية، وكان الابن الرابع للشيخ على إسماعيل شبانة، بعد إسماعيل وعلية ومحمد، وفي 28 يوليو من نفس العام توفيت والدته، وكان موضع رعاية أخته علية، التي كانت له بمثابة الأم والأخت طوال رحلة حياته.
وفي 14 مايو 1934 توفي والده، وأصبح الأبناء الأربعة بلا عائل، مما اضطر خالهم متولي احمد عماشة الموظف بوزارة الزراعة أن ينقلهم ليعيشوا معه في الزقازيق، بعد بيع المنزل الذي تركه لهم الوالد في الحلوات.
وفي 13 ديسمبر 1935 أرسله خاله إلى أحد الكتاتيب في الزقازيق، ليتلقى مبادئ القراءة الأولية ويحفظ القرآن الكريم، وهو الأمر الذي كان معتادا بالنسبة للتعليم في هذه الفترة من الزمن، وأثناء تواجده بالكتاب كان يشعر برهبة شديدة كلما رأى المدرس في الكتاب يعاقب تلاميذه ويضربهم، الأمر الذي دفعه إلى الهرب والذهاب إلى موسيقى المطافئ بالزقازيق التي كان يحبها، حيث احتضنه رئيس الفرقة وقتها وعلمه العزف على ألة الكلارينيت، وعقب ذلك ألحقه خاله بإحدى المدارس الابتدائية.
وفي 3 ديسمبر 1940 ظهرت عليه أعراض البلهارسيا، ودخل على إثرها مستشفى الانكلستوما والبلهارسيا بالزقازيق.
وفي 16 نوفمبر 1945 حضر إلى القاهرة لأول مرة مع شقيقه الأكبر إسماعيل، الذي حصل على دبلوم معهد الموسيقى العليا، وكان الأول على دفعته، ودخل معه المعهد العالي للموسيقى المسرحية، حيث تخصص في العزف على آلة النفخ “الأبوا”، التي تشبه إلى حد كبير آلة الكلارنيت التي تعلمها في الزقازيق، وتخرج من المعهد في 25 مايو 1948.
وفي 10 يناير 1949 عين عبد الحليم بفرقة موسيقى الإذاعة كعازف على آلة “الأبوا”، ولكنه لم يكن راضيا عن عمله بالعزف على هذه الآلة التي
تتطلب صحة وجهدا غير عادى، وكان كل أمله أن يصبح مطربا، لاسيما أن جميع من حوله كانوا يعجبون بصوته وطريقة أدائه.
وفي 16 مايو 1950، واتته الفرصة عندما تأخر المطرب إبراهيم حمودة عن تسجيل أغنية بالإذاعة، فتقدم عبد الحليم إلى مراقب الموسيقى بالإذاعة في ذلك الوقت حافظ عبد الوهاب، وعرض عليه أداء الأغنية إنقاذا للموقف، واستمع إليه حافظ، وأعجب فعلا بأدائه، ولكن حضور إبراهيم حمودة في أخر لحظة أضاع منه الفرصة.
وفي 22 فبراير1951، تمكن حافظ عبد الوهاب من اعتماده مطربا بالإذاعة، بعد موافقة اللجنة التي كان يشترك فيها عبد الوهاب وأم كلثوم، وأصبح يؤدى أغنيات في الإذاعة من تلحين خليل المصري وأحمد صبره وغيرهما، وكانت أول أغنية لفتت إليه الأنظار أغنية “لقاء”، من تلحين زميله وصديقه كمال الطويل، الموظف بقسم الموسيقى والغناء بالإذاعة، ثم أغنية “صافيني مرة” تلحين محمد الموجي. وفي 16 نوفمبر 1951، سجل عبد الحليم بصوته أربع أغنيات في فيلم مصباح علاء الدين عند دبلجته إلى العربية.
وفي 3 يناير 1953، بدأ يغنى كل ليلة ضمن مجموعة من الفنانين التي تحيي الاحتفال بمرور ستة اشهر على ثورة يوليو، واستطاع بحلاوة صوته وصدق تعبيره وإحساسه بما يقول أن يتسلل إلى أسماع وقلوب الجميع، خصوصا بعد أداء أغنيته “على أد الشوق”.
وفي 12 ديسمبر 1954، تعاقد معه المخرج إبراهيم عمارة، ليمثل أمام شادية بطولة فيلم “لحن الوفاء” الذي عرض في مارس 1955، ثم قدم فيلم “أيامنا الحلوة” الذي اشترك في تمثيله مع فاتن حمامة وعمر الشريف وأحمد رمزي.
وفي 14 يوليو 1959، أنشأ عبد الحليم مع مدير التصوير وحيد فريد شركة للإنتاج السينمائي باسم “أفلام العالم العربي”، والتي كانت باكورة إنتاجها فيلم البنات والصيف.
وفي 15 ديسمبر 1963، كون مع محمد عبد الوهاب شركة لتسجيل الاسطوانات باسم “صوت الفن”، ثم دخل محمد عبد الوهاب شريكا ثالثا في شركة “أفلام العالم العربي” لتتحول إلى “أفلام صوت الفن”.
أطرب عبد الحليم حافظ عشاقه بالعديد من أغانيه التي قدمها خلال مشواره الفني، ومنها “صافيني مرة، إحنا كنا فين، على قد الشوق، توبة، يا خلي القلب، موعود، رسالة من تحت الماء، أعز الناس”.
وقدم العندليب أيضا العديد من الأفلام التي أثرت السينما المصرية منها “أيام وليالي، موعد غرام، دليلة – وهو أول فيلم مصري مصور بالألوان والسينما سكوب -، فتى أحلامي، الوسادة الخالية، شارع الحب، حكاية حب، يوم من عمري، الخطايا، معبودة الجماهير، أبي فوق الشجرة – وهو أخر أفلام العندليب.
أصيب العندليب في يناير 1955 بأول أزمة مرضية ألزمته الفراش عشرين يوما، وكانت هذه بداية رحلة عذابه مع المرض، الذي أخذ يتفاقم على مر الأيام.
وفي 28 يوليو 1963 ساءت حالته الصحية، وسافر إلى أمريكا، حيث مكث في مستشفي ماساشوتس حوالى ستة أشهر، ورفض أن تجرى له عملية تحويل القناة التي توصل الدم إلى الكبد، وفي يناير 1975 سافر إلى لندن، عندما ساءت حالته الصحية وأجريت له عملية استئصال الطحال.
وفي 13 يناير1977 سافر إلى لندن مرة أخرى لإجراء عملية الحقن السنوي في مشوار علاجه، وظل بها مدة 22 يوما خرج بعدها، ولكنه عاد إلى المستشفي بعد ستة أيام عندما زادت نسبة الصفراء، وانتابته حالة الاستسقاء، وبعد 29 يوما صارع فيها المرض أصيب بحالة نزيف لم يتوقف إلا بوفاته مساء يوم 30 مارس 1977.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )