أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي, أن التغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط, فرضت تصورا جديدا للعقد الاجتماعي بين الشعوب والحكومات لايمكن التراجع عنه, وأن هذا لايعني “سقوط الدولة الوطنية” كما يروج البعض, وأن مكافحة الإرهاب تتطلب جهدا جماعيا وتجفيف منابع تمويل الإرهابيين.
وقال الرئيس -في كلمته أمام أعضاء المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن اليوم الخميس- إن الشرق الأوسط لن يعود كما كان, وإن منطقة الشرق الأوسط تتعرض منذ سنوات لتطورات سياسية متلاحقة اختلفت مسبباتها وحدتها وتداعياتها باختلاف الدول التى تعرضت لها.
وتابع بالقول (يمكننا أن نخوض طويلا فى المسببات التي تقف وراء هذه التطورات سواء كانت نابعة حصريا من داخل المجتمعات أو أن عوامل خارجية قد دعمت وعززت من قوة تلك الموجة وتأثيراتها غير أن المهم هنا هو الإقرار بأن منطقة الشرق الأوسط تشهد تغيرا غير قابل للتراجع وله تداعيات ضخمة.. سواء من حيث تطلعات الشعوب لحياة أفضل وعلاقة الشعوب بالحكومات.. أو من حيث الأدوار المختلفة التى تلعبها الأطراف المؤثرة مثل الحكومات والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى.. وهى أمور تدفعنا جميعا إلى التفكير بعمق فى مستقبل العديد من دول المنطقة).
وأضاف الرئيس أن الدولة الوطنية لم تسقط (لكن ستعاد صياغة العقد الاجتماعي), وأن تركيز الصحف ودوريات الفكر الغربية على مفهوم “سقوط الدولة الوطنية” يسترعي الانتباه, خاصة مع ذهاب البعض إلى وجوب إعادة صياغة المنطقة بالكامل نتيجة التآكل الظاهر فى فكرة الدولة الوطنية وفي قدرتها علي الصمود بالذات في وجه الصعود المتنامي لتيارات عنيفة ومتطرفة تريد أن تفرض رؤيتها الإجرامية متسترة بعباءة الدين الإسلامى وهو منها برئ.
وشدد على أنه لا يتفق مع أصحاب هذه الآراء التي (إن صحت بالنسبة لحالة بعينها لا يمكن تعميمها), مؤكدا أن الدولة الوطنية (لم تسقط في مصر رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها.. ولن تسقط).
وقال الرئيس “مع ذلك فينبغي الإقرار بأن التحديات الضخمة للأمن والاستقرار فى بعض المجتمعات.. بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومات على تلبية تطلعات الشعوب فى حدها الأدنى
قد تدفع إلى التفكير بأن ما يحدث هو نهاية عهد الدولة الوطنية.. ولكنني أقول أنه قد يمثل إذا أحسنا استثمار اللحظة – بداية سليمة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الشعوب والحكومات على قواعد وأسس ومفاهيم جديدة تتواءم بشكل أفضل مع تطلعات الشعوب واحتياجاتها الحقيقية.. دون حاجة إلى تفتيت الدول أو إعادة رسم الحدود أو ما شابه ذلك من تصورات أو اجتهادات فى غير محلها”.
وأكد أن (مكافحة الإرهاب لم تعد ترفا والجميع يجب أن يتضامن لمواجهة المخاطر), وأنه من المسلمات اليوم أن يتحدث الجميع عن مكافحة الإرهاب, قائلا “لكن مع الأسف هناك الكثير من الأمور المرتبطة بهذا الموضوع ليست محل اتفاق دولي بعد.. غير أن ما يهمنى هنا هو التأكيد على أن أي تنظيمات أو جماعات تعمل أو تحرض على تقويض سلطة الدولة والسيطرة على مساحات من الأراضى وعلى إخضاع المجتمعات والشعوب لإرادتها بقوة السلاح إنما هي تنظيمات إرهابية يتعين مكافحتها بشتى الوسائل وتجفيف منابع تمويلها ومدها بالسلاح.
وشدد على أن الأهم يتمثل فى ضرورة دحض وتفنيد الأفكار المتطرفة والعنيفة التي تستند إليها الجماعات الإرهابية في أنشطتها من خلال جهود فكرية وثقافية وإعلامية دؤوبة ومنسقة وعميقة, موضحا أن ظاهرة المقاتلين الأجانب تدعونا إلى التمعن في أسباب جاذبية هذه الأفكار المتطرفة بالنسبة لفئة من الشباب يعيشون في مجتمعات تتسم بمساحة كبيرة من الحريات والمساواة.
وبالنسبة للوضع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط, قال الرئيس إن فهناك حقيقتين هامتين فيما يتعلق بهذا الوضع من منظور مصرى خالص; الأولى: تتعلق بالنزاع الفلسطينى الإسرائيلي… والذي سيظل من وجهة نظرنا يشكل أحد المنابع الأساسية لانعدام الاستقرار في هذا الإقليم.. فتسوية القضية الفلسطينية على أساس عادل تفتح الطريق أمام تحقيق الاستقرار فى الشرق الأوسط.. ليس فقط لأنه الصواب والحق الذي يجب عمله وإنما أيضا لأنه يحرم أطرافا كثيرة من التستر وراء هذه القضية العادلة لتنفيذ أهداف سياسية وأمنية لا علاقة لها بفلسطين”.
وأضاف (أما الحقيقة الثانية فتتمثل فى رسوخ ومتانة العلاقة التى تربط بين مصر ودول الخليج العربى.. هذه العلاقة ذات البعد الثقافى والحضاري والشعبي والعمق التاريخي تمتلك طابعا سياسيا واستراتيجيا غير قابل للانفصام.. وقد وددت أن أذكرها لأنها يجب أن تكون من المعطيات في تعامل أي أطراف مع الوضع الاستراتيجي للإقليم).
وتابع بالقول إن (مصر اجتازت المرحلة الأصعب وتتطلع بثقة إلى المستقبل; فدعوني أقول لكم أن بلدنا قد اجتاز مرحلة دقيقة من التحديات كان يمكن أن تكون لها تداعيات سلبية خطيرة على استقراره لولا يقظة وحضارة الشعب المصرى والثقة التي تربط بينه وبين جيشه والقدرات الجيدة التي أبداها الجيش والأمن فى التعامل مع تلك التحديات..
ونحن ننطلق الآن بثقة إلى مستقبل نراه واعدا.. ولعلكم تابعتم فى أغسطس الماضى احتفالنا بافتتاح قناة السويس الجديدة والتى أراها تجسيدا حيا لرغبة المصريين فى بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.. وأنا على ثقة في أن الشعب المصرى يعي تماما التحديات الأمنية والأخطار المحيطة.. كما أننا نعمل بشكل دؤوب على مسارات متعددة للانتقال بالبلاد إلى تحقيق الطموحات الشعبية فى الاستقرار وتحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية).
أ ش أ