ذكرت صحيفة /نيويورك تايمز/ الأمريكية اليوم، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ظل لخمسة أعوام يرفض وبشدة التدخل الأمريكي في سوريا ليُغير المعادلة في أرض المعركة، ثم قرر الانسحاب متجنبا الانغماس في هذا المستنقع.. والآن يبدو أن هذا هو ما فعله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حرفيا.
وقالت الصحيفة، إن إعلان الزعيم الروسي بوتين يوم الاثنين الماضي سحب القوات من سوريا لم يباغت البيت الأبيض فحسب بل أنه أثبت عدم صحة تحذيرات الرئيس أوباما من أن روسيا قد تتضرر بشدة بمغامراتها العسكرية، مشيرة الى أن انسحاب بوتين عزز الشعور بأنه تمكن من الامساك بزمام المبادرة في سوريا مقارنة بالرئيس الأمريكي الذي رغب في إبقاء الحرب بعيدة عنه.
وقالت الصحيفة إن البيت الأبيض رحب بحذر أمس الثلاثاء بالإجراء الروسي الأخير في الوقت الذي واصل فيه انتقاد التدخل الروسي. وجاهد مسؤولو الادارة الامريكية للوقوف على أسباب ودوافع السيد بوتين للانسحاب الان.
وقال جوش ارنست المتحدث باسم البيت الأبيض إن” تدخل الجيش الروسي عزز صفوف الأسد وصعّب من إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية “.
وأضاف ارنست ” إن استمروا على ما هم عليه الآن فسيكون ذلك إيجابيا ” .
وقال مسؤولو الادارة الامريكية إنهم يرغبون في رؤية المزيد من الأدلة على أن العتاد الروسي يغادر سوريا قبل أن يعلنوا أن هذا الانسحاب كان ذكيا . وأمس الثلاثاء قالت وزارة الدفاع الامريكية (بنتاجون) إن الجيش الأمريكي لم ير سوى أقل من عشر طائرات روسية تغادر روسيا ولم تحدث تحركات كبيرة في القوات.
وقال المسؤولون الأمريكيون إن هناك أسبابا للاعتقاد بأن السيد بوتين سيمضي قدما حيث أنه ربط مصداقيته بوقف إطلاق النار الهش الآن وكذلك بمحادثات السلام التي استؤنفت هذا الاسبوع في جنيف وهو يتوق إلى تخفيف التوترات مع الاتحاد الاوروبي بشأن أزمة المهاجرين التي يلقي الاوروبيون فيها باللوم عليه. ويرى هؤلاء المسؤولون أن بوتين نفد صبره حيال الرئيس السوري بشار الأسد الذي فشلت قواته في الاحتفاظ بالاراضي في غرب سوريا رغم الدعم الجوي الروسي.
ويرى هؤلاء المسؤولون أن بوتين وصل بحملته العسكرية في سوريا إلى مرحلة أصبحت تكلفة استمرارها محليا ودوليا تفوق العائد منها. وعلاوة على ذلك فقد حقق الروس بنسبة كبيرة الهدف الرئيسي من التدخل العسكري وهو الحفاظ على نظام الاسد وحجز مقعد لموسكو على طاولة أي تسوية سياسية.
وبالنسبة للرئيس الأمريكي يمثل القرار الروسي ارتياحا له حيث أنه يخفف الضغط عليه لزيادة الدعم الأمريكي للمعارضة المعتدلة في سوريا وهي الفكرة التي طالما قاومها. وتريد الإدارة الامريكية من روسيا أن تلعب دورا في المفاوضات السياسية حيث أنها تملك تأثيرا على نظام الأسد ويتنبأ المحللون بأن يجبر هذا الانسحاب الاسد على تقديم تنازلات لم يكن ينتويها.
وقالت الصحيفة إن الإعلان “تذكير” بأنه منذ أن أقحمت روسيا نفسها في الصراع السوري منذ سبتمبر الماضي يتقدم السيد بوتين بثبات على الولايات المتحدة في سوريا. وقد يطيل انسحابه من الحملة التي تقودها الولايات لمتحدة ضد تنظيم داعش الارهابي لأنه وإن كانت روسيا قد وجهت غالبية ضرباتها العسكرية ضد القوات المناهضة للنظام السوري بوجه عام الا انها وجهت بعضا منها إلى داعش.
وقال بيتر كوك المتحدث باسم البنتاجون أمس الثلاثاء إن روسيا نفذت غارات جوية على مدار الاربع والعشرين ساعة السابقة وأن هذه الغارات استهدفت تنظيم داعش الارهابي.
وقال اندرو جي تابلر الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ” فجأة أصبح الروس غير متاحين في المعركة ضد داعش .. هذا سيطيل أمد الحرب وسيزيد من العبء الملقى على عاتق الولايات المتحدة والغرب “.
وقالت الصحيفة إن بوتين أعلن قرار سحب القوات قبيل اتصال استقبله من أوباما بناء على طلب من البيت الابيض.
ويقول خبراء في الشأن الروسي إنه لا توجد أدلة على أن بوتين ينسحب من سوريا بسبب ضغوط سياسية واقتصادية. إذ تصور الصحافة الروسية العملية العسكرية الروسية انتصارا ومهمة مُنجَزة بخسائر قليلة نسبيا.
وقال دريك تشولت المسؤول السابق في البيت الابيض ووزارة الخارجية في إشارة إلى بوتين ” لقد كان هدفه واضحا وهو تأجيل سقوط الاسد وقد فعل ذلك … لكنه جعل الاوضاع في سوريا اسوأ بكثير… عندما تسير دون وازع يكون سهلا تماما أن تُكلل مساعيك بالنجاح ” .
وأضاف بأن ” الروس لديهم سجل حافل بمفاجأة الولايات المتحدة بتحركات تكتيكية يعود تاريخها إلى غزو أفغانستان لكن هذه الإجراءات ليست دائما ناجحة على المدى البعيد.
ويرى محللون اخرون أن العملية العسكرية الروسية المحدودة في سوريا أثبتت على الاقل الزعم الخاطئ لاوباما أن أي تدخل عسكري في سوريا سيقود حتما إلى انخراط أعمق.
وقال أحد المحللين أن سوريا لا يجب بالضرورة أن تكون منحدرا زلقا . وقد أثبت بوتين فعلا أن بإمكانك أن تتدخل وتقصف بالقنابل وتضع قوات على الأرض وتستطيع بعد كل ذلك الانسحاب. وقد غير الروس فعلياً الوضع على الأرض، وحموا النظام من الانهيار.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط