تنبأ ليونيد كرافتشوك بأن الأمور لن تنتهي في أوكرانيا باحتجاجات، كتلك التي اندلعت منذ عامين في “ميدان” كييف، بل بشيء بالغ السوء، هو “ثورة” ستكون الأخيرة!
وجاءت تصريحات رئيس أوكرانيا الأول بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي، في مقابلة مع قناة “أوكرانيا-112” التلفزيونية (19 02 2016).
بدوره، صرح الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يوشِّينكو (2005 – 2010) لصحيفة “سيغودنيا” الأوكرانية (19 02 2016) بأن أوكرانيا تمر بأعمق أزمة منذ تسعينيات القرن الماضي.
وأضاف يوشِّينكو أن بلاده فقدت خلال سنة ونصف السنة 350% من قيمة عملتها الوطنية؛ وهي تقف على شفا الإفلاس.
يجب القول إن أزمة الحكم في أوكرانيا قد أخذت بالتفاقم، بعد إجبار الرئيس الشرعي فيكتور يانوكوفيتش على مغادرة أوكرانيا والهرب إلى روسيا (23 02 2014).
وقد لعبت الدور الأول في الانقلاب على يانوكوفيتش مساعدة وزير الخارجية الأمريكي الأوكرانية الأصل فيكتوريا نولاند في سبيل فصل العرى الروسية-الأوكرانية الوثقى، وذلك تحت شعار القضاء على الفساد والتمهيد لدخول أوكرانيا إلى الجنة الأوروبية الموعودة.
لكن الأمور انتهت بانضمام القرم إلى روسيا، وفقدان كييف السيطرة على دونباس، وعودة صراع الأوليغارشيين ليستعر من جديد على التركة الاقتصادية السوفياتية.
وقبل عام (24 03 2015)، وبمساعدة من الأمريكيين، الذين أصبحوا أهل العقد والحل في كييف، أقال الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو الأوليغارشي إيغور كولومويسكي من منصب حاكم مقاطعة دنيبروبيتروفسك، وذلك بعد نشوب خلاف بينهما حول السيطرة على الشركات النفطية الحكومية.
واستدعت الخلافات بين رجال الحكم الجدد مجيء نولاند غير مرة إلى كييف.
وقد جاءت فى يونيو الماضى واجتمعت طويلا برؤساء الأحزاب والكتل البرلمانية ورجال الأعمال وطلبت منهم مساندة بوروشينكو، رأس الحربة في الهجوم المتواصل على روسيا المنشغلة بالأزمة السورية.
لكن خروج موسكو من الفخ الأوكراني، انتزع كل الأوراق من يد بوروشينكو وأجبره على الانسحاب مهزوما من مرجل دونباس.
ولذا عادت نولاند فى السادس من أكتوبر الماضي إلى كييف، ويقال إن مساعدة الرئيس الأمريكي خيرت “ملك الشوكولا” بين إبقاء النار مشتعلة تحت الرماد في دونباس وإشعال العجلات في “ميدان” كييف، كما فعل الأوكرانيون قبل عامين.
ويؤكد العارفون أن نولاند سألت بوروشينكو، الذي يجيد الإنجليزية: “هل أنتم على استعداد للاستكانة لفقدان القرم ودونباس؟ ..Its impossible”.
فالأمريكيون لم يؤججوا انتفاضة “الميدان” منذ عامين، فقط لكي يستبدل فساد يانوكوفيتش بفساد أشد وأدهى.
ولم ينفقوا 5 مليارات دولار لكي يتوقف أبناء دونباس والجنود الأوكرانيون أخيرا عن قتل بعضهم بعضا.
لكن مسلسل الفضائح استمر، وحدثت إحداها في جلسة المجلس الوطني للإصلاح في أوكرانيا (14 12 2015)، حيث اتهم حاكم مقاطعة أوديسا (رئيس جورجيا السابق) ميخائيل سآكاشفيلي وزير داخلية أوكرانيا الأرميني أرسين أفاكوف باختلاس الأموال العامة
فما كان من وزير الداخلية إلا أن قذف سآكاشفيلي بكوب من الماء.
وفي مطلع الشهر الحالي (03 02 2016)، استقال وزير التنمية الاقتصادية والتجارة الليتواني الجنسية آيفاراس أبرومافيتشوس، احتجاجا على ضغوط الأوليغارشيين عليه.
وفي هذه الأثناء، التي تضاعف فيها حجم ثروة الملياردير بوروشينكو، أصبحت خلافاته مع رئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك المتهم بالفساد تشتد وتكبر.. إلى أن طلب بوروشينكو منه الاستقالة طوعا، ولما لم يمتثل ياتسينيوك، طرح بوروشينكو موضوع حجب الثقة عن حكومة خصمه قبل أسبوع (16 02 2016).
لكن مساعي بوروشينكو باءت بالفشل؛ إذ صوت 194 نائبا فقط من أصل 450 نائبا لحجب الثقة، في حين كان الحد الأدنى المطلوب هو 226 نائبا.
وكان ما حصل في البرلمان مفارقة عجيبة؛ فالنواب، الذين كانوا قبل دقائق ينتقدون عمل الحكومة ويهددونها بالويل والثبور وعظائم الأمور، لم يستطيعوا إسقاطها. إذ قبل لحظات من التصويت، غادر القاعة فجأة النواب المرتبطون بأوليغارشيي أوكرانيا: رينات أحمدوف، إيغور كولومويسكي وفيكتور بينتشوك وغيرهم.
وفي اليوم التالي (17 02 2016) أعلن حزب “الوطن” عن خروجه من “تكتل بوروشينكو”. وتبعه بعد ذلك بيوم حزب “المساعدة الذاتية”. ما أدى إلى انهيار الائتلاف الحاكم في “الرادا العليا” البرلمان.
وعلق سآكاشفيلي على ما يجري هذه الأيام في وطنه الثاني في خطابه في مدينة تشيرنوفتسي الأوكرانية أمس (22 02 2016) قائلا، إن “انقلابا انتقاميا أوليغارشيا” وقع في أوكرانيا، وإن الأزمة لا تزال في بدايتها.
وفي ضوء كل هذه المشكلات، التي تعصف بأوكرانيا، يذكِّر معنيون بأن يانوكوفيتش كان سيغادر منصبه الرئاسي في مطلع عام 2015، وأنه وافق في مطلع عام 2014، على توقيع اتفاقية الشركة الانتسابية مع الاتحاد الأوروبي، والتي اتخذت ذريعة لإزاحته عن السلطة، لكنه طلب إرجاء تطبيق الشق الاقتصادي منها لمدة سنة. في حين أن سلطات كييف الجديدة لم توقع الاتفاقية إلا في نهاية عام 2015، وأرجئ الشق الاقتصادي منها إلى الأول من يناير2016 بطلب من روسيا. وإضافة إلى ذلك، فإن أوكرانيا لا تزال واقفة عند باب الاتحاد الأوروبي تدقه ولا يسمح لها بالدخول.
عندما جرى انقلاب عام 2014، كانت الكراهية لروسيا هي ما يوحد أبطاله. وحين حان أوان العمل تبين فشلهم. وفشل أولئك الذين راهنوا عليهم من وراء البحار.
وحين يتنبأ كرافتشوك ذئب أوكرانيا العجوز، الذي كان له الدور الأكبر في تفكيك الاتحاد السوفياتي، بثورة عاتية مقبلة على بلاده، فهو يعرف عما يتكلم.
وهي ثورة لن تكون بالطبع برتقالية، وكلنا أمل بأن لا تكون بلون الأحمر القاني.