اعتبرت صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية – في عددها الصادر اليوم الإثنين – أن الهجوم الأخير الذي شنته إسرائيل على إيران يوم أمس الأول ربما يكون قد ترك النظام في طهران في مأزق شديد الصعوبة حيال التعامل مع تداعيات أخر سلسلة في الصراع المتصاعد بين العدوين الإقليميين وسبل الرد عليها.
وذكرت الصحيفة – في مستهل مقال رأي للكاتب إميل حكيم وهو زميل مختص في شئون الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ، ونشرته في عدد اليوم – أن الضربة الإسرائيلية التي وقعت في الساعات الأولى من صباح أمس الأول كانت متوقعة منذ الهجوم الصاروخي الباليستي الإيراني الضخم الذي استهدف إسرائيل في مطلع الشهر الجاري، وما لم يكن معروفًا هو توقيتها الدقيق أو الأهداف التي ستختارها القيادة الإسرائيلية كما أن الأمر سيستغرق بضعة أيام لظهور صورة كاملة للضرر الذي حدث من جراء الهجوم الذي كان محدود النطاق، لكنه مع ذلك ترك تأثيرات مهمة وعميقة.
وأوضحت الصحيفة أن أسابيع عدم اليقين بشأن اختيار إسرائيل للأهداف تركت الجميع بداية من البيت الأبيض إلى كبريات القوى العربية حتى الأسواق المالية والمغتربين في الخليج في حالة توتر شديد وخوف من التوسع المحتمل للصراع وكانت التوقعات تدور في السيناريو الأعلى والأكثر خطوره حول مواقع القيادة والمرافق النووية ومنشآت الطاقة ، وفي النطاق المتوسط من الخيارات كانت تدور حول المواقع العسكرية، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي ومصانع إنتاج الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وكان استهداف الأول يعني المخاطرة بحرب شاملة، وهو ما لا تريده أي دولة، أما الميل نحو الاختيار الأخير كان بمثابة وسيلة في يد إسرائيل لإخضاع إيران بالكف عن مهاجمتها .. ورغم تأثيرها الكبير، نقلت الصحيفة مزاعم البعض في إسرائيل، مثل زعيم المعارضة يائير لابيد، بأن حجم الضربة كان خطأ وأن الإسرائيليين كان ينبغي لهم أن يضربوا إيران بقوة أكبر.
ورأت “فاينانشيال تايمز” – في مقالها – أن الاعتبار الرئيسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان ينصب على الانتخابات الرئاسية الأمريكية ، حيث تحرص إدارة الرئيس جو بايدن والمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس على جذب حرب أوسع نطاقًا، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من السخط في حزبهما قبل أقل من أسبوعين على بدء الانتخابات.. ولكن بغض النظر عمن سيفوز في الخامس من نوفمبر المقبل، فإن الفترة التي تسبق تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد في العشرين من يناير 2025 ستكون لحظة من أقصى درجات الخطر على الإدارة الأمريكية والمنطقة.
وأضافت الصحيفة أن إدارة بايدن قد تزعم بأن نصيحتها مثلت قيودًا من نوع ما على إسرائيل ، خاصة بعدما قالت بالفعل إن هذه الضربة الأخيرة يجب أن تكون “نهاية” للتبادلات المباشرة بين إسرائيل وإيران، تمامًا كما اعتقدت أن اغتيال يحيى السنوار وحسن نصر الله سيكون له تأثير حاسم على القتال في غزة ولبنان .. ومع ذلك، تبين أن هذا مجرد تفكير متفائل من جانب الأمريكيين.
وحول المأزق داخل طهران،أكدت الصحيفة البريطانية أن إيران – التي أشار زعيمها الأعلى علي خامنئي إلى رد مدروس أمس الأحد – تواجه بالفعل معضلة متفاقمة وحصرتها بين إما التراجع ( وهو السيناريو الأضعف) أو الاستعداد للمزيد من الهجمات والمخاطرة بهزيمة كاملة، وقالت إن فقدان الدفاعات الجوية ربما يجعل إيران عرضة لمزيد من الضربات ويشير تدمير مواقع إنتاج الصواريخ إلى أنها لن تكون قادرة على تجديد ترسانتها الهجومية بسرعة للبقاء داخل دائرة القتال، في حين تتلقى إسرائيل المزيد من الأنظمة الدفاعية والصواريخ الاعتراضية من الولايات المتحدة ودول أخرى.
وتابعت الصحيفة أن مشاكل إيران أعمق ولا تتوقف عند هذا الحد، خاصة وقد اهتز اثنان من الركائز الثلاث لاستراتيجيتها الأمنية فلم يعد وكلائها في لبنان وفلسطين وسوريا قادرين على ردع أو معاقبة إسرائيل بالشكل المعهود ، كما أن إعادة بنائها سوف يستغرق عقودًا من الزمن وقد لا تكون ممكنة الآن، فضلًا عن أن ترسانتها من الصواريخ الباليستية والصواريخ الموجهة والطائرات بدون طيار لم تحقق التأثير العسكري المتوقع.
وسوف تحتاج الآن إلى إعادة تخزينها وتطوير تكنولوجيا أفضل، أما عن الركيزة الأخيرة من الاستراتيجية المتمثلة في برنامجها النووي ، فقد باتت أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى والاندفاع نحو إنتاج القنبلة من شأنه أن يُعجل بالحرب التي طالما سعت إيران لمحاولة تجنبها.. وأخيرًا، أشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن خيارات إيران الانتقامية تضيق وبالتالي، فإنها قد تبحث عن أهداف أقل دفاعًا مثل المرافق والمصالح الأمريكية في المنطقة.
المصدر : أ ش أ