شهد مؤتمر «فالداي الشرق الأوسط»، حوارات ساخنة في اليوم الأول لانعقاده في موسكو، وكان الملف السوري على رأس ملفات السجال فيه. ومع تأكيد موسكو ضرورة وضع استراتيجية شاملة لخروج المنطقة من أزماتها، انقسمت مواقف الحاضرين وبرزت «مواجهة» عربية – إيرانية، بعدما حاول ممثلو طهران توجيه سهام النقد نحو العرب.
ويبدو أن أجواء «العزلة» التي سعى المنظمون الى فرضها على الحضور لم تساعد في تقريب المواقف، إذ جاء اختيار ساحة الحوار في فندق على طرف موسكو شمالاً، ليبعد حوالى 100 من المشاركين من روسيا وبلدان المنطقة من صخب المدينة وإغراءاتها، لكنه لم يخفف من تباعد المواقف على رغم اللغة الديبلوماسية الهادئة والحازمة في الوقت ذاته، التي حملها خطاب وزير الخارجية سيرغي لافروف الى الحاضرين. إذ حذّر من «استحالة حل أزمات المنطقة في ظروف سعي البعض الى استخدام الإرهابيين كبيادق في لعبة شطرنج». ودعا المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود الرامية إلى تسوية الأزمات، والشروع في وضع استراتيجية شاملة لاستعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأضاف لافروف أن تدهور الوضع في الشرق الأوسط يمثّل خطراً كبيراً على البنية الدولية برمتها، قائلاً: «من الواضح أنه لا يمكن تحقيق استقرار طويل الأمد للأوضاع من دون اجتثاث بؤر الخطر الإرهابي، وبالدرجة الأولى القضاء على تنظيم «داعش» الذي فرض سيطرته على مساحات شاسعة من أراضي المنطقة»، منتقداً «محاولات استخدام الإرهابيين في ألعاب جيوسياسية مشبوهة».
وقال ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، إن موسكو قلقة من الـ «خطة ب» الأميركية، لكنها لا تعرف تفاصيل هذه الخطة، داعياً الى التعامل الإيجابي مع «لحظة الحقيقة»، في إشارة الى اتفاق الهدنة في سورية، مضيفاً أن هذا الاتفاق في حال تطبيقه سيصبح مثلاً جيداً على العمل الجماعي الفاعل للمجتمع الدولي. وتابع بوغدانوف أن موسكو «تقوم بالعمل الضروري مع دمشق، وتنتظر من الولايات المتحدة أن تحذو حذوها لدى التعامل مع أطراف الصراع الأخرى.
ومع تأكيده ضرورة تحويل الاتفاق إلى قرار دولي يتبناه مجلس الأمن، شدّد على قلق موسكو من محاولات إنشاء «منطقة عازلة» على الحدود السورية – التركية وتشكيل «تحالفات عسكرية جديدة»، مجدداً التذكير بالدعوة الروسية الى إقامة تحالف عريض ضد الإرهاب. وأكد بوغدانوف أن الغارات الجوية الروسية في سورية التي «زعزعت القدرات العسكرية للإرهابيين»، سمحت بدفع التسوية.
ولم يقتصر تقديم ملف الإرهاب على كل ملفات الأزمة السورية على حديث لافروف ونائبه، إذ كان منتظراً أن تنضم مستشارة الرئاسة السورية بثينة شعبان، الى هذا الجهد، واعتبرت الحرب في سورية جزءاً من أحداث «الربيع العربي» التي استهدفت الدول العربية الأكثر تقدماً، مشيرة الى وجود «عالمين في وطننا العربي»، أحدهما يصنعه الإعلام الغربي ويروّج له، والثاني هو الواقع الذي تعيشه شعوب المنطقة.
واتهمت الغرب بتجاهل «الإصلاحات» في سورية وتكثيف الهجمة عليها. وشدّدت على إنكار وجود «طرف آخر» في المعادلة السورية، لأن «المعارضة في أستراليا هي أحزاب تخوض انتخابات وتعلن مواقف، أما من يطلقون على أنفسهم عندنا معارضة، فهم يحملون السلاح ضد الدولة». وذكّر هذا الموقف بعبارة شعبان الشهيرة في العام 2011، بعد مرور شهور قليلة على بدء تطور الموقف في سورية، عندها قالت في موسكو رداً على سؤال «الحياة» عن استعداد النظام للحوار: «حوار مع من؟»، مؤكدة أنها «لا ترى طرفاً يمكن الحوار معه».
أما وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، فاعتبر الاتفاق الروسي – الأميركي في شأن وقف إطلاق النار في سورية، تطوراً إيجابياً في المنطقة. وتابع أن العالم العربي بعد مرور 5 سنوات على اندلاع أحداث «الربيع العربي»، وجد نفسه ليس في الموقف الذي سعى إليه، وما زال يواجه دائرة واسعة من عدم الاستقرار.
وبين السجالات حول مآلات الوضع في سورية والمآسي التي حملها ربيع العرب، تسبّب حديث باحث إيراني وجّه أسهم الانتقاد الى السعودية والدول العربية، في اندلاع مواجهة كلامية ساخنة مع الجانب العربي من الحضور. إذ ردّ أحدهم على «الخطاب التحريضي» الإيراني الذي يستهدف المملكة والعرب عموماً، مشيراً الى أن الحاضرين في اللقاء يبحثون عن آليات إيجابية لتعزيز التعاون بين روسيا والمنطقة، بينما يصرّ الطرف الإيراني على إشعال مزيد من الحرائق عبر التحريض. ولفت الى أن دولاً عربية عدة تواصل مد قنوات الاتصال والتعاون مع موسكو، علماً أن الندوة تزامنت مع وجود وفد من مجلس الشورى السعودي في موسكو أجرى لقاءات ناجحة مع المسؤولين الروس.