ذكرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية في عددها الصادر اليوم الأربعاء أن الإدارة الأمريكية تكثف الضغوط على إسرائيل لتحسين الظروف المزرية للمدنيين في قطاع غزة، حيث حذر كبار المسؤولين من أنهم سيلجأون إلى تدابير عقابية، بما في ذلك تعليق المساعدات العسكرية، إذا لم يتم زيادة تدفقات المساعدات الإنسانية في غضون شهر.
وأضافت الصحيفة – في تقرير إخباري لمراسليها – أنه في رسالة إلى كبار المسؤولين الإسرائيليين، طالب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن باتخاذ خطوات عاجلة لضمان حصول المدنيين على الغذاء وغيره من الضروريات، وحذروا من أنه في غياب أي تغيير، فإن الإدارة ستكون ملزمة باتخاذ الخطوات المنصوص عليها في القوانين والسياسات التي تربط بين تيسير المساعدات الإنسانية أثناء الحرب والامتثال لقوانين الحرب، بما في ذلك حماية المدنيين، وتوفير الأسلحة والمساعدات العسكرية الأمريكية.
ورأت الصحيفة أنه في حين أن الرسالة من أوستن وبلينكن، الموجهة إلى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، لا تشير صراحة إلى تعليق محتمل لنقل الأسلحة، فإنها تمثل تحذيرا ضمنيا بأن الولايات المتحدة قد تقلص أو توقف هذه الشحنات إذا لم تضمن إسرائيل أن يتمكن سكان غزة اليائسون من الوصول إلى الغذاء والدواء وغير ذلك من الضروريات.
ونوهت الصحيفة بأن الرسالة تسلط الضوء على التوتر الشديد المحيط بالعلاقات الأمريكية مع إسرائيل وهي علاقة تميزت بالتنسيق الوثيق في ظل الحرب المستمرة التي تشنها إسرائيل ضد حماس منذ أكتوبر العام الماضي، وكذلك الضغوط الشديدة بسبب الطريقة التي تدير بها إسرائيل هذه الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أنها تأتي في وقت تشعر فيه واشنطن بالخوف المتزايد بشأن تصاعد عدم الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث توسع إسرائيل حملة جديدة ضد جماعة حزب الله في لبنان وينشر البنتاجون قوات أمريكية ومعدات دفاع جوي في إسرائيل وسط تصاعد التوترات أيضا بين إسرائيل وإيران.
ونقلت الصحيفة عن نائبة السكرتير الصحفي للبنتاجون، سابرينا سينج قولها للصحفيين: “نتطلع لرؤية اتخاذ تدابير ملموسة لمعالجة الوضع الإنساني في غزة، والذي نعلم أنه لا يزال يمثل مشكلة، نريد أن نرى … أنهم يأخذون في الاعتبار المدنيين في ساحة المعركة، وهذا ما قلناه منذ البداية”.
كما لفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة هي الداعم الخارجي الأكبر لإسرائيل، حيث تقدم لها 3.8 مليار دولار سنويًا في شكل مساعدات عسكرية، ولذا قال مسؤول إسرائيلي – تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة الاتصالات الحساسة بين الحكومتين – إن الرسالة “قيد المراجعة الشاملة، وأن إسرائيل تأخذ هذه المسألة على محمل الجد، وتعتزم تبديد المخاوف التي أثيرت في هذه الرسالة مع نظرائنا الأمريكيين”.
وتابعت الصحيفة أن منتقدي تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن مع الصراع في غزة (حيث قُتل أكثر من 40 ألف شخص في العام الماضي جراء الحرب) ألقوا باللوم عليه لعدم الاستفادة بشكل فعال من الدعم الأمريكي لإقناع إسرائيل بالامتثال للمطالب الأمريكية بإنهاء العنف في غزة والتدفق المستمر من المواد الغذائية وغيرها من إمدادات المساعدات.
ومنذ بدء الحرب، أوقف بايدن شحنة واحدة فقط من الأسلحة الأمريكية المتجهة إلى إسرائيل، وفي مايو الماضي، قرر الرئيس مواصلة تدفق الأسلحة على الرغم من تقييم الإدارة التي وجدت أن إسرائيل ساهمت بشكل كبير في التدفق غير الكافي للمساعدات للمدنيين الفلسطينيين.
كما تأتي الرسالة في أعقاب رسالة مماثلة أرسلها بلينكن إلى الحكومة الإسرائيلية في أبريل الماضي ، والتي قال المسؤولون إنها أسفرت عن تحسن مؤقت في تدفقات المساعدات إلى القطاع المدمر لكن الصورة في غزة أصبحت قاتمة مرة أخرى في الأسابيع الأخيرة.
ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لم يدخل أي طعام إلى شمال غزة منذ أوائل أكتوبر الجاري، مما يزيد من خطر المجاعة وسط ما وصفه بـ “حصار” إسرائيلي للمنطقة.
ولفتت الصحيفة إلى أن بايدن أعرب عن استيائه من الوضع في شمال غزة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما تحدثا الأسبوع الماضي، خاصة أن الحرب برزت كمسؤولية سياسية كبرى لبايدن، الذي انقسم حزبه الديمقراطي الآن بشأن الدعم الأمريكي لإسرائيل.
ولا يزال من غير الواضح كيف ستؤثر الحرب على فرص نائبة الرئيس بايدن، المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، عندما تواجه الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية نوفمبر المقبل، خاصة أن حزب ترامب الجمهوري يسعى إلى الاستفادة من ضعف شعبية هاريس مع الناخبين العرب والمسلمين بسبب إراقة الدماء في غزة.
وفي رسالتهما، حدد أوستن وبلينكن معايير محددة ترغب إدارة بايدن في رؤيتها في غضون الشهر المقبل، بما في ذلك ضمان دخول ما لا يقل عن 350 شاحنة مساعدات يوميًا إلى غزة، ووضع فترات توقف إنسانية لتمكين تسليم المساعدات، ورفع أوامر الإخلاء عندما لم تعد هناك حاجة إليها، وتمكين شحنات المساعدات ووقف عزل شمال غزة.
وجاء في الرسالة أن إسرائيل “يجب أن تتحرك” بشأن التدابير التي تسردها في غضون المهلة النهائية التي تبلغ 30 يومًا ، لتجنب “التداعيات على السياسة الأمريكية”.
وقالت الصحيفة إن رسالة بلينكن وأوستن ظهرت بعد ساعات فقط من تأكيد البنتاجون وصول القوات والمعدات الأمريكية إلى إسرائيل والتي تشكل جزءًا من نشر جديد لأحد أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي تقدمًا هناك ، حيث تستعد إسرائيل لشن هجوم مضاد في أعقاب وابل الصواريخ الباليستية الإيرانية هذا الشهر.
وحثت إدارة بايدن إسرائيل على إجراء رد محدود فقط لتجنب المزيد من التدهور في الأمن الإقليمي ، كما أبلغ نتنياهو بايدن في مكالمة هاتفية حديثة أن بلاده ستقتصر في ردها ضد إيران، بما يتماشى مع النداءات الأمريكية، على المواقع العسكرية وليس مواقع الطاقة أو النووية.
وبينما أوضح مسؤولو إدارة بايدن يوم أمس الثلاثاء إحباطهم من الوضع الإنساني في غزة وكذلك عدد القتلى المدنيين الهائل في العمليات الإسرائيلية الأخيرة في لبنان، تجنبوا مرارًا وتكرارًا، توجيه تهديدات صريحة بقطع تدفق المساعدات العسكرية الأمريكية، قائلين بدلاً من ذلك إنهم يأملون أن يقوم الإسرائيليون بإجراء التغييرات المطلوبة في الرسالة، وفقا لما أوردته.
واختتمت الصحيفة تقريرها إن إحجام الإدارة الأمريكية عن تأكيد أنها ستقيد شحنات الأسلحة أدى إلى إثارة الشكوك الفورية حول جدية التحذير الصادر عن بلينكن وأوستن.
المصدر: أ ش أ