في جولة ميدانية لصحيفة الحياة اللندنية وعلى مئذنة أحد المساجد المطلة من مسافة بضع مئات من الأمتار على مدخل بنغازي الشرقي، بالإمكان مشاهدة علم تنظيم «الدولة الإسلامية» يرفرف شاهداً على إحكام «داعش» سيطرته على هذه المنطقة الاستراتيجية. هنا المدخل الوحيد الذي يربط المدينة بالخارج بسبب وقوع باقي المداخل على خطوط التماس، وبإمكان مقاتلي التنظيم وحلفائهم من مقاتلي «مجلس شورى ثوار بنغازي» إغلاق هذا الشريان الحيوي متى شاؤوا.
لا تزال القوات التي تقاتل ضمن تحالف الجيش الذي يقوده الفريق خليفة حفتر تسيطر على غالبية أنحاء بنغازي، لكنها خسرت مواقع حيوية في المواجهة مع التنظيمات الإسلامية التي لا تزال تتحصن في حي الصابري وسوق الحوت داخل المدينة بالإضافة الى عدة أحياء على أطرافها، بالتزامن مع تأكيدات بأن تنظيم الدولة بات صاحب اليد الطولى في هذه المواقع، بعد أن حصل على مبايعة الكثير من مقاتلي «أنصار الشريعة» و «درع ليبيا» وغيرهما من التنظيمات المنضوية تحت مظلة «مجلس الشورى»، في تكرار لما كان قد حصل في مدن ليبية أخرى، بخاصة في سرت، التي بات يخشى ان تتحول لعاصمة تنظيم «الدولة» في شمال افريقيا.
تزامنت زيارة الصحيفة لبنغازي مع هجوم مفاجئ للتنظيم، استهدف ميناء السدرة النفطي قرب راس لانوف الشهر الماضي، واستطاع ما يعرف بحرس المنشآت النفطية بقيادة ابراهيم جضران التصدي له، لكنّ مقاتلي التنظيم الذين شنوا الهجوم من مواقعهم في سرت والنوفلية، استطاعوا إحكام سيطرتهم على بلدة بن جواد، ليقفوا على بعد نحو خمسين كيلومتراً من الموانئ النفطية.
تطور تزامن ايضاً مع احتفال «وكالة أعماق» التي تبث أخبار تنظيم «الدولة» بإعلان محمد الزوي، أمير «مجلس شورى ثوار إجدابيا» مبايعته لأبي بكر البغدادي، ليصبح اكثر من نصف المدينة الذي يضم غالبية مراكزها الحيوية تحت سيطرة التنظيم.
ولتكتمل سوداوية المشهد شرقي البلاد الذي يعرف بإقليم «برقة»، بدا واضحاً ان حجم الخلافات التي كانت بدأت تنخر في صفوف تحالف حفتر قبل نحو عشرة أشهر، تصاعدت على نحو بات ينذر بانشقاق خطر، قد يؤدي لانهيارات اكبر بكثير مما حصل حتى اليوم، يتوقع ان تصب في مصلحة تنظيم «الدولة الإسلامية».
يقول فرج إقعيم الذي يقود الجهاز المعني بمواجهة التنظيم في بنغازي «إن الخطر بات محدقاً»، وبأن «توسع التنظيم بات التحدي الأكبر الذي يواجه الجميع»، قبل ان يعترف بأسى «إنهم اكثر منا تطوراً داخل الميدان، وحتى في التنقل والحركة».
يرأس إقعيم جهاز مكافحة الإرهاب والعمليات الخاصة في بنغازي، وهو جهاز لا يشبه في شيء نظراءه حتى في اكثر الدول فقراً، إذ باستثناء شاشة عرض تم توصيلها ببعض كاميرات المراقبة التي ترصد مداخل المقر، لا وجود لأي خبراء أو أدوات توحي بطبيعة مهام الجهاز.
ينضوي تحت سلطة هذا الجهاز بضع مئات من المقاتلين المدنيين الذين كان لهم دور كبير في التصدي للتنظيمات الإسلامية التي كانت تحكم سيطرتها على مدينة بنغازي، وأسهموا مع كتائب محلية أخرى بالجهد الاكبر في دخول المدينة، عقب إعلان حفتر ما بات يعرف بعملية «الكرامة» في تشرين الاول (اكتوبر) عام 2014، ومُنحوا وضعاً رسمياً بتكليف قائدهم فرج إقعيم برئاسة جهاز مكافحة الارهاب التابع لوزارة الداخلية.
يقول القائمون على عملية «الكرامة» التي ضمت مجموعة من كبار ضباط ومقاتلي الجيش الليبي والقوى المساندة، إن الدافع إليها كان استفحال ظاهرة الاغتيالات والعنف في ثاني اكبر مدن البلاد، واستطاع التحالف الذي نشأ على أثرها السيطرة على غالبية بنغازي مطلع عام 2015، وحصار تنظيم «انصار الشريعة» وكتيبة «السابع عشر من فبراير» و»راف الله السحاتي» و «درع ليبيا»، في بعض الأحياء.
وأكد مصدر قيادي في «مجلس شورى ثوار بنغازي» الذي ضم هذه التنظيمات لاحقاً أن غرفة عمليات معركة بنغازي تدار من العاصمة طرابلس، وقال المصدر الذي التقيته في اسطنبول ورفض الكشف عن اسمه إن خطوط الإمداد لهذه التنظيمات لا تزال مفتوحة عبر البحر من مدينة مصراتة، وان قائد كتيبة «راف الله السحاتي» اسماعيل الصلابي الذي يعتبر الآمر الفعلي لـ «مجلس شورى ثوار بنغازي» يشرف عليها من هناك.