أصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، اليوم الخميس، بالإجماع، قرارين برفض الطعون المقدمة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي بموجب المادتين 18 و19 من نظام روما الأساسي، وأصدرت أوامر اعتقال بحق كل من بنيامين نتنياهو ويوآف جالانت.
وحكمت الدائرة في طلبين قدمتهما دولة الاحتلال في 26 سبتمبر الماضي، حيث طعنت إسرائيل في اختصاص المحكمة على الوضع في دولة فلسطين بشكل عام، وعلى المواطنين الإسرائيليين بشكل أكثر تحديداً، على أساس المادة 19(2) من النظام الأساسي.
وفي الطلب الثاني، طلبت إسرائيل من الدائرة أن تأمر الادعاء بتقديم إشعار جديد ببدء التحقيق إلى سلطاتها بموجب المادة 18(1) من النظام الأساسي. كما طلبت إسرائيل من الدائرة وقف أي إجراءات أمام المحكمة في الحالة ذات الصلة، بما في ذلك النظر في طلبات إصدار أوامر اعتقال لبنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، التي قدمتها النيابة العامة في 20 مايو 2024.
وتعليقا على الطلبين، قالت الدائرة إن قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة ليس مطلوبا، حيث يمكن للمحكمة ممارسة اختصاصها على أساس الاختصاص الإقليمي لفلسطين، كما حددته الدائرة التمهيدية الأولى في تشكيل سابق. وعلاوة على ذلك، اعتبرت الدائرة أنه بموجب المادة 19(1) من النظام الأساسي، لا يحق للدول الطعن في اختصاص المحكمة بموجب المادة 19(2) قبل إصدار أمر الاعتقال، وبالتالي فإن تحدي إسرائيل سابق لأوانه، وهذا لا يمس بأي تحديات مستقبلية محتملة لاختصاص المحكمة و/أو قبول أي قضية معينة.
ورفضت الدائرة أيضًا طلب إسرائيل بموجب المادة 18(1) من النظام الأساسي. وأشارت إلى أن الادعاء أخطر إسرائيل ببدء التحقيق في عام 2021. وفي ذلك الوقت، وعلى الرغم من طلب التوضيح من جانب الادعاء، اختارت إسرائيل عدم متابعة أي طلب لتأجيل التحقيق. وعلاوة على ذلك، اعتبرت الدائرة أن معايير التحقيق في الموقف ظلت كما هي، ونتيجة لذلك، لم يكن هناك حاجة إلى إخطار جديد لدولة إسرائيل. وفي ضوء ذلك، وجد القضاة أنه لا يوجد سبب لوقف النظر في طلبات أوامر الاعتقال.
وأصدرت الدائرة مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 على الأقل حتى 20 مايو 2024، وهو اليوم الذي قدمت فيه النيابة العامة طلبات إصدار مذكرات الاعتقال.
واعتبرت الدائرة أن السلوك المزعوم لكل من نتنياهو وجالانت يقع ضمن اختصاص المحكمة. وأشارت الدائرة إلى أنها قررت في تشكيل سابق أن اختصاص المحكمة في هذه الحالة ينطبق على غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية. وعلاوة على ذلك، رفضت الدائرة استخدام سلطاتها التقديرية من تلقاء نفسها لتحديد مدى مقبولية القضيتين في هذه المرحلة، وهو ما لا يخل بأي قرار بشأن اختصاص وقبول القضيتين في مرحلة لاحقة.
ووجدت الدائرة، وفق بيان “الجنائية الدولية”، “أسباباً معقولة للاعتقاد بأن القانون الإنساني الدولي المتعلق بالنزاع المسلح الدولي بين إسرائيل وفلسطين ينطبق على هذه الحالة، وذلك لأنهما طرفان متعاقدان ساميان في اتفاقيات جنيف لعام 1949، ولأن إسرائيل تحتل أجزاء على الأقل من فلسطين. ووجدت الدائرة أن السلوك المزعوم لكل من نتنياهو وغالانت يتعلق بأنشطة الهيئات الحكومية الإسرائيلية والقوات المسلحة ضد السكان المدنيين في فلسطين، وبشكل أكثر تحديداً المدنيين في غزة. وبالتالي، فقد تعلق الأمر بالعلاقة بين طرفين في نزاع مسلح دولي، فضلاً عن العلاقة بين قوة الاحتلال والسكان في الأراضي المحتلة. ولهذه الأسباب، وفيما يتعلق بجرائم الحرب، وجدت الدائرة أنه من المناسب إصدار أوامر الاعتقال وفقاً لقانون النزاع المسلح الدولي، وأن الجرائم المزعومة ضد الإنسانية كانت جزءاً من هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين في غزة”.
ورأت الدائرة أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن كلا الفردين حرموا عمدا وعن سبق إصرار السكان المدنيين في غزة من أشياء لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، فضلاً عن الوقود والكهرباء، من 8 أكتوبر 2023 إلى 20 مايو 2024 على الأقل. ويستند هذا الاستنتاج إلى دورهما في إعاقة المساعدات الإنسانية في انتهاك للقانون الإنساني الدولي وفشلهما في تسهيل الإغاثة بكل الوسائل المتاحة لها”.
ووجدت الدائرة أن سلوكهما أدى إلى تعطيل قدرة المنظمات الإنسانية على توفير الغذاء وغيره من السلع الأساسية للسكان المحتاجين في غزة. كما كان للقيود المذكورة أعلاه، إلى جانب قطع الكهرباء وتقليص إمدادات الوقود، تأثير شديد على توفر المياه في غزة وقدرة المستشفيات على تقديم الرعاية الطبية.
كما لاحظت الدائرة أن القرارات التي تسمح أو تزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة كانت مشروطة في كثير من الأحيان، ولم تتخذ هذه القرارات للوفاء بالتزامات إسرائيل بموجب القانون الإنساني الدولي أو لضمان تزويد السكان المدنيين في غزة بالسلع المحتاجة بشكل كاف، بل كانت في الواقع استجابة لضغوط المجتمع الدولي أو طلبات من الولايات المتحدة الأميركية. وفي كل الأحوال، لم تكن الزيادات في المساعدات الإنسانية كافية لتحسين قدرة السكان على الوصول إلى السلع الأساسية.
وعلاوة على ذلك، وجدت الدائرة “أسباباً معقولة للاعتقاد بأنه لا يمكن تحديد أي حاجة عسكرية واضحة أو مبرر آخر بموجب القانون الإنساني الدولي للقيود المفروضة على وصول عمليات الإغاثة الإنسانية. وعلى الرغم من التحذيرات والمناشدات التي قدمها، من بين جهات أخرى، مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والأمين العام للأمم المتحدة والدول والمنظمات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني بشأن الوضع الإنساني في غزة، لم يتم السماح إلا بالحد الأدنى من المساعدات الإنسانية. وفي هذا الصدد، نظرت الدائرة في فترة الحرمان المطولة وبيان نتنياهو الذي يربط بين توقف السلع الأساسية والمساعدات الإنسانية وأهداف الحرب. وبناءً على ذلك وجدت أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن جريمة الحرب المتمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب”.
وخلصت الدائرة إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نقص الغذاء والماء والكهرباء والوقود والإمدادات الطبية المحددة، خلق ظروفا معيشية أدت إلى إحداث “تدمير” جزء من السكان المدنيين في غزة، مما أدى إلى وفاة المدنيين، بما في ذلك الأطفال بسبب سوء التغذية والجفاف.
بالإضافة إلى ذلك، من خلال الحد عمدا من الإمدادات الطبية والأدوية أو منعها من الدخول إلى غزة، وخاصة التخدير وأجهزة التخدير، فإن الشخصين مسؤولان أيضا عن إلحاق معاناة كبيرة من خلال أفعال لاإنسانية بأشخاص يحتاجون إلى العلاج. حيث أُجبر الأطباء على إجراء عمليات جراحية لأشخاص مصابين وبتر أطراف، بما في ذلك على الأطفال، دون تخدير، و/أو أُجبروا على استخدام وسائل غير كافية وغير آمنة لتخدير المرضى، مما تسبب لهؤلاء الأشخاص بآلام ومعاناة شديدة، وهذا يرقى إلى مستوى الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في أفعال لاإنسانية أخرى.
كما وجدت الدائرة أسبابا معقولة للاعتقاد بأن السلوك المذكور أعلاه حرم جزءا كبيرا من السكان المدنيين في غزة من حقوقهم الأساسية، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة، وأن السكان كانوا مستهدفين على أساس سياسي و/أو وطني. وبالتالي وجدت أن الجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الاضطهاد قد ارتُكبت.
وأخيرا، قيّمت الدائرة أن هناك أسبابا معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية باعتبارهما رئيسين مدنيين عن جريمة الحرب المتمثلة في توجيه هجمات عمدًا ضد السكان المدنيين في غزة. وفي هذا الصدد، وجدت الدائرة أن المواد التي قدمتها النيابة العامة سمحت لها فقط بالتوصل إلى نتائج بشأن حادثتين مؤهلتين كهجمات موجهة عمدا ضد المدنيين، وهناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وجالانت، على الرغم من وجود إمكانيات متاحة لهما لمنع أو قمع ارتكاب الجرائم أو ضمان إحالة الأمر إلى السلطات المختصة، فشلوا في القيام بذلك.
المصدر: وكالات