قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن الجهاد فى الإسلام بمعناه الصحيح والأعم والمفهوم هو بذلُ المجهودِ فى مقاومة العدو، لكنَّ بعض الناس فهموا أن هذا العدوَّ هو المعتدى فى الحرب فقط، ولكن الأمر ليس كذلك، بل كلُّ ما هو عدوٌّ لمراد الله ومقاصد الشريعة فى حياة الناس والأمة.
وأكد الإمام الأكبر خلال حديثَه الأسبوعى، المقرر إذاعته غدًا الجمعة، على الفضائيَّة المصرية، أن المرض عدوٌّ، ومقاومتُه جهادٌ، وكذلك الفقر عدوٌّ تجب مجاهدته ومقاومته، وقد استعاذ منه النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وقال الإمام على: “لو كانَ الفقرُ رَجلاً لقتلته” والجهل أيضًا نفس الشَّىء، فهو أعدى أعداء الأمة الإسلامية، وبنصِّ القرآن الكريم الذى جاء فيه ذِكر مفردة “العِلم” ومشتقاتها حوالى مائة وثمانين مرة، إذًا فالعلم أحد مقاصد الشريعة فى بناء الأمة الإسلامية، والجهل عدو، لأنه يهدم هذا المقصد أو الهدف.
وأوضح عن بيان الفرق بين مصطلحى الجهاد والقتال، وخلط البعض بينهما مع أن مفهوم الجهاد أعمُّ وأوسعُ من مفهوم القتال.. وأنَّ الجهاد فى الإسلام بمفهومه الأعم مشروطٌ بشرطٍ واحدٍ؛ وهو أن يكون فى سبيل الله، فإذا خرج عن هذا المعنى فإنّه لا يعدُّ جهادًا، ولا يكون من قُتِلَ فيه شهيدًا، مضيفًا أن الجهاد فى إصلاح التعليم وتقديم تعليم صحيح جهادٌ فى سبيل الله، والجهاد من أجل الحفاظ على صحة الناس جهادٌ فى سبيل الله، لأن الحفاظ على النفس من مقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يجب أن يقتصر مفهوم الجهاد على القتال فى ميدان المعركة. وتابع الإمام الأكبر، قائلاً: “هناك مَنْ زَيَّف مفهوم الجهاد وعبث بعقول بعض الشباب مستخدمًا لافتاتٍ برَّاقة تحمل تطبيق الشريعة وإقامة دولة الخلافة وضم الدول الإسلامية تحت رايةٍ واحدةٍ باسم الجهاد فى سبيل الله”.
وشدد على أن الجهاد إذا كان من أجل السَّيطرة على الآخرين كان جهادًا فى سبيل الشيطان وإشباع رغبة النفس، وإذا كان من أجل التَّمدُّد فى شئون الآخرين والتَّدخل فى أمورهم وتقسيم الشعوب لشطرين لم يكن جهادًا، وإنما نوعٌ من التسلُّط والظُّلم. وقال الإمام الأكبر، إن التَّدخل فى شئون الآخرين ومحاولة فرض مذهبٍ معيَّنِ أو فرض طائفةٍ على طائفةٍ أخرى – جهادٌ فى سبيل الشيطان وفى سبيل فرقة المسلمين، وعلى الشباب أن يتنبَّهوا ويفطنوا للفرق بين القتال فى سبيل الله، والقتال فى سبيل الشيطان، وإنْ أفتاهم المفتون، لأنها فتاوى مضللة لن تُجيرَهم من عذاب الله يوم القيامة، فمَن قاتل فى سبيل الله فقُتِل فهو شهيدٌ، ومَن قاتَل طمعًا فى غنيمة، أو ليتحدثَ الناس عنه بالبطولة والفروسية، أو لينالَ مكانةَ مرموقةَ، ومنزلةً عاليةً فى المجتمع – فهو فى النار، ففى الحديث الصحيح عَنْ أَبِى مُوسَى رَضِى اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانه، فَمَنْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: “مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِى العُلْيَا فَهُوَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ”.
وأشار الإمام الأكبر إلى أن القتال فى الإسلام ليس لإلزام الآخرين بالدخول فى الإسلام، وإنما ليردِّ اعتداءهم أو ليحرر أناسًا من طغاة فرضوا عليهم مذهبًا معينًا، كما هو الشأن فى حالة الأقباط فى مصر الذين رحَّبوا بالفتح العربى، لأنَّه خلَّصهم مِن طغاةٍ حاولوا فرضَ مذهبٍ معيَّنٍ عليهم، مؤكِّدًا أن القرآن الكريم قرَّر أنَّه (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) حيث إن الإسلام كفل للإنسان حرية الاعتقاد، ومَنَع قتاله لإلزامه بدينٍ معينٍ، وإذا كان القتال فى الإسلام ليس لفرض الدِّين، فمن باب أولى فإنَّه لا يكونُ لفرض مذهبٍ من المذاهب، يدلُّ على ذلك كِتاب النبى –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ قائلاً له: “أَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ”، ولم يَقلْ له: إن لم تُسلم سأقاتلك، “فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ إِثْمُ الأَرْيِسِيِّينِ” –الأَرْيِسِيِّيونِ هم الأقباط الذين كانوا يتبعونه- فكتابُ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- يعنى أن الإنسان إمَّا أن يدخلَ فى الإسلام وإمَّا أن يُتركَ ليختارَ ما يريد، وبالتالى فالإسلام يحرِّر المستضعفين إذا استقوى عليهم المتجبِّرون والطُّغاة لفرض مذهبٍ معيّن عليهم دون آخَر. يذكر أن حديث الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف يذاع على الفضائية المصرية عقب نشرة أخبار الساعة الثانية ظهراً من كل يوم جمعة.
المصدر: وكالات