أكدت دراسة أثرية للدكتور صبري طه حسنين أستاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة المنوفية بعنوان “ملامح التشريع ونظم العقاب في المجتمع المصري القديم في ضوء التشريع المعاصر”، أن مصر أسست أول ملامح التشريع ونظم العقاب في التاريخ والمستمرة حتى الآن.
وألقت الدراسة، المنشورة في كتاب المؤتمر الرابع للأثاريين العرب، الضوء على الجرائم التي تضر بالمصلحة العامة وهي الرشوة والاختلاس والتزوير واستغلال النفوذ وجرائم الدم المتعلقة بحياة الفرد وسلامة بدنه كالقتل والاعتداء على الأموال والسرقة وتزوير المحررات والتلاعب في الدفاتر والمستندات.
وأوضح الدكتور عبدالرحيم ريحان مقرر إعلام الاتحاد العام للأثاريين العرب أن تلك الدراسة كشفت عن أن الحكيم بتاح حتب حذر ابنه من الاختلاس باعتباره إخلالا بذمة الفرد مما يفقده الثقة بين الآخرين ويولد العداوة بين الناس، وكانت عقوبتها الإعدام شنقاّ أو الضرب بسيف ذي حدين وقد تناول المشرع المصري جناية الاختلاس في المواد 341، 112 بالقانون رقم 63 لسنة 1975 من قانون العقوبات بالمعاقبة بالأشغال الشاقة المؤبدة، وبالنسبة لجريمة تزوير المحررات فقد حذر منها “أمنموبي” ولده وكانت عقوبتها الإعدام، وفى المادة 211 من قانون العقوبات عقوبتها الأشغال الشاقة المؤقتة بالسجن.
وقال إنه من خلال تلك الدراسة فأن بتاح حتب حذر ابنه من السرقة قائلا “لا تسرق بالإكراه منزل فلاح”، وحذر أمنموبى ابنه قائلا “لا تفرحن من أجل ثروات أتت من طريق السرقة “، مشيرًا إلى أن عقاب السرقة في قانون حور محب كان ألف جلدة، وفى حالات أخرى كان الحبس أو الإعدام على الخازوق، ويختم السارق بخمسة أوضاع مختلفة في جسمه، ونصت المادة 317 من قانون العقوبات على الحبس مع الشغل إذا ارتكب السرقة في محل مسكون أو معد للسكنى، أو في أحد ملحقاته أو في محل معد للعبادة.
وأضاف أن عقوبة التعدي على ملكية الغير كانت الإعدام، وكذلك عقوبة شهادة الزور والحنث باليمين، وتلك العقوبة لا يجوز التسامح فيها أو العفو؛ لأنها كانت تمثل اعتداء على المعبود وتدمر العقيدة؛ لأن المجتمع المصري لجأ إلى القانون لحماية الأخلاق والدين والضمير من الانحراف.
وتابع أن المصري القديم حارب الغش التجاري من استخدام الموازين أو المقاييس أو المعايير المغشوشة، وكانت عقوبتها قطع اليد، وقد قال أمنموبي لابنه “إذا كانت قشرة الذهب توضع فوق السبيكة لتظهرها ذهبًا خالصًا، فإنها في الفجر تكون من قصدير”، كما حذر ابنه من الرشوة قائلا “القليل الحلال خير من كثير حرام”، كما أمره بعدم قبول أيي هدية من رجل ثري لأجل ظلم رجل ضعيف، وتعاقب المادة 103 من قانون العقوبات بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به.
وأشار إلى أن المصري القديم حذر أبناءه من عقوق الوالدين، وكان قاتل والديه يحرق حيًا على أشواك لزيادة الإيلام نظرًا لإزهاق روح من وهبه الحياة، وتنص المادة 230 من قانون العقوبات على العقاب بالإعدام لجريمة القتل عمدًا مع سبق الإصرار، موضحًا أن الزنا وهتك العرض والاغتصاب كان جريمة كبرى في مصر القديمة، وكان المصري يقر في وصيته بأنه لم يرتكب هذه الفاحشة أبدًا طوال حياته، وكان الزنا يعد للمتزوجين مخالفة للوفاء والإخلاص اللذين عرفهما المصريون، كالتزام متبادل يجيز عدم الوفاء به طلب الطلاق للمرأة.
وذكر أنه كان هناك اتجاهان في عقوبة الزنا وفعل الفاحشة، الأولى هي قطع الأنف بالنسبة للمرأة الزانية لتحرم من جمالها الذي أثار الانحطاط في غرائزهم، والجلد بالنسبة للرجل بمقدار ألف جلدة، وفى حالة هتك العرض، أو الاغتصاب قطع العضو التناسلي، وقيل أيضًا إن عقوبة الزنا كانت الإعدام.
وأكد أن المصري القديم اعتبر استغلال النفوذ جريمة وحذر أمنموبي ابنه من استغلال منصبه الوظيفي وألا يتسبب في إلحاق الضرر بإنسان استمالة للآخر قائلا “ولا تعزلن خادم الله لكي تؤدي خدمة لآخر”، وكذلك جريمة الغدر، وهي جريمة خاصة بتحصيل ضريبة غير مستحقة، أو ما يزيد على المستحقة مع توافر شرط العمد، ونصت المادة 114 من قانون العقوبات على معاقبة ذلك الموظف بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)