أكد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، أن المواد التي وضعت بمشروع الدستور الجديد جاءت بعد مناقشة وتباحث مكثف، مشيرًا إلى أنها عبّرت عن رأي جميع الطوائف والفئات في المجتمع المصري بداية من الأطفال حتى المسنين.
وأشار علام، “إلى أنه كان هناك الكثير من المناقشات الساخنة وبعض الخلافات خلال عمل لجنة الخمسين لتعديل الدستور، ولكن في النهاية استطعنا الوصول إلى التوافق في جميع المواد الخلافية.
وأكد مفتي الجمهورية أن دور ممثلي الأزهر بلجنة الخمسين كان بارزًا ومؤثرًا خاصة في المواد المتعلقة بالشريعة الإسلامية ومرجعية الأزهر الشريف، وأن الأزهر استطاع أن يحافظ على ثوابت الشريعة الإسلامية بالدستور، خاصة المادة الثانية التي تؤكد أن “الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع”، وهي مادة حاكمة على كل مواد الدستور.
وأوضح أنه لا يمكن تفسير أي مادة من مواد الدستور إلا في ضوء الشريعة الإسلامية، وهو ما أكد عليه ممثلو الأزهر الشريف مرارًا وتكرارًا خلال المناقشات وفي مضابط الجلسات.
وأشار الدكتور شوقي علام في لقائه إلى أن ما قاله البعض من تصريحات بأن الأزهر الشريف تنازل عن بعض الألفاظ الخاصة بالشريعة في الدستور لا أساس له من الصحة، لأن المادة الثانية هي الضمانة في ذلك، وأن الأزهر حرص على أن يكون تفسير كلمة مبادئ الشريعة في ديباجة الدستور.
وأضاف المفتي: “لقد حرصنا كذلك على وجود مادة في باب الأحكام العامة وهي المادة 227 والتي تقول: “يشكل الدستور بديباجته وجميع نصوصه نسيجاً مترابطاً وكلاً لا يتجزأ وتتكامل أحكامه في وحدة عضوية متكاملة”، وهي مادة لم توضع بدستور مصر من قبل والذي جعلنا نضعها هو التخوف على كثير من المواد وحرصنا أن تكون هذه المادة مع المادة الثانية ضمانه لوجود مرجعية الشريعة الإسلامية في الدستور”.
وحول تفسير كلمة “مبادئ” أوضح مفتي الجمهورية أن ممثلي الأزهر في لجنة الخمسين قد حرصوا على وضعه في ديباجة الدستور، مشيرًا إلى أنهم ارتضوا بعد بحث ودراسة معمقة بالتفسير المأخوذ من مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا، خاصة الأحكام التي نُص عليها والتي تشمل الأحكام والإجماع وقواعد الاجتهاد وقطعي الثبوت والدلالة وهذا التفسير منضبط ويعتبر بديلاً كافياً عن المادة 219.
وأكد المفتي إلى أن ممثلي الأزهر عندما أسندت إليهم هذه المهمة اتفقوا ألا يتكلموا إلا بأسلوب علمي بحت.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أنهم شكلوا لجنة بحثية معاونة لممثلي الأزهر في لجنة الخمسين مكونة من متخصصين: أستاذ في القانون، وأستاذ في أصول الفقه، وثالث متخصص في مجال الإعلام حتى يطلعوا على كل ما يتداول من أفكار حول مواد الدستور وننظر أين نحن منها.
وقال: “أول ما بحثنا هي المادة 219 لنرى هل هي صالحة لتفسير كلمة مبادئ، وبعد البحث العلمي وجدنا أن هذا التفسير به الكثير من الغموض وأننا لو أخذنا به فسيكون هناك خلل في البنية التشريعية، على سبيل المثال قانون الوصية الواجبة الخاص بالميراث والذي لن يتفق مع وجود المادة 219”.
وحول ما يروج بأن المحكمة الدستورية قد حصرت معنى “مبادئ الشريعة” في الأحكام قطعية الثبوت والدلالة، قال مفتي الجمهورية: “وجدنا بعد مراجعة علمية دقيقة أن تفسير المحكمة الدستورية قد عالج مشكلات المادة 219 التي حصرت المعنى في الأحكام قطعية الثبوت والدلالة فقط والتي لا تمثل إلا 5% فقط من الشريعة الإسلامية، كما وجدنا أن تفسير المحكمة الدستورية قد ألزم المشرع أن يأخذ بضوابط الاجتهاد الشرعي عند إصدار القوانين”.
ولفت إلى أن المجال التشريعي يحتاج إلى انضباط ويجب أن يحدد من أين يستقي المشرع القوانين، مضيفًا: “لذا حرصنا على وجود مواد الشريعة لكى يستقي منها في إطار الإسلام الحضاري الذي يستوعب كل من ينتمي لهذا الوطن”.
ودعا مفتي الجمهورية المصريين جميعًا إلى أن يقرأوا مشروع الدستور الجديد بتمعن وأن يقيموا مواده بتجرد، وأن يكونوا على وعي كامل ودراية لكي لا يصوتوا إلا بما يروه مناسبًا دون توجيه من أحد.
كما دعا إلى إجراء دراسة مجتمعية لمواد الدستور ومناقشته مادة مادة، حتى يستطيع المواطن العادي أن يحدد رأيه من دستور بلاده.
وحول خلط الدين بالسياسية، أوضح المفتي أن الشريعة الإسلامية جاءت شاملة لكل نواحي الحياة سواء علاقة الإنسان بربه أو بأخيه الإنسان حتى لو غير مسلم، وكذلك علاقة الدولة مع غيرها من المجتمعات.
وأوضح مفتي الجمهورية أن الإسلام قد وضع ضوابط للعملية السياسية كان أهمها ألا يستغل الدين من أجل تحقيق مصالح سياسية أو لتزيف إرادة الناس وتوجيههم، مشيرًا إلى أن القضاء على هذا الأمر يتأتَّى عن طريق عده برامج من أهمها التعليم وطرق التدريس.
وأكد المفتي أن دار الإفتاء كمؤسسة لا توجه الرأي العام تجاه التصويت سواء بـ “نعم أو لا”، بل كررت مرارًا أنه يجب على المواطن أن يكون رأيه بنفسه وأن يعلى مصلحة الوطن فوق المصالح الحزبية، وأن المشاركة الفعالة في كافة الاستحقاقات الديمقراطية وهو واجب وطني على جميع المصريين.
وقال مفتي الجمهورية: “إن الدستور الجديد قد ضمن المساواه بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات، لافتًا إلى أن في التشريعات القانونية يكون المبدأ فيها هو المساواة، وقد ساوى الشرع الشريف كذلك بين الرجل والمرأة في التكليفات والعبادات والثواب إلا ما كان يرجع إلى الطبيعة الأنثوية للمرأة”.
أكد المفتي أن الشعب المصري مر بأوقات عصيبة على مدار تاريخه مع ذلك استطاع أن يجتاز كافة الأزمات.
وأضاف: “لا أعقد أن ما نمر به يمكن أن يعرقل مسيرة الشعب، وهذا يرجع إلى أن مصر بُشِّرَ بها في القرآن الكريم بالأمن والأمان، وجاء في الحديث الشريف أن أهلها في رباط إلى يوم الدين.
وحول فوضى الفتاوى قال فضيلة مفتي الجمهورية: “إن هذه الظاهرة انتشرت أكثر مع انتشار الفضائيات مما أدة لخلخلة الأفكار في المجتمع”.
وطمأن المفتي المصريين بأن الأزهر الشريف يتصدى لهذه الظاهرة بمنهجية علمية وسطية نابعة من دراسة كتب التراث التي تعتبر الأساس في البنية العلمية السليمة.
وأشار إلى أن علماء دار الإفتاء والأزهر الشريف قد تربوا على هذه المنهجية فضلًا عن إدراكهم للواقع المعيش، لذا فهم مأهلون للفتوى، لأن مجرد فهم النص وحده لا يكفي لكي يصبح الشخص مؤهلًا للإفتاء، ولكن يجب أن يدرك الواقع جيدًا ويلازم بين الأمرين.
المصدر: وكالات