تسابق سلطات الاحتلال الإسرائيلي الزمن لإنهاء عمل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بالأراضي الفلسطينية المحتلة ، ووجدت في الهجوم المباغت وغير المسبوق الذي شنته حركة “حماس” على مستوطنات غلاف غزة “طوفان الأقصى” ، والذي حلت ذكراه الأولى في السابع من أكتوبر الجاري 2024 “فرصة ذهبية” لنزع شرعيتها وتجريم أنشطتها باعتبارها العنوان الأبرز للحفاظ على قضية اللاجئين الفلسطينيين “حاضرة” حتى عودتهم لمدنهم وقراهم التي هجروا منها عقب نكبة فلسطين عام 1948.
ومنذ سنوات ، تستهدف إسرائيل الوكالة التابعة للأمم المتحدة بذريعة أنها تعمل على “إدامة” قضية اللاجئين الفلسطينيين، وبعد هجوم “طوفان الأقصى” وحربها المدمرة على قطاع غزة، التي ترقى إلى “الإبادة الجماعية” وفق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الانسانية، أعلنت بشكل قاطع أنها لا ترغب في أن تؤدي الوكالة أي دور في غزة بعد الحرب، رغم أنها أنشئت باعتبارها منظمة مؤقتة لتنفيذ “برامج الإغاثة والتشغيل المباشرة” للاجئين الفلسطينيين ولم تفوض بحل قضيتهم.
وشهد العام المنصرم – عقب هجوم 7 أكتوبر 2023- حملة محمومة وممنهجة لاستهداف الوكالة الأممية ودورها الحيوي في تقديم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين، بما يعكس السياسة الإسرائيلية التي تستهدف اغتيالها سياسيا وتشويه سمعتها وعرقلة عملها من أجل طمس قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وتنوعت مظاهر استهداف “الأونروا” ، ومنها استهداف مقارها ومدارسها وموظفيها في قطاع غزة ، وتصنيف “الكنيست” (البرلمان الإسرائيلي) للوكالة بأنها “منظمة إرهابية”، ومصادقة لجنة الخارجية والأمن بالكنيست على مشروع قانون لحظر عملها، وقرار سلطة أراضي إسرائيل مصادرة مقرها الرئيسي بالقدس الشرقية. بالإضافة إلى منع موظفيها من الحصول على التأشيرات الدبلوماسية واستثنائها من الامتيازات والحصانات الممنوحة لمنظمات الأمم المتحدة العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتأسست “الأونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية لأكثر من 6 ملايين لاجيء فلسطيني مسجلين لديها في مناطق عملياتها الخمس بالأردن وسورية ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة ، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمحنتهم الناجمة عن تهجيرهم قسرا إبان نكبة فلسطين عام 1948.
وتشتمل خدمات “الأونروا” على التعليم والرعاية الصحية والإغاثة وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي والإقراض الصغير، والاستجابة لحالات الطوارئ في أوقات النزاع المسلح.
وتمول الوكالة من تبرعات طوعية تقدمها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وهيئات عالمية، وأبرز المانحين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والسويد، ودول أخرى مثل بلدان الخليج والدول الإسكندنافية واليابان وكندا.
ومنذ اللحظة الأولى لهجوم السابع من أكتوبر 2023 ، وفي إطار متابعتها للعمليات العسكرية ضد قطاع غزة وتداعياتها الإنسانية الخطيرة، أكدت مصر موقفها الثابت والراسخ بضرورة التوصل إلى الحل الشامل والعادل للقضية الفلسطينية، وشددت على دعمها الكامل للأجهزة الأممية المعنية وعلى رأسها وكالة “الأونروا” للاضطلاع بدورها الهام في ضمان انتظام الخدمات الحيوية ووصول المواد الإغاثية لأهالي القطاع.
كما أكدت مصر – خلال سلسلة زيارات قام بها المفوض العام للأونروا السويسري فيليب لازاريني للقاهرة عقب هجوم 7 أكتوبر – تضامنها الكامل مع “الأونروا”، وتقديم كافة أوجه الدعم اللازم لأداء مهمتها السامية في تقديم الخدمات الأساسية لأبناء الشعب الفلسطيني. مشددة على أن عمل الوكالة لن ينتهي إلا بعد حصول اللاجئين الفلسطينيين على حقوقهم سواء بالعودة أو بالتعويض وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194).
في هذا السياق ، أكد وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبد العاطي – خلال مؤتمر صحفي مشترك مع لازاريني في 8 يوليو الماضي- أن مصر لن تقبل أو تسمح بإيجاد أي بديل لوكالة “الأونروا”، باعتبارها الوكالة الوحيدة التي لها ولاية من الأمم المتحدة في إغاثة ودعم اللاجئين الفلسطينيين.
وأشار عبدالعاطي إلى أن الحملة التي تستهدف زعزعة مصداقية الوكالة ليست بجديدة ولكنها تستهدف كسر قدسية عمل المنظمات الدولية التي تدعم الشعب الفلسطيني.
ويعلق السفير مدحت المليجي مساعد وزير الخارجية السابق على دلالات الموقف المصري الداعم للأونروا قائلا لوكالة أنباء الشرق الأوسط : إن مصر لا تدخر جهدا في دعم وكالة الأونروا وترسيخ وجودها لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين في وجه المحاولات الإسرائيلية للتخلص من الوكالة الأممية، انطلاقا من موقفها التاريخي الداعم لكل القضايا التي تتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وآماله في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
وأضاف السفير مدحت المليجي: بالإضافة إلى الدعم المالي المصري، فإن هناك تنسيقا مستمرا مع “الأونروا” فيما يتعلق بانفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة والتي يأتي 80% منها من مصر ، بهدف دعم وإغاثة الأشقاء الفلسطينيين وإفشال مخططات الاحتلال للتهجير وتصفية القضية الفلسطينية.
وشدد على أن مصر انطلاقا من استراتيجيتها الممتدة عبر عقود الصراع تقف بالمرصاد وحائط صد منيع أمام مخططات التهجير والتصفية ، وتعمل بكل قوة على تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه ضد محاولات تهجيره وتشتيته حول العالم وطمس هويته الوطنية بهدف نزع حقه الأصيل في إقامة دولته طبقا لقرارات الشرعية الدولية.
وأوضح أن فكرة التهجير سواء “القسري” أو “الطوعي” هي فكرة إسرائيلية في المقام الأول ، وأن مصر لن تسمح بها حفاظا على أمنها القومي ، كما أنها لن تسمح بالضغط الإسرائيلي على الفلسطينيين لتخطى الحدود .
وقال الدبلوماسي المصري إن سلطات الاحتلال تستهدف “الأونروا” لأنها تساعد الشعب الفلسطيني في البقاء على أرضه في ظل الحرب الإسرائيلية المدمرة والتي تهدف إلى جعل قطاع غزة غير قابل للعيش، بهدف تنفيذ مخطط التهجير حتى توحي للعالم أن ذلك ليس عملية تطهير عرقي، رغم تصريحات مسؤوليها التي كشفت عن رغبة عارمة لإعادة حركة الاستيطان في القطاع.
وحذر السفير مدحت المليجي من أن استهداف “الأونروا” وتحجيم قدراتها على القيام بمهامها في غزة، يفاقم من الآثار الخطيرة لسياسة الحصار والتجويع والعقاب الجماعي التي تفرضها سلطات الاحتلال على الفلسطينيين ، مؤكدا أن عمليات القصف التي تطال المدنيين والمنشآت المدنية، بما في ذلك الأونروا، يمثل انتهاكا سافرا لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وعدم احترام وضعية المقرات الأممية.
وتابع قائلا: مصر أدانت بشدة وبشكل واضح وصريح استهداف جيش الاحتلال مقار وموظفي “الأونروا” والذي أدى الى استشهاد أكثر من 200 موظف على مدى العام ، وكان موقفها الأقوى في العالم .
ويقترح السفير مدحت المليجي ألا يقتصر دعم وإغاثة اللاجئين الفلسطينيين على وكالة “الأونروا” فقط باعتبارها هدفا سهلا للاحتلال كونها تخص اللاجئين الفلسطينيين، وأن تمتد مظلة حمايتهم إلى ولاية “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” شأنهم شأن باقي اللاجئين حول العالم.
وأوضح أن المفوضية الأممية هي منظمة عالمية تكرس جهدها لحماية حقوق اللاجئين والمجتمعات النازحة قسراً والأشخاص عديمي الجنسية حول العالم وهو ما يمنح مقارها ومكاتبها وموظفيها الحصانة والحماية .
وقد واجهت “الأونروا” معلومات كاذبة ومضللة من قبل سلطات الاحتلال ، بما في ذلك حول موظفيها وعملياتها بهدف تشويه سمعتها أمام الجهات المانحة ، واشتد هذا الوضع منذ بدء “حرب الإبادة” على غزة في السابع من أكتوبر 2023، التي طالت مقار الوكالة وموظفيها ومدارسها التي تؤوي آلاف النازحين من أهوال الحرب، وسط تصعيد الإجراءات ضد الوكالة الأممية، بما في ذلك المساعي لسن قوانين تزيل شرعيتها وتجرم أنشطتها في الأراضي الفلسطينية.
وتدعي إسرائيل أن 12 من موظفي “الأونروا” البالغ عددهم 13 ألفا في قطاع غزة، شاركوا في هجوم “طوفان الأقصى” ، وأن جهاز التربية التابع للوكالة يدعم “الإرهاب والكراهية”، كما أن حوالى 10% من موظفيها في غزة لديهم صلات بحركتي حماس والجهاد الإسلامي.
غير أن “الأونروا” نفت صحة هذه الادعاءات ، مؤكدة أنها لم تتلق أية معلومات من السلطات الإسرائيلية حول انتماء 10% من موظفيها لحماس والجهاد ، ناهيك عن أي دليل.. كما أكدت التزامها الحياد وتركيزها حصرا على دعم اللاجئين الفلسطينيين.
وفي 26 مايو الماضي، صادق “الكنيست” بالقراءة الأولى على مشروع قانون لقطع العلاقات مع “الأونروا” وإعلانها “منظمة إرهابية”.
وجاءت هذه الخطوة عقب تراجع معظم الدول الغربية عن قطع تمويل الأونروا بعد فشل إسرائيل في إثبات مزاعمها بمشاركة 12 من موظفي الوكالة في عملية “طوفان الأقصى”.
وفي 6 أكتوبر الجاري 2024 ، صادقت لجنة الخارجية والأمن بالكنيست على مشروع قانون لحظر عمل الأونروا، ما يعني إحالته للتصويت بالقراءة الثانية والثالثة في الهيئة العامة للكنيست ليصبح قانونا نافذا.
ووفق مشروع القانون، سيتم إلغاء اتفاقية عام 1967 التي سمحت للأونروا بالعمل في إسرائيل وبالتالي ستتوقف أنشطة الوكالة في الدولة العبرية والأراضي الفلسطينية المحتلة، وسيتم حظر أي اتصال بين المسؤولين الإسرائيليين وموظفيها.
وحول أسباب هذا الاستهداف الإسرائيلي للأونروا، يقول المستشار الإعلامي للوكالة بغزة عدنان أبو حسنة في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط إن الحملة الإسرائيلية ضد الأونروا بدأت منذ أكتوبر 2023 ، وما زالت مستمرة حتى الآن ، وسط ادعاءات حول مشاركة بعض موظفيها في أحداث السابع من أكتوبر.
وأضاف أبو حسنة : “تقرير السيدة كاثرين كولونا وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة دحض هذه الادعاءات، وقال إن الأونروا لديها من الآليات في موضوع الحيادية ما هو غير موجود في أي منظمة من منظمات الأمم المتحدة”.
وعين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في الخامس من فبراير الماضي مجموعة مراجعة برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا بهدف “تقييم ما إذا كانت الأونروا تبذل كل ما في وسعها لضمان الحيادية” ، والرد على الاتهامات الإسرائيلية بتورط موظفين بالوكالة في الهجوم.
كما فتح “مكتب خدمات الرقابة الداخلية”، وهو أعلى هيئة تحقيق في الأمم المتحدة تحقيقا مع ( 19 من موظفي الأونروا )، لكنه علق التحقيقات في 4 حالات لعدم كفاية الأدلة، وأغلق قضية واحدة لأن إسرائيل لم تقدم أي أدلة داعمة، فيما توفي اثنان آخران قبل إعلان الاتهامات الإسرائيلية.
وفي نهاية أبريل الماضي، خلصت لجنة المراجعة الأممية برئاسة وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة إلى أن إسرائيل لم تقدم “دليلا” على اتهاماتها المزعومة بحق موظفي الأونروا .
وقالت كولونا إن الأونروا تتبع نهجا للحياد أكثر تطورا من أي جهة أخرى مشابهة أممية أو غير حكومية.. مؤكدة أن الوكالة “لا غنى عنها ولا يمكن استبدالها، كما أن لها دورا حيويا في الاستجابة الإنسانية في غزة”.
ويؤكد المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة “أن ما يحدث من هجمة إسرائيلية على الأونروا ليس له علاقة بهذه الادعاءات أو التحقيقات..الهدف هو تصفية الأونروا اعتقادا من إسرائيل أن ذلك يعنى تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، رغم أن كل القرارات التي تتعلق باللاجئين مثل القرار 194 ، صدرت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، قبل إنشاء الأونروا عام 1949”.
وتابع قائلا:” الاعتقاد الإسرائيلي بأنه بتغييب الأونروا سيتم تصفية قضية اللاجئين “خاطىء”.. ويبدو الآن أن أحد أهداف هذه الحرب أصبحت قضية تصفية الاونروا”.
وينص القرار 194 الصادر عام 1948 على “وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم”.
وبخصوص قرار “سلطة أراضي إسرائيل” مصادرة مقر رئاسة الأونروا بالقدس الشرقية، قال المستشار الإعلامي للأونروا :سمعنا من وسائل الإعلام أن هناك قرارا من سلطة الأراضي في إسرائيل بالسيطرة على مقر رئاسة الأونروا في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة .. لم نبلّغ رسميا بهذا القرار، ولكنه يدخل ضمن سياق الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد الأونروا والتي كان آخرها حزمة القرارات التي ستقدم للكنيست بالقراءة الثانية والثالثة”.
وكانت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية قد ذكرت في العاشر من أكتوبر الجاري أن سلطة أراضي إسرائيل قررت مصادرة مقر رئاسة وكالة الأونروا بالقدس الشرقية لإقامة 1440 “وحدة استيطانية”.
وأضافت الصحيفة أنه من المقرر أن تتحول منطقة الأونروا بأكملها (القريبة من مستوطنة معالوت دفنة) بالقدس، إلى مشروع إسكان يضم 1440 وحدة سكنية”.. مشيرة إلى أن المشروع في مراحله “التحضيرية”.
ومقر الأونروا في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، هو المقر الرئيسي للوكالة في الأراضي الفلسطينية، ويضم مكاتب ومخازن وعشرات الموظفين، وقد تعرض لسلسلة اعتداءات من قبل يمينيين إسرائيليين في الأشهر الماضية ، بما في ذلك محاولة لحرقه .
وطلبت سلطات الاحتلال في وقت سابق من الأونروا إخلاء المقر بداعي “استخدام الأرض دون موافقة سلطة أراضي إسرائيل”، كما قررت تغريم الوكالة وإجبارها على دفع 7 ملايين دولار بدل إيجار متأخر عن الأعوام التي استخدمت فيها الأرض.
وتبلغ مساحة المقر العام للوكالة بالقدس 36 دونما (36 ألف متر مربع) ، وهو مقام على قطعة أرض منحتها السلطات الأردنية للوكالة
في بداية خمسينيات القرن الماضي تزامنا مع بداية عملها عام 1950، لكن مع احتلال إسرائيل مدينة القدس الشرقية التي يقع فيها مقر الوكالة عام 1967 ، فإن سلطات الإحتلال تعتبر نفسها المخولة بإدارة هذه الأراضي .
ويحذر أبو حسنة من أن إعاقة عمليات الأونروا ومنعها من العمل في الضفة والقدس وغزة وهي من أكبر مناطق عملياتها الخمس سيكون له تأثيرات كبيرة وخطيرة على عمليات الوكالة وخدماتها للاجئين الفلسطينيين.
وقال:يتم استهداف الأونروا في غزة وتعقيد عملياتها ومنعها من الدخول إلى منطقة شمال القطاع بحرية والعمل بها ، وأيضا هناك الكثير من العقبات في وجه الأونروا وعملياتها في الضفة الغربية واستهداف المخيمات وتدمير البنى التحتية” .
ومنذ سنوات ، يدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إنهاء عمليات الأونروا ، زاعما أنها تمارس “التحريض” ضد “إسرائيل” من خلال مناهج التدريس في مدارسها.
وفي أكثر من مناسبة، أعلنت حكومته اليمينية أنها لا ترغب في أن تؤدي “الأونروا” أي دور في غزة بعد الحرب..معتبرة أن “عناصر أخرى” ستحل محل الوكالة الأممية.
ويرفض أبو حسنة بشدة طرح أية بدائل للأونروا، قائلا:”نحن لا نعتقد بأن لدى أي منظمة أممية أو غير أممية القدرة على أن تقدم ما تقدمه “الأونروا” بخبراتها..لدينا 30 ألف موظف في سوريا ولبنان والأردن والضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية ، وأكثر من 600 ألف طالب في مدارسنا ، وأكثر من 150 عيادة مركزية تعمل في مناطق العمليات الخمس ، هناك ملايين الزيارات الطبية”.
وأردف : “في غزة.. الأونروا لا يمكن استبدالها على الاطلاق ، لديها في القطاع 13 ألف موظف ، هي التي تقود العمليات الإنسانية والإغاثية ، وتشكل شريان الحياة لما تقدمه من مساعدات على المستوى الإغاثي والمستوى الصحي أو حتى مساعدة المنظمات الأممية الصغيرة مثل “اليونسيف” ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي .
وتابع قائلا:”هذه المنظمات موجودة ، لكن عدد أفرادها محدود 10 أفراد أو 20 فردا أو 30 فردا أو أكثر قليلا ، ولا يقارن حجمها بالنسبة لما تقوم به الأونروا ، بالاضافة إلى أن لدينا تفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة والوكالة تطبق هذا التفويض”.
ويقول المستشار الإعلامي للأونروا: الأوضاع في غزة مأساوية فلا يوجد مكان آمن .. لدى الأونروا الآن عشرات المدارس لا زالت تأوي مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين سواء في جنوب قطاع غزة أو في شماله ، لكن اضطررنا بعد الحملة الإسرائيلية الجديدة في مناطق شمال قطاع غزة إلى إغلاق سبعة مراكز إيواء ، وحتى الآن هناك مئات الآلاف من اللاجئين في مدارسنا في المنطقة الجنوبية ومنطقة غزة وشمالها أيضا.
وتشير تقديرات “الأونروا” إلى أن عدد المنشآت التابعة للوكالة الأممية التي تم استهدافها خلال الحرب على غزة بلغ حوالي 190 منشأة إما دمرت تدميرا كاملا أو تدميرا جزئيا ، يضاف إلى ذلك مقتل حوالى 570 من النازحين في مراكز الإيواء التابعة للوكالة والتي ترفع أعلام الأمم المتحدة ، كما قتل من العاملين في الوكالة حوالي 226 موظفا.
وحول الوضع المالي للأونروا، يقول عدنان أبو حسنة إن ميزانية الوكالة الرسمية قبل السابع من أكتوبر 2023 ، بلغت 848 مليون دولار ، ولكن لدينا ميزانية طوارىء تقدر بـ 2ر1 مليار دولار لم نحصل منها إلا على 29 في المئة فقط من ميزانية الطوارىء.
وأضاف أبو حسنة: ما لدينا من تمويل لميزانية الطوارىء يكفي حتى نهاية شهر أكتوبر الجاري 2024 ، ولكننا نأمل أن تلتزم الدول المانحة بالتبرعات التي أعلنتها في مواعيد محددة حتى نتمكن من مواصلة العمليات حتى نهاية هذا العام.
وتعرضت “الأونروا” مطلع هذا العام ،لحصار مالي خانق ، على خلفية تعليق مانحين رئيسيين، بينهم الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا ورومانيا والنمسا، بالإضافة إلى اليابان ، تمويل الوكالة الذي تبلغ قيمته نحو 450 مليون دولار، ( نحو نصف ميزانيتها لهذا العام) بعد دعاوى إسرائيلية في يناير الماضي بمشاركة 12 من موظفيها في هجوم 7 أكتوبر.
وعقب نتائج تحقيق الأمم المتحدة في أبريل الماضي الذي برأ “الأونروا” من المزاعم الإسرائيلية، استأنف عدد كبير من الدول والجهات المانحة تمويل الوكالة، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي واليابان وفنلندا وكندا وأستراليا والنمسا وإيطاليا.
ويقول الفلسطينيون إن سلطات الاحتلال تسعى للتخلص من وكالة الأونروا لأنها ساهمت في الحفاظ على قضية اللاجئين حية وحاضرة أمام المجتمع الدولي بصرف النظر عن عدم حل القضية حتى الآن.. كما أن استهدافها للأونروا، اعتداء صارخ على الأمم المتحدة ووكالاتها ، ويندرج في إطار حرب الاحتلال على الشعب الفلسطيني وحقوقه خاصة حق عودة اللاجئين وفقاً للقرار 194.
وحول الأبعاد السياسية لاستهداف الأونروا ، تقول الدكتورة سنية الحسيني أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة العربية الأمريكية برام الله: الاحتلال استهدف منذ بداية الحرب سمعة وكالة الأونروا ومقراتها ومخازنها ومدارسها ومستوصفاتها الطبية وموظفيها، لمنع دعمها مالياً، حيث تعتمد في تمويلها على الدعم الدولي الخارجي، وشل قدرتها على العمل ومساعدة الفلسطينيين، خلال محنة لم يمر بها الشعب الفلسطيني منذ العام ١٩٤٨ والعام ١٩٦٧.
وأكدت الحسيني في تصريحات لـ “أ ش أ”: أن “هدف الاحتلال بعزل دور الأونروا ليس جديدا ، لأنه يتهم الوكالة بـ”إدامة الصراع” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبإبقاء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين حاضرة، للتذكير بها بهدف فرض حل لها”.
وأضافت تقول: يرفض الاحتلال أيضا تعريف اللاجئ الفلسطيني، الذي تتبناه الوكالة، ويشمل الملايين من أبناء وأحفاد اللاجئين الفلسطينيين بعد العام ١٩٤٨، ويريد قصره على اللاجئين الفعليين، الذين لم يعد معظمهم موجودا.. كما يتهم الاحتلال الوكالة بالتحريض
من خلال المناهج التعليمية التي تدرس في مدراسها، وهي ذات التهمة التي يوجهها للسلطة الفلسطينية من خلال المدارس التابعة لها”.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، بلغ إجمالي عدد الفلسطينيين حول العالم 8ر14 مليون نسمة ، حتى منتصف عام 2024.
وتشير تقديرات الجهاز، إلى أن 1ر66 في المئة من سكان قطاع غزة هم من اللاجئين، بما يعادل نحو 4ر1 مليون لاجئ مسجل لدى “الأونروا” ، من بين عدد سكان القطاع البالغ 23ر2 مليون نسمة.. فيما يبلغ عدد سكان الضفة حوالي 25ر3 مليون نسمة ، بينهم حوالي 830 ألف لاجئ مسجل لدى الوكالة بنسبة 26 في المئة.
وتشدد الأكاديمية الفلسطينية سنية الحسيني على أن حكومة الاحتلال تتطلع لتقليص دور ووظيفة الوكالة في الأراضي المحتلة عموما وفي غزة بشكل خاص، بمحاولة نقل مهامها لمنظمات ومؤسسات أخرى، لتصل في النهاية لانهاء وجودها ودورها تماماً، في ظل مساعيها المستمرة لإنكار حالة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وانكار الحق الفلسطيني بتقرير المصير والتحرر من احتلال ممتد لعقود طوال، يسعي لتغير واقع الأراضي المحتلة وتاريخها بالقوة.
وأوضحت الحسيني :”في بداية الحرب الأخيرة على غزة ، أكد وزير خارجية الاحتلال (يسرائيل كاتس) أن حكومته ستسعى لمنع الوكالة من العمل في القطاع بعد إنتهاء الحرب..كما صدر تقرير عن وزارة خارجية الاحتلال يتناول بالتفصيل ذلك الهدف المعلن”.
وكان كاتس قد أعلن في 27 يناير الماضي ، أن وزارته تعتزم أن تضع هدفاً مركزياً في نشاطها للترويج لسياسة من شأنها أن تضمن ألا تكون “الأونروا” جزءا من المرحلة” التي تلي الحرب، وأن “عناصر أخرى ستحل محل الأونروا”.
وسبق ذلك ، كشف الإعلام العبري عن وثيقة سرية حملت مخططا للاحتلال من 3 مراحل لإخراج “الأونروا” من غزة واستبدالها بمنظمة أخرى توفر خدمات التعليم والرعاية الاجتماعية.
ووفقا للوثيقة ، تتضمن المرحلة الأولى تقريرا شاملا عن تعاون مزعوم بين “الأونروا” و”حماس” والعمل على ترويج تلك المزاعم، وتهدف المرحلة الثانية إلى تقليص عمل “الأونروا” إلى الحد الأدنى.. فيما تشمل المرحلة الثالثة نقل جميع واجبات الوكالة إلى الهيئة التي ستحكم غزة بعد الحرب.
المصدر: أ ش أ