جدد وزير الخارجية سامح شكري إدانة مصر للسياسات الإيرانية والاعتداءات التي تعرضت لها سفارة وقنصلية السعودية لديها، وقال “إننا نرفض تدخلاتها في شئون القضاء وأحكامه ضد مواطن سعودي”.
ووجاءت كلمة الوزير أمام اجتماع مجلس الوزاري الطارئ بالجماعة العربية اليوم الأحد.
“لقد شهدت العلاقات بين الدول العربية وإيران منذ عام 1979 موجات صعود وهبوط عديدة كان السبب الرئيسى فيها هو تصور القيادات الإيرانية أن هناك ما يبرر لها التدخل فى الشأن الداخلى للدول العربية”.
وبالإضافة إلى ما شاب العلاقات المصرية الإيرانية من صعوبات فى هذا السياق لأسباب تعرفونها جميعاً ولا مجال لسردها مجدداً اليوم، وهى الصعوبات التي وضعت حدوداً على تطوير العلاقات بين الشعبين المصرى والإيراني، فإنه من الملحوظ أن السنوات العشر الماضية أو ما يزيد قليلاً قد شهدت ما يمكن تسميته “توتراً متصاعداً” فى العلاقات الإيرانية العربية لاسيما فى منطقة المشرق والخليج العربيين.
وتابع، فمع التحولات التى اجتاحت المشرق العربى اتصالاً بحرب الخليج الثانية وما تبع ذلك من تصوير لتلك التطورات وكأنها هزيمة لطائفة بعينها وصعود لأخرى على النحو الذى فتح الباب لنعرات وصراعات طائفية بغيضة تدفع المنطقة العربية ثمنها حتى اليوم، فى حين كان غياب جيش وطنى عراقي قوى، من بين أسباب انتشار الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، بل وكان أول ظهور لما يعرف اليوم زوراً بـ”الدولة الإسلامية” فى العراق عام 2006، وهو ما ساهم بدوره فى تعميق الانقسام الطائفى فى العراق نتيجة الهجوم المتكرر على رموز الطائفة الشيعية الكريمة.
وقد توالت بعد ذلك سلسلة من الأحداث كان أهمها الاغتيال المجرم لزعيم لبنانى ذى احترام واسع عربياً ودولياً، وهو رئيس الحكومة الأسبق “رفيق الحريرى”، وهو ما عمق الشرخ الطائفى على الساحة العربية.
وأضاف، وأسفر ذلك عن مجموعة من التطورات فى لبنان كرست ذلك الشرخ وأنتجت اصطفافاً طائفياً غير مسبوق، ثم جاءت أحداث سوريا منذ مارس 2011 لتشعل حرباً بين السوريين بحسب انتماءاتهم الطائفية بدلاً من الدفع نحو تحقيق التطلعات والطموحات المشروعة للشعب السورى بمختلف طوائفه وانتماءاته لدولة ديمقراطية عادلة.
وأكد أن معالجة التأزم الإقليمي الذى نُعانى تداعياته كعرب، والذى لا أشك فى أنه سيرتد ليؤثر سلباً على قوى إقليمية بما فيها إيران والتى نصبت نفسها فى بعض الأحيان مدافعاً عن الطائفة الشيعية، إنما يتطلب من كافة القوى الإقليمية أن تجرى مراجعة صادقة ومعمقة لسياستها، وسيكون على إيران أن تقوم بذلك، إذ من الواضح بالنسبة لنا فى مصر أن التدخلات الإيرانية فى شؤون الدول العربية قد ساهمت بشكل كبير فيما آلت إليه الأوضاع المتدهورة التى بلغناها من تراجع لمفهوم الدولة ودورها، ومن تنام لمساحة الحركة المتاحة للاعبين خارجين عن القانون من أهمهم الميلشيات المسلحة والقوى الطائفية.
واستطرد، لسنا فى مصر من دعاة النظر إلى أحوال المجتمعات العربية من منظور طائفى، بل نحرص على احترام الطوائف كافة، ونسعى لأن يكون الأساس فى تحقيق تطلعات شعوب المنطقة هو حقوق المواطن المستمدة من انتمائه لدولته وليس من ارتباطه بطائفة أو بأخرى.
وتابع، وعليه، فإن مصر ترفض بشكل تام ما صدر عن المسئولين الإيرانيين من تهديدات للمملكة العربية السعودية الشقيقة بسبب قيامها بإنفاذ قوانينها الداخلية على مواطن سعودي، من بين آخرين، لمجرد أنه ينتمى إلى الطائفة الشيعية التى تشكل غالبية الشعب إيراني، وقد أدنا بقوة فى هذا السياق الهجوم على البعثات السعودية فى إيران حيث أخفقت السلطات الإيرانية فى توفير الحماية لتلك البعثات الدبلوماسية وفقاً لما يفرضه القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة. فهل يقبل المسؤولون الإيرانيون أن تتدخل دول أخرى مثلاً عندما تطبق إيران قوانينها فى التعامل مع مواطنيها من السُنة؟
وتساءل، وماذا عن مواطني دول المنطقة من المسيحيين واليهود؟ هل تؤول حمايتهم والدفاع عن مصالحهم إلى دول تدين غالبية شعوبها بالدين المسيحي أو اليهودي؟ كل ذلك بالتأكيد غير جائز شكلاً وموضوعاً، وما لم يكن احترام سيادة الدول وفق ما يقضى به القانون الدولى وأبسط قواعد حُسن الجوار، هو المرتكز والأساس لمواقف القوى الإقليمية وسياساتها، فإن الصراعات ستشتد وطأتها على النحو الذى يدفع ثمنه جميع شعوب وحكومات المنطقة التى باتت، وبكل أسف، أحد مصادر التوتر على الساحة الدولية.
وقال الوزير، مع إدانتي التى لا لبس فيها لتدخلات إيران فى الشأن العربى بحجة حماية الطائفة الشيعية الكريمة، التى لا أشك أننا كحكومات فى الدول العربية يهمنا أن نتعامل مع المنتمين إليها كمواطنين شركاء فى الوطن لهم كافة الحقوق وعليهم جميع الواجبات، لا فرق بينهم وبين سائر المجتمع، فإننى فى الوقت نفسه، وبذات القوة، أرفض أى محاولة لتوظيف ورقة التطرف فى أوساط الطائفة السُنية، وهو التوظيف الذى يجعل ممارسة التدخل فى شؤوننا كعرب حرباً بالوكالة، يقتتل بسببها أبناء الوطن الواحد وتفنى نتيجتها مقدرات شعوبنا، وهى أوضاع لا يراد لنا كحكومات عربية أن نتمكن من التعامل معها بفاعلية لإنهائها.
ولقد كنا مجتمعين، منذ أسبوعين، هنا فى مقر جامعة الدول العربية لإدانة التدخل التركى فـى شؤون العراق، ونحن اليوم نتخذ موقفاً مماثلاً من التدخـل الإيرانى فى الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية الشقيقة.
وما يبعث على قدر من الارتياح، رغم ما يتسم به الوضع الإقليمى من تدهور مؤسف، فهـو أننا كعـرب قادرون على اتخاذ مواقف واضحة نهدف منها لحماية مصالحنا المشتركة وصون أمننا القومى العربى الذى نؤمن فى مصر إيماناً عميقاً بضرورة حمايته عبر وحدة موقفنا وتضامننا الفعلى والمستمر، وبما نملك مجتمعين من عناصر القوة التى تسمح لنا بإدارة علاقاتنا بمحيطنا خارج الإطار العربى بما فى ذلك مع إيران على نحو يحقق الأمن المتكافئ للجميع، ويليق بتاريخ أمتنا، ويحفظ الأواصر القائمة بين دول وشعوب المنطقة لما فيه صالح الأجيال القادمة.
على ضوء ما نتمتع به من وحدة التاريخ ووحدة المصير والمستقبل، فإننا فى مصر نقف إلى جانب المملكة العربية السعودية وإخوتنا فى الخليج العربى وقفة صلبة، مؤمنين بقدرتنا كعرب، إذا تعاضدنا حقاً، على دعم بعضنا بعضاً لمواجهة تحدياتنا المشتركة.
واسمحوا لى أن أتوجه بطلب إلى السيد الدكتور نبيل العربى أمين عام جامعة الدول العربية فى هذا السياق وباعتبار مصر رئيسة القمة العربية، أن يحمل موقفنا اليوم إلى الأمم المتحدة خلال زيارته لها فى الأيام القليلة المقبلة.
المصدر: وكالات