يفتح الإنسان ـ عامة ـ والفنان خاصةً قوسًا ثم يبدأ في بناء مشروعه أيًا كان، ثم لا يُغلق القوس إلا برحيله.
وها قد رحل كاتبنا الكبير جمال الغيطاني بعد نضال بطولي مع المرض، وبرحيله اكتمل مشروعه الذي بدأه قبل نصف قرن وواصله حتى أيامه الأخيرة.
اكتمال المشروع يفتح عينيّ الناقد أو المتلقي بصفة عامة على أبرز خصائصه، ولعل أبرز ما أضافه الغيطاني إلى الرواية العربية أنه كان من المؤمنين بأن القصص والرواية ليس شأنًا أوروبيًا خالصًا، فقد ولد الإنسان ليغني ثم ليقص، ولكل أمة حقها في اختيار طريقة قصصها وحكايتها للحكاية، هذا الإيمان لم يكن سهلًا ولا ميسورًا لأنه سيفتح باب التحدي لاختيار شكل وطريقة تناطح النموذج الأوروبي المستقر والمشهور والذي أثر في أجيال ورسخته التجارب في مختلف أنحاء العالم.
قرأ الغيطاني التاريخ جيدًا خاصة تاريخ مصر في الفترة المملوكية ومن كتابات مؤرخي تلك الفترة وبخاصة المؤرخ العظيم ابن إياس، استلهم الغيطاني طريقته الفريدة في قص القصة ورواية الرواية، هناك الحبكة الأوربية المعتادة ولكن طرق البناء وتشييد المعمار كان مصريًا بشكل مدهش.
لقد عايش الغيطاني كتابات المؤرخين وأشعار ومقولات المتصوفة معايشة صادقة محبة بدون استعلاء أو خوف من الخروج على النموذج الأوروبي، ومن تلك المعايشة استلهم طريقته الفريدة التي جعلت منه أحد أهم الروائيين العرب وأكثرهم جماهيرية.
لقد خاضت كتابات الغيطاني أحد الاختبارين القاسيين، نجحت في الأول وهو اختبار التلقي من الجماهير والنقاد، وبقي لها بعد اكتمال مشروع صاحبها الخضوع للاختبار الثاني وهو اختبار الزمن، هل ستصمد وتلهم أم تتواري مع مرور الأيام والسنيين؟!
المصدر: وكالات