تشهد العلاقة بين السعودية ولبنان توترا غير مسبوق في تاريخ البلدين بعد سلسلة اجراءات اتخذتها المملكة ضد لبنان محملة حزب الله المدعوم من ايران مسؤوليتها، ما يشكل، وفق محللين، ردا واضحا من الرياض على طهران يدفع ثمنه اللبنانيون.
ويقول رئيس قسم العلوم السياسية في الجامعة الاميركية في بيروت هلال خشان لوكالة فرانس برس “التوتر في العلاقة بين البلدين غير مسبوق”.
ويضيف “تجد السعودية نفسها في مأزق وتشعر بتخبط كبير بعد تفاهم الولايات المتحدة مع ايران (الاتفاق النووي)، ومع روسيا في سوريا، في وقت ترى ايران تتمدد في المنطقة. (…) يعتبر السعوديون انه لا بد من الرد على ايران بطريقة ما، لذا فهم يردون عليها في لبنان بالضغط على حزب الله”.
ويعتبر الباحث اللبناني وضاح شرارة ان التطورات الاخيرة بين السعودية ولبنان التي توجت الاربعاء بقرار صدر عن مجلس التعاون الخليجي باعتبار حزب الله “منظمة ارهابية”، “جزء من النزاع الاقليمي العريض بين السعودية وايران”.
وقرر مجلس التعاون الخليجي الاربعاء اعتبار “ميليشيات حزب الله بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة ارهابية”، واعلن عزمه اتخاذ اجراءات بحق الحزب اللبناني.
ويأتي القرار بعد اقل من اسبوعين على وقف السعودية مساعدات الى الجيش وقوى الامن اللبنانية بقيمة اكثر من ثلاثة مليارات دولار، بسبب “مواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة”.
وأتبع هذا الموقف بطلب دول خليجية من رعاياها مغادرة لبنان وعدم زيارته.
وتأخذ المملكة على لبنان امتناعه عن التصويت على بيانين صدرا عن اجتماعين لوزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي دانا هجمات تعرضت لها مقار بعثات دبلوماسية سعودية في ايران، على ايدي محتجين على اعدام رجل الدين السعودي الشيعي المعارض نمر باقر النمر.
كما تأخذ دول الخليج على حزب الله المدعوم من ايران والذي يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، قتاله الى جانب النظام السوري، ودعمه للمتمردين الحوثيين في اليمن.
وتنقسم الحكومة اللبنانية بين كتلتين سياسيتين كبيرتين احداهما مدعومة من السعودية (قوى 14 آذار)، واخرى من ايران (حزب الله وحلفاؤه)، ما يجعلها عاجزة عمليا عن اتخاذ اي قرار، واثار موقف وزير الخارجية جبران باسيل المتحالف مع حزب الله في مؤتمر منظمة التعاون الاسلامي من السعودية في حينه انتقادات واسعة من خصومه داخل لبنان.
ويخشى هؤلاء من انعكاسات الاجراءات السعودية والخليجية على لبنان، ان لجهة التوترات الامنية او خصوصا التداعيات الاقتصادية المحتملة على بلد ينوء تحت حمل عبء اللاجئين السوريين ويقتات عشرات الالاف من ابنائه من دول الخليج.
ويبدي رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير تخوفه على “مصير عشرات الالاف من اللبنانيين المرتبطين بالخليج والشركات اللبنانية الموجودة في تلك الدول”.
ويقيم ويعمل في السعودية 300 الف لبناني من اجمالي نصف مليون في دول الخليج. وبلغت قيمة تحويلات اللبنانيين من دول الخليج سبعة مليارات و500 مليون دولار العام 2015، وفق المحلل الاقتصادي ورئيس قسم الابحاث في بنك بيبلوس نسيب جبريل.
وعبر العديد من اللبنانيين عبر وسائل الاعلام عن خشيتهم من خسارة مورد رزقهم في دول الخليج.
ويقول رجل اعمال يعمل في الامارات العربية رافضا الكشف عن اسمه لوكالة فرانس برس “يجب ان اجدد اقامتي قريبا، وانا اخشى فعلا الا احصل على هذا التجديد”.
كما تعد الاستثمارات السعودية من ابرز الاستثمارات الاجنبية في لبنان خصوصا في القطاعين العقاري والفندقي.
كما يسأل شقير بانفعال عما سيكون عليه “مصير الاقتصاد اللبناني في حال قررت دول الخليج وبينها السعودية إقفال حدودها امام الصادرات اللبنانية”، لافتا الى ان وجهة “75 % من الصادرات الزراعية و53 % من الصادرات الصناعية هي دول الخليج”.
الا ان شرارة يعتبر ان تصنيف حزب الله “منظمة ارهابية” من جانب دول الخليج “اشبه بسيف مسلط على رؤوس الجماعات او المجتمعات” التي يتواجد فيها او لديه مناصرون فيها، مضيفا “انه سلاح احتياط اكثر مما هو سلاح للاعمال المباشرة”.
ويقول جبريل ان المخاوف من ترحيل اللبنانيين وتراجع التحويلات التي تشكل ابرز دعائم الاقتصاد اللبناني، “غير واقعية وتاتي من باب التهويل وبالتالي لا يمكن الجزم بحدوثها”.
ويشدد على ان “قرار المستثمر السعودي او الاجنبي عموما لا يرتبط بالتوجهات السياسية الرسمية، وانما يستند الى دراسات الجدوى ودراسات السوق وفق معايير علمية”.
وتاتي الازمة اللبنانية السعودية على خلفية ازمة سياسية حادة في لبنان مرتبطة بالانقسام حول النزاع السوري، وجهود متواصلة لعدم وصول التوتر الامني الى لبنان كما حصل في سنوات النزاع الاولى.
ويقول المحلل السياسي والسفير السابق في واشنطن عبدالله بو حبيب لفرانس برس “اللبنانيون غير قادرين على خوض حرب السعودية في المنطقة”.
ويضيف “هناك خلاف سني شيعي في المنطقة، لكن لبنان يحتاج الى التوازن، وكل اللبنانيين يدركون ذلك”، معتبرا ان “الوحدة الوطنية تبقى اهم من التضامن مع اي بلد صديق في الخارج”.
المصدر: وكالات