يحقق المفتش العام في البنتاجون في اتهامات لبعض المسؤولين العسكريين الأمريكيين بشأن تحريف تقارير استخباراتية حول الحملة التي تقودها الولايات المتحدة في العراق ضد داعش، بهدف تقديم صورة أكثر تفاؤلاً عن مسارها.
ونقلت تلك الأنباء صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، عن عدة مسؤولين على اطلاع بالتحقيق، والذي بدأ بعد أن قال محلل مدني يعمل في وكالة الاستخبارات العسكرية للسلطات بأن لديه أدلة بشأن تورط القيادة المركزية الأمريكية ـ القيادة العسكرية التي تشرف على الحملة الأمريكية وغيرها من العمليات التي تنفذ ضد داعش ـ في تحريف نتائج تقارير استخباراتية قدمت لصناع السياسة، ومن ضمنهم الرئيس أوباما.
وتشير الصحيفة إلى عدم توفر تفاصيل كاملة حول تلك الادعاءات، ومن ضمنها تقييمات قيل إنها عدلت، ولم يرد اسم المسؤول عن تعديلها في القيادة المركزية، أو سينتكوم.
وقال مسؤولون طلبوا عدم ذكر أسمائهم، نظراً لحساسية المعلومات، بأن التحقيق الذي فتح أخيراً ركز على فيما إذا أقدم مسؤولون عسكريون على تغيير نتائج مسودات تقارير استخباراتية خلال عملية المراجعة، أو قبل إرسالها إلى صناع القرار.
وبرأي نيويورك تايمز، تطرح احتمالات تحريف تقارير استخباراتية أسئلة جديدة بشأن المسار الذي تسلكه الحكومة الأمريكية في حربها ضد داعش، وقد تفيد في المساعدة على تفسير أسباب التباين الكبير في البيانات بشأن التقدم في الحملة.
وتلفت الصحيفة إلى أن التباينات في الرأي مشروعة وشائعة، وتلقى تشجيع مسؤولي الأمن القومي، ولذا ليس التحقيق الذي يجريه المفتش العام غير عادي، ولا يوحي بأن الاتهامات تتخطى حدود الاختلافات الاستخباراتية العادية، ولكن القواعد الحكومية تقضي بوجوب “عدم تحريف تقارير استخباراتية”، وفقاً لأجندات الوكالة أو تماشياً مع آراء سياسية، كما يطلب من المحللين ذكر مصادر معلوماتهم، مما يدعم النتائج التي توصلوا إليها، ويفيد في الإقرار بوجود وجهات نظر مختلفة.
وفي إطار تطبيق قانون فيدرالي صدر في عام 2011، يمكن لمسؤولين استخباراتيين أن يقدموا أدلة للمحقق العام بشأن أخطاء أو سوء تقييم.
وإن كانت الادعاءات صحيحة، يطلب من مقدميها نقلها إلى لجنتي الاستخبارات في مجلسي الشيوخ والنواب، وقال مسؤولون بأن ذلك ما جرى ذلك خلال الأسابيع الأخيرة، ولذا قرر المحقق العام في البنتاغون فتح تحقيق في القضية.
وامتنع متحدثون باسمي المحققين العامين في كلا المجلسين عن التعليق، كما امتنعت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض أيضاً عن التعليق.
ومن جانبه، قال المتحدث باسم “سنيتكوم”، الكولونيل باتريك رايدر، بأنه لا يستطيع التعليق على تحقيق ما زال المحقق العام يجريه، ولكنه تابع: “من مسؤولية المحقق العام التحقيق في أية اتهامات، ونحن نرحب وندعم الإشراف المستقل”.
وبحسب نيويورك تايمز، تقدم عدة وكالات تقييمات استخباراتية بشأن الحرب في العراق، ومنها وكالة الاستخبارات العسكرية، ووكالة الاستخبارات المركزية وسواها.
وذكر الكولونيل رايدر بأنه من الأمور العادية أن تقدم تلك الوكالات تقييمات واقتراحات بشأن عمل بعضها البعض، ولكنه أضاف بأن لكل وكالة الكلمة الأخيرة، سواءً في قبول تلك الاقتراحات أو رفضها، مؤكداً: “يضاف إليه أن طبيعة تعدد المصادر لعملية تقييمنا تهدف لمنع إحداث أي تقرير أو رأي تأثيره الكبير والوحيد على القادة وصناع القرار”.
وبحسب الصحيفة، ليس من الواضح كيف تتعدل عملية المراجعة عندما توكل للمحللين في وكالة الاستخبارات العسكرية مهمة العمل في سينتكوم، والتي يوجد لها قيادتان في كل من تامبا في ولاية فلوريدا، وفي قطر ـ كما قال أحد المحللين الذين تحدثوا مع المحقق العام.
وكان البنتاغون عمد، بعد هجمات 11 سبتمبر(أيلول) 2001، لنقل عدد أكبر من محللي وكالة الاستخبارات العسكرية من مقر القيادة في واشنطن إلى قيادات عسكرية حول العالم، حتى يكونوا على مقربة من الجنرالات المسؤولين عن حملات عسكرية.
وكان البيت الأبيض أمر في الصيف الماضي بشن حملة قصف ضد داعش، ويوجد حالياً في العراق قرابة 3400 جندي أمريكي، لتقديم خدمات التدريب والاستشارة للقوات العراقية، ولكن امتنع البيت الأبيض عن إعادة نشر أعداد أكبر من القوات البرية في العراق بعدما أعلن “إنهاء الحرب العراقية” في عام 2009.
وبالفعل، تقول نيويورك تايمز، ساعدت حملة القصف في العام الماضي على تحقيق بعض النجاح في تمكين القوات العراقية من استعادة أجزاء من البلاد استولى عليها داعش من قبل، ولكن مدناً كبرى مثل الموصل والرمادي ما زالت تحت قبضة التنظيم الإرهابي، كما لم يتم تحقيق تقدم كبير في طرد التنظيم من مساحات واسعة من الأراضي السورية، حيث نفذت الولايات المتحدة حملة قصف محدودة.
وفي نهاية يوليو(تموز) قال أرفع مبعوثي أوباما للعمل مع دول أخرى في الحرب ضد داعش، الجنرال جون ألين، في المنتدى الأمني في أسبن، بأن التنظيم الإرهابي “فقد زخمه، وتم تحجيمه استراتيجياً وعملاتياً، وتكتيكياً إلى حد بعيد”.
وقال ألين: “يتعرض داعش لخسائر كبرى”، ولكنه اعترف أيضاً بأن الحملة تواجه عدة تحديات، بدءاً من فضح حقيقة داعش، وصولاً لتطوير أداء القوات العراقية.
ولكن، وفق الصحيفة، كان وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، أكثر دقة في كلامه خلال مؤتمر صحفي عقد في الشهر الماضي، حيث قال: “تمر الحرب بمرحلة صعبة، وسوف تستغرق وقتاً، ولكني واثق من أننا سننجح في دحر داعش، ولدينا استراتيجية مناسبة لتحقيق هذا الهدف”.
ولكن، بحسب مسؤولين اطلعوا على تقارير سرية، رسمت تقييمات استخباراتية حديثة، وبعضها صادر عن وكالة الاستخبارات العسكرية، صورة قاتمة لمدى ما أصاب داعش من ضعف خلال العام الماضي، حيث أشارت تلك التقارير إلى أن الحملة التي استمرت طوال عام لم تؤثر كثيراً على صفوف المقاتلين الملتزمين بالقتال مع داعش، كما أن التنظيم تمدد إلى شمال أفريقيا ووصل إلى منطقة آسيا الوسطى.
وتلفت نيويورك تايمز إلى أن منتقدي استراتيجية الرئيس أوباما يقولون بأن حملة القصف لوحدها لن تؤدي، بدون تدخل عسكري بري، لإضعاف التنظيم الإرهابي، ولكن ليس من الواضح فيما إذا كانت تحليلات استخباراتية قد توصلت لنتيجة بأن نشر مزيد من القوات الأمريكية سيحدث فرقاً كبيراً.
وفي شهادته أمام الكابيتول هيل خلال العام الجاري، قال مدير وكالة الاستخبارات، الجنرال فانسانت ستيوارت: “إن إرسال قوات برية مرة أخرى إلى العراق يحمل مخاطر تحول الصراع إلى آخر بين الغرب وداعش، وهو ما سيكون أكبر نصر دعائي نقدمه لداعش”.
المصدر:وكالات