أصبحت نار الخلافات تنهش تحالف المصالح الهش بين الحوثي وصالح، بعد أن أدرك الأخير أن انقلابه على الشرعية لم يجد نفعا، وأن ارتماءه بين أحضان الحوثي له عواقب وخيمة، وأن ميليشيات الحوثي ما هي إلا واجهة تنفذ مشروعا إقليميا أكبر منه.
فإيران هي الفاعل الأساسي فيما يتعلق بميليشيات الحوثي، وتراهن عليهم أكثر من صالح وأنصاره، خاصة بعد تسليم الأخير -على طبق من فضة- مفاتيح مدينة صنعاء لميليشيات كانت عدوا بالأمس القريب، بالإضافة إلى الدفع بها من معاقلها الشمالية جنوباk لتسهيل سيطرتها على المحافظات اليمنية الأخرى بدافع الثأر والانتقام من ثورة أطاحت به.
وما تحالف صالح والحوثي “العفاشحوثى”، إلا تقارب تكتيكي فرضته شروط المرحلة، فمن جهة اعتقد صالح أنه سيتمكن من النكاية بالخصوم وتصفية الحسابات بسيف الحوثي، متناسيا أن خنجر الحوثي سيطيح برأسه أولا ليتم زرعه في خاصرة المنطقة العربية كبعبع يهددها.
ويبدو أن الشكوك بدأت تساور صالح وأنصاره، وأصبح يقلب كفيه على ما أفضى، ويراجع الأوراق التي انقلبت عليه للبحث عن طوق نجاة، والخروج من المأزق الذي أقحم نفسه به من خلال التحالف مع الحوثي، في ظل الانتصارات التي حققتها القوات الشرعية على الأرض.
فالحوثي وميليشياته بدأت سحب البساط من تحت قدميه شيئا فشيئا، إذ بدأت بإملاء الأوامر والشروط عليه وعلى مريديه، وهذا ما تبدى في مفاوضات جنيف 2.
فقد حاول صالح خلال المفاوضات التي جرت في سويسرا النأي بنفسه عن المسؤولية في إقحام البلاد في الحرب، وتحميل الحوثيين جريرتها وما آلت إليه من الدمار على البلاد.
فما قبول الحوثي بالمفاوضات إلا مناورة سياسية من أجل كسب الوقت، فالتدخلات الخارجية الإيرانية تحول دون التزام الحوثي وصالح بأي اتفاق سياسي، والاختراقات التي أحدثها صالح داخل المؤسسة العسكرية ومنظمات المجتمع المدني تزيد من صعوبة إيجاد آلية لتغيير الأوضاع على الأرض.
كما أن التجربة اليمنية تاريخيا مع ميليشيات الحوثي أو صالح، كنموذج للدولة الفاشلة، أثبتت أن هذه الأطراف لا ترغب في المسار السلمي، رغم إعلانها الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي 2216، وأن القرار الدولي لا يوفر ضمانات لتطبيقه.
ومن جهة أخرى، بدأت حالة من التململ والتذمر تدب في أوساط قادة صالح بسبب إملاءات ميليشيات الحوثي التي تسيطر على مفاصل السلطة المزيفة في المناطق التي ترزح تحت نير الانقلابيين، بعد أن سلبت دفة قيادة التمرد الانقلابي لصالحها، وأصبح للحوثيين اليد الطولي في كل قول فصل، وأنشأت مؤسسات بديلة تعمل في الظل لصالح تلك القوى الإقليمية.
ويتراءى ذلك في رفض ميليشيات صالح من عناصر الحرس الجمهوري السابق الانصياع لأي أوامر تصدر عن المتمردين الحوثيين في القيام بعمليات عسكرية يخطط أنصار الحوثي لها في محافظات يمنية عدة.
وليس أدل على أن مظاهر التصدع بدأت بالخروج على السطح، ما أوردته بعض المصادر المحلية في صنعاء من اندلاع اشتباكات مسلحة بين عناصر من ميليشيات الحوثي وعدد من أنصار صالح، برفضهم التوجه نحو مأرب والمشاركة في تنفيذ قرارات عسكرية اصدرتها ميليشيات الحوثي.
كما أن خارطة التحالفات القبلية المؤقتة مع صالح والحوثي بدأت تتآكل، وأن عقد التحالف بدأ بالانفراط بشكل قريب، إذ إن هناك حالة من الانكفاء من شيوخ القبائل اليمنية والقيادات في حاشد وباكيل وفي المناطق التي تعتبر مركز نفوذ لصالح والحوثيين، بعد أن استنزفت الحرب دماء أبنائها وأدركت أن المستفيد الأوحد من تلك الفوضى ميليشيات الحوثي والمشروع الإيراني في المنطقة.
ويعلم القاصي والداني أن صالح وأنصاره فقدوا البوصلة، وباتوا ورقة محروقة تم استهلاكها واستغلالها من ميليشيات الحوثي ومن يقف خلفها، ولا يمكنه أن يعيد خلط الأوراق والحسابات لإعادة إنتاج نظامه من جديد.
ولم يدر في خلد صالح الملقب بـ”ثعلب الدبلوماسية” على مدى عقود حكمه، أن تنقلب الموازين على رأسه وتعصف رياح الشقاق بشهر العسل بينه وبين الحوثيين، فتتكون صورة جديدة عوانها “انقلاب على الانقلاب”.