أصدرت مكتبة الإسكندرية طبعة جديدة لكتاب “خاطرات جمال الدين الأفغاني الحسيني” لمحمد باشا المخزومي، و ذلك في إطار مشروع ((إعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر و الرابع عشر الهجريين/التاسع عشر و العشرين الميلاديين)).
المشروع -الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية- نبعت فكرته “من الرؤية التي تتبناها المكتبة بشأن ضرورة المحافظة على التراث الفكري و العلمي في مختلف مجالات المعرفة، و المساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيداً لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري”، و ذلك كما أوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين في تقديمه لسلسلة إصدارات المشروع، و يضيف سراج الدين “أملنا هو أن نسهم في إتاحة مصادر معرفية أصيلة و ثرية لطلاب العلم و الثقافة داخل أوطاننا و خارجها، و أن تستنهض هذه الإسهامات همم الأجيال الجديدة كي تقدم اجتهاداتها في مواجهة التحديات التي تعيشها الأمة”.
و يعد اختيار القرنين الثالث عشر و الرابع عشر الهجريين/التاسع عشر و العشرين الميلاديين على وجه الخصوص رغبةً من المكتبة في تصحيح الانطباع السائد بأن الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون و العلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة، و لم تتجاوزها. و حيث الحقائق الموثقة تشير إلى غير ذلك، و تؤكد أن عطاء المفكرين المسلمين في الفكر النهضوي التنويري إنما هو تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة، بما في ذلك الحقبة الحديثة و المعاصرة التي تشمل القرنين الأخيرين.
و فيما يخص كتاب “خاطرات جمال الدين الأفغاني الحسيني”، فإنه يُعد من أهم مؤلفات محمد باشا المخزومي، طُبع لأول مرة عام ( ١٣٤٩ هـ/ ١٩٣١ م)، وهو يحتوي على الخاطرات التي ألقاها جمال الدين الأفغاني أثناء إقامته الأخيرة في الأستانة، في الفترة من (١٣١٠ هـ/ ١٨٩٢ م) إلى (١٣١٤ هـ/ ١٨٩٧ م)، أي حتى وفاته.
ترجع أهميته إلى أنه ضم آخر ما صرح به الأفغاني من آراء قبيل وفاته، بالإضافة إلى أن مُسجِّل هذه الخاطرات (محمد باشا المخزومي) كان موضع أسرار الأفغاني، فهو صديقه وتلميذه وملازمه. وقد كشف له الأفغاني عن نواياه، وأوضح له آراءه بحرية وصراحة؛ لذا جاء الكتاب صورة حيّة وصادقة لآراء جمال الدين؛ جامعًا بين دفتيه خلاصة ما أنتجه عقل هذا المفكر الإسلامي الكبير؛ من أحاديث ومحاورات ودروس وآراء كان يتلوها على مجالسيه ومريديه. كما حوى الكتاب ردود الأفغاني على بعض الاتهامات والمزاعم التي وجهت إليه، حيث كان المخزومي كثيراً ما يسأل الأفغاني عن التهم التي توجه إليه ويطلب منها الإجابة عليها
والكتاب لم يكتب في موضوع واحد، أو مطلب واحد، بل هو احاديث بعضها تعليق على الحوادث، وبعضها اتى على سبيل السؤال والاستفهام، والبعض الآخر على سبيل الجدل والحوار مع آخر. كما احتوى على بعض مقالات العروة الوثقى، ومختصر رسالة “الرد على الدهريين”، وعدد من المقالات والأحاديث التي لم تُنشر في أي عمل آخر، بالإضافة إلى بعض العبارات المختصرة التي قالها الأفغاني على شكل حكم ومواعظ، وسيرة حياة الأفغاني على لسانه، أو نقلاً عما كتبه محمد عبده. وهذه الموضوعات غير مرتبة أو مسلسلة، وكان بإمكان المخزومي أن يرتب موضوعات الكتاب إلى مقالات اجتماعية، وأخرى سياسية، وثالثة دينية، ورابعة ذكريات، غلا أنه ترك الموضوعات بغير ترتيب، وربما كانت الظروف التي عاشها المخزومي- عند نشر هذا الكتاب- وراء نشره على هذا النحو.
ويعتبر كتاب “خاطرات جمال الدين الأفغاني” حصيلة خبراته الحياتية، بعد أن تجمعت لديه حصيلة كبيرة من الخبرات والتأملات الطويلة، واختبار خططه في أرض الواقع، واستيعابه للتراث الاجتماعي للفكر العربي الإسلامي، وتجربته الثرية في مصر وادراكه لعمقها الحضاري والتاريخي، وبعد الاحتكاك المباشر بالفلسفات والتنظيمات الاجتماعية والأحزاب الاشتراكية الأوروبية، وبعد أن تنقل في مدن أوروبا، وعرف ما ذخرت به من تقدم صناعي، وما صاحبه من ظلم اجتماعي وصراع طبقي، واتصل بكثير من فلاسفتها وعلمائها وساستها.
ويتكون الكتاب من تمهيد، يليه مقدمة عن حياة جمال الدين الأفغاني ومسيرته وأهم أعماله، بالإضافة إلى خمسين موضوعاً تتناول شتى الجوانب التي عاصرها وساهم فيها. ويوضح الكتاب التطور والاختلاف الذي طرأ على فكر الشيخ جمال الدين الأفغاني، وذلك بعد التجربة التي عاشها، والرحلات التي قام بها، ولقاءاته مع الساسة والمفكرين، ومجادلتهم. كذلك اختلاف مواقفه من بعض القضايا التي نظر إليها في بداية حياته بارتياب، كموقفه من النشوء والارتقاء، ومن القومية والاشتراكية، ولكن بعد اتصاله الحياة الجديدة في أوروبا، وبالتنظيمات الجديدة ازدادت خبرته، فأعاد النظر في بعض مواقفه السابقة.
ويمكن تلخيص أهم أفكار كتاب “الخاطرات”، في فكرة وحدة المسلمين، وإقامة رابطة أو جامعة إسلاميةـ وهي الفكرة التي شغلت أغلب حياة الأفغاني، وكتب فيها أكثر مقالاته، وكانت الغاية وراء سعيه الدائم، وتنقله بين الأقطار الإسلامية وغير الإسلامية، وصار كل علمه وعمله من أجل تحقيق هذه الغاية. وتعتبر فكرة الجامعة الإسلامية هي الوسيلة لتحقيق غايته الأسمى وهي وحدة المسلمين. لذا فإن الآراء، والأفكار التي تناولها المؤلف في كتابه، تدور في فلك الجامعة الإسلامية، ويمكن تلخيصها في نقاط:
الوحدة الإسلامية في جامعة إسلامية.
ملامح الجامعة الإسلامية والوحدة الدينية.
الجامعة الإسلامية والوحدة السياسية (الخلافة).
الجامعة الإسلامية والوحدة القومية.
الجامعة الإسلامية والوحدة الوطنية.
وتعتبر هذه اهم أفكار كتاب “الخاطرات”.
يُذكر أن الكتاب من تقديم منى أحمد أبو زيد.
المصدر: وكالات