ساعات قليلة ويبدأ أكثر من مليوني مسلم من شتى بقاع العالم مناسك حجهم، حيث تتوافد جموع الحجيج على مشعر جبل عرفات المقدس (الذي يبعد عن حدود مكة المكرمة بحوالي 22 كيلومترا) ، لإتمام ركن الحج الأعظم “فالحج عرفة” ، وذلك بعد أن تهيئوا له بالنية والإحرام وطواف القدوم والتوجه للمبيت في المزدلفة .
تتنوع الطقوس والمناسك وتتعدد العبادات فى الإسلام ويظل لموسم الحج وعيد الأضحى رونقهما الخاص، والأهمية الأكبر في قلوب المسلمين من عمار البيت حاجين ومعتمرين ، مبتهجين بالعيد وذبح الأضحية في رحاب الله ورسوله.
ويحظى المسلمون هذا العام بظاهرة لم تحدث منذ عقدين ، حيث سيكون هناك 3 خطب فى ثلاثة أيام متتالية (الاربعاء والخميس والجمعة) ، وهى خطبة وقفة عرفة “يوم الأربعاء” ، وخطبة العيد “يوم الخميس”، وخطبة الجمعة “يوم الجمعة .
ميز الله يوم عرفة ” اليوم التاسع من شهر ذي الحجة ” على غيره من الأيام، ففيه يجاب الدعاء، وتقال العثرات ، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل المشهد، وهو يوم عظم الله أمره، ورفع على الأيام قدره ، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والعتق من النيران ، واليوم الذى أقسم الله به ، والعظيم لايقسم الا بعظيم و صيامه يكفر سنتين ، وهو اليوم الذى أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم .
وشعائر هذا اليوم تبدأ بعد أن يصلى الحجيج صلاة الفجر في منى (التي تبعد 7 كيلومترات عن مكة) فينتظرون إلى شروق الشمس، ثم يسلكون بعدها طريقهم إلى عرفة وهم يرددون التلبية ، ويقضون فيها النهار كله حتى غروب الشمس، حيث يدعون الله ويذكرونه ويبتهلون إليه كثيرا مقتدين في ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتخلل اليوم خطبة يلقيها إمام الحجاج ثم يصلون خلفه الظهر والعصر جمعا وقصرا بآذان واحد وإقامتين.
يقضى المسلمون يوم عرفة في الصلاة والدعاء والاستغفار وقراءة القرآن من شروق الشمس لغروبها ، ثم النحر والحلق والتحلل ورمى جمرات العقبة مع بداية أيام التشريق، وتبدأ مناسك يوم عرفة منذ انتهاء الحجيج من صلاة الفجر في مشعر منى المقدس ، وينزل الحجاج من مشعر عرفات مع غروب الشمس حيث يتوجهون للمزدلفة ثالث المشاعر المقدسة.
تأخذهم مناسكهم إلى مساحة من الصفاء والخشوع والشفافية، يحاورون الله بقلوب محترقة ودموع مستبقة، خائفة قلقة ، وكلهم راج أحسن الظن بوعد الله وصدقه، وتائب أخلص التوبة ، هارب من ذنوبه لاجئا إلى الله طارقا بابه ، فكم هناك من مستوجب للنار أنقذه الله وأعتقه، ومن أعسر الأوزار فكه وأطلقه وحينئذ يطلع عليهم أرحم الرحماء، ويباهى بجمعهم أهل السماء، ويدنو مشهدا ملائكته أنه قد غفر لهم .
تتعلق بهم عيون القابضين على الرغبة والتمنى ، قلوب ألهبها شوق الزيارة وأحرقها ، يتابعون مشهد الوقوف بعرفة عبر التلفاز والحجيج في ملابس إحرامهم البيضاء ، ليظل مشهد هذا اليوم مشهدا مهيبا وجليلا بمعناه الدينى والإنسانى والاجتماعى ، يأخذ قلوب ووجدان مشاهديه عن بعد، وفضل وقفة عرفة بين مناسك الحج لا تأتي من فراغ ففضلها عظيم وكبير بين سائر الأيام الأخرى، وأيام شهر ذي الحجة نفسه فهو اليوم الذي أتم الله دينه على أمه الإسلام كما أعلن سيد الأنام ذلك في خطبة الوداع ، فى حجته الأولى والوحيدة للبيت الحرام .
والحج عبادة تجمع العبادات وتربط شريعة محمد بأبيه إبراهيم، وشرطها قبل السفر الاستطاعة والقدرة المادية والصحية ، وبعد العودة من الرحلة الحفاظ على التوبة لضمان استدامتها ويرجع موضوع عمارة بيت الله الحرام الذي يحج إليه المسلمون كل عام إلى سيدة مصرية هي “السيدة هاجر”، عندما تركها زوجها أبو الأنبياء إبراهيم في الصحراء وحيدة مع ابنها، وهاجر اسم من جزئين “ها” وتعنى باللغة الهيروغليفية زهرة اللوتس، و”جر” ومعناها أرض مصر وكنايتهما “مصر”.
وجاء من فعل السيدة هاجر الخير والبركات استجابة لدعوة خليل الرحمن سيدنا إبراهيم، حيث يحج المسلمون للبيت من هذه اللحظة والى أن تقوم الساعة، والحج مؤتمر إسلامي أعلن فيه النبي محمد فى حجة الوداع مبادئ حقوق الإنسان منذ 14 قرنا، حيث أكد أن للبشرية كرامة مابعدها كرامة وان لها حقوق ، وفيها أرسى دعائم الإنسانية وحقوق الإنسان، وهو مايعمل المسلمون على تعزيزه فى كل مرة يقومون فيها بحج البيت أو إعماره، حيث تزكى هذه المناسك الشعور بالانتماء لأمة عظيمة وهى امة الإسلام.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)