أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء أن المنطقة تمر بمرحلة فارقة لم نشهدها منذ عقود ونعيش أحداثا سريعة واستثنائية، فليس من المبالغة أننا لا نعرف ماذا سيحدث خلال الساعة القادمة ومن الوارد الآن حدوث تغيير جذري يؤثر علينا لعقود قادمة.
وقال رئيس الوزراء – في مؤتمر صحفي عقده اليوم الأربعاء بالعاصمة الإدارية الجديدة – “نعيش حالة كبيرة من عدم اليقين تملي على الحكومات التعامل مع الأحداث بصورة المدى القصير لكيفية استيعاب الأحداث والتعامل معها بنظرية الاستمرار والاستقرار ومحاولة الإبقاء على الأوضاع الموجودة في الدولة،ونحن لدينا الرؤى للتحرك للمرحلة القادمة لكن ليس هناك رفاهية تصور ما سيحدث خلال 3 او 4 سنوات لأنه لا أحد يعلم ماذا سيحدث غدا”.
وأضاف أننا ننفذ الخطط الموضوعة على المدى المتوسط والبعيد ولكن هناك متغيرات تؤدي إلى تغيير بعض المستهدفات أو أننا نقوم بتكتيك معين للتعامل مع ما يحدث.
وقال رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم الأربعاء، في العاصمة الإدارية الجديدة، “عندما ننظر الآن إلى خريطة العالم نحمد الله أن مصر هي واحة الأمن والاستقرار الموجودة الآن في المنطقة، وهذا يرجع إلى السياسة التي انتهجتها الدولة من البداية، وهي أننا دولة ليست لها تطلعات الى الخارج، ولكننا دولة دائما تنظر إلى مصلحتها ولديها منظور الأمن القومي والإقليمي في الأساس، وعقيدتنا الراسخة هي الحماية والدفاع عن مصالحنا، وليس لدينا أي أطماع خارجية حتى عقيدة قواتنا المسلحة تقوم على الدفاع عن حدود الدولة المصرية ومقدراتها”.
وأضاف: “لا يوجد لدينا أي أطماع خارجية، حيث أن أي علاقات تقوم بها الدولة على المستوى الدبلوماسي أو علاقات تجارية أو سياسية أو اقتصادية تكون من منطلق الحرص على مصالح الدولة المصرية، لذلك حتى هذه اللحظة مصر دولة مستقرة، ونحرص قيادة وحكومة على استمرار واستدامة الاستقرار والأمن في الدولة المصرية خلال هذه الفترة”.
وتابع: “كل حرصنا بالتأكيد على ضمان مقدرات الأمن القومي، والذي يشمل الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي للدولة بكل الأبعاد الموجودة، وليس الوضع العسكري فقط، لذلك نحرص في هذه المرحلة مع كل المتغيرات والتبعات التي تحدث، ضمان تقديم كل الخدمات الأساسية والمتطلبات المعيشية للمواطن المصري بأقل قدر من الأعباء والتبعات التي يمكن أن تلقى عليه في ظل حجم التحديات التي نواجهها، والتي هى تحديات غير مسبوقة”.
واستطرد: “يقال إننا دائما ما نعول الأمور على الظروف السياسية والجيوسياسية، والتي لها النصيب الأكبر في تداعيات الأحداث، وأقول لكم إنها حقا لها تأثير كبير جدا اليوم، لأن قناة السويس ولأكثر من ستة شهور فقدت 60% من إيراداتها، وهناك خسائر شهرية من 550 إلى 600 مليون دولار، والتي كانت تدخل للدولة المصرية وتساهم في تلبية الاحتياجات الأساسية للدولة”.
وأوضح مدبولي أن الخسائر التي حدثت نتيجة لما يحدث في العالم وصلت إلى ستة مليارات دولار كانت تدخل إلى البلاد بعيدا عن استثمار أو تصدير، وكانت تعتبر ثابتة ومستقرة، لافتا إلى أننا لا نعلم مدة استمرار الصراعات التي تحدث في العالم ولا تداعياتها، حيث أدت تلك الصراعات إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات نتيجة لاضطراب حركة التجارة، كما أدت إلى زيادة التضخم على مستوى العالم.
وأوضح رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن سعر النفط ارتفع 5% بمجرد سماع خبر انطلاق الصواريخ من إيران باتجاه إسرائيل، كما ارتفعت أسعار السندات وقفزت أسعار الذهب قفزات كبيرة، مشددا على أننا نتعامل مع ظروف ومؤثرات خارجية تؤثر علينا بصورة كبيرة جدا، لافتا إلى أنه مع استمرار هذا الوضع واتساع دائرة الصراع من الممكن أن تتأثر السياحة باعتبار المنطقة “منطقة صراع”، كما من الوارد أن يكون أن هناك تداعيات على مناخ الاستثمار بصفة عامة.
وأكد مدبولى أن كل ذلك له تأثير مباشر على الدولة المصرية، ومع ذلك اشتغلت الدولة على حجم هائل من الإصلاحات الاقتصادية وعلى وضع تصور واضح ورؤى في ملفات مهمة جدا للدولة، مثل كيفية تشجيع القطاع الخاص والعمل بصورة كبيرة جدا على زيادة مساهمة القطاع الخاص خلال الثلاث سنوات القادمة بأرقام محددة بحيث يكون هو الرقم الأساسي والفاعل في حجم الاستثمارات الكلية في الدولة، وأن يقود القطاعات المحددة التي تم وضعها في وثيقة سياسة ملكية الدولة.
وبين أنه تم البدء في إصلاحات ضريبية تم إطلاقها، وسيتم الإعلان عنها بصورة نهائية خلال الأسبوع المقبل، كما سيتم البدء في إقرار التعديلات التشريعية الخاصة من البرلمان قبل نهاية هذا العام لتكون مفعلة، منوها إلى أن كل هدفها هو حل المشاكل المتراكمة وتيسير مناخ الأعمال خلال الفترة القادمة.
ولفت إلى أنه يتم التحرك في ملف الطاقة بمنتهى القوة للوصول الى مستهدفاتنا، وهي أن تمثل الطاقة النظيفة أكثر من 42% بحلول عام 2030، موضحا أنه يتم إدخال كميات كبيرة جدا من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، فضلا عن أنه من المستهدف أن تكون مصر مركزا بالنسبة لموضوع الهيدروجين الأخضر، وقد تم وضع قواعد ولوائح وتشريعات تساعد على تفعيل هذا الأمر.
وقال رئيس الوزراء “إنه يتم التحرك في ملف الصناعة بقوة لدعم هذا القطاع المهم جدا، لأن هذا هو الملف الذي سيقود الاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة من أجل التصدير واستدامة الموارد الدولارية، أما في ملف الزراعة، فيتم عمل مشروعات قومية كبيرة جدا لزيادة المساحات المستصلحة أفقيا أو رأسيا، واستنباط أنواع جديدة من التقاوي والبذور لزيادة إنتاج الفدان”.
وأضاف: أنه “في الفترة السابقة تم غلق كل المصبات التي تلقي المياه في البحر المتوسط، وكان يتم إعادة استغلال المياه واستخدامها بعد المعالجة في مشروعات كثيرة جدا، سواء للزراعة أو الاستزراع السمكي، كما أن محطات الصرف الصحي الموجودة على امتداد محافظات الصعيد تم تحويلها إلى محطات معالجة ثلاثية، وتم صرف مئات المليارات لتحقيق هذا الموضوع”.
وأشار رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي إلى أنه مع ثبات حصة مصر من مياه النيل، ونظرا للزيادة السكانية التي تفرض البحث عن موارد إضافية للمياه، فإن الدولة تتحرك في ملف تحلية مياه البحر، موضحا أن إجمالي ما كان يتم إنتاجه من المياه المحلاة حتى عام 2015 – 2016 بلغ نحو 80 ألف متر مكعب في اليوم، مقارنة بما يتم إنتاجه حاليا ويبلغ 1,5 مليون متر مكعب من المياه المحلاه.
وحول مؤشرات تحسن الاقتصاد المصري، قال مدبولي “إن الفترة الماضية شهدت العمل بصورة كبيرة على إصلاحات السياسة النقدية والمالية وتحسين بعض الإجراءات، والتي نتج عنها عدد من المؤشرات، من بينها انخفاض الدين الخارجي أكثر من 15 مليار دولار حيث بلغ بنهاية يونيو 152.8 مليار دولار مقارنة بـ168 مليار دولار في ديسمبر 2023، وذلك نظرا للإجراءات التي اتخذتها الدولة، سواء من خلال مشروع رأس الحكمة، فضلا عن إصلاح أوضاع البنوك المصرية وصافي الأصول الأجنبية التي كانت بالسالب، وأصبحت اليوم أكثر من 13 مليار دولار”، منوها بأن الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية لدى البنك المركزي بلغ 46.6 مليار دولار.
وأكد أن الدولة تعمل على ملف الدين وكيفية حوكمته وتقليص الدين من الناتج المحلي الإجمالي وتبعاته، لافتا إلى أن “خدمة الدين” هي المشكلة التي ترهق الدولة مع التضخم وزيادة سعر الفائدة، والذي تعمل الدولة عليه أيضا.. وبين أن الدولة تهدف لخفض التضخم إلى أقل من 10% مع نهاية 2025، وهو ما سيتبعه أن تساعد كافة المؤشرات على تخصيص النصيب الأكبر من الموازنة للمشروعات المهمة التي تمثل أهمية كبيرة للمواطن.
كما نوه إلى أن مؤشر “مدير المشتريات”، وهو مؤشر مهم ويعبر عن رؤية القطاع الخاص لمستقبل الاقتصاد في الدولة، تجاوز خلال الشهر الماضي، وللمرة الأولى منذ أربع سنوات، الـ50 نقطة وأصبح 50.4 نقطة.
وشدد مدبولي على أن الدولة تواجه تحديات كبيرة، أكبرها العمل في وضع غير مستقر، مؤكدا أن الجميع يعي حجم التحديات والضغوط الخارجية وتأثيرها الكبير على الدولة، وهو ما يجعل الحكومة تعمل على المدى القصير وتستوعب الأزمات والصدمات، فضلا عن العمل على تحقيق المستهدفات التي تم وضعها على مدار الأربع سنوات.
وقال “إن المشكلة الحقيقية تتمثل في حجم الإشاعات والأخبار المغلوطة التي تخرج على مدار اليوم، والتي تهدف إلى تشكيك المواطن في الدولة ومقدراتها وأدائها”، كما أكد أهمية الحفاظ على التماسك الداخلي للدولة المصرية في ظل التحديات الخارجية الرهيبة.
وأضاف: أن “الرئيس السيسي دائما ما يحث على عدم القلق من الخارج، حيث أن الدولة المصرية قادرة بأذرعها، سواء القوات المسلحة وكافة الأجهزة، على مواجهة التحديات الخارجية، وأن الأهم هو تحقيق الاستقرار الداخلي”.
وأكد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي، أن الاستقرار الداخلي لمصر لم يتحقق إلا بوعي المواطن بحجم المخاطر التي تهدد الدولة والأجندات والرؤى التي تضعها بعض القوى الخارجية لإعادة ترتيب المنطقة، وكذلك بوعي المواطن بكيفية حفاظ الدولة على أمنها القومي واستقرارها مقابل بعض تلك الأفكار.
وشدد على أهمية تلقى المواطن للمعلومات من مصدرها الصحيح، وأن تناقش أمامه كل التحديات وتأثيراتها على الدولة، محذرا من خطورة استقاء المواطنين للمعلومات من بعض المواقع التي لها تواجهات خاصة ضد استقرار الدولة، مضيفا أنه “من هنا يأتي دور القامات الفكرية للمساهمة في هذا الأمر من أجل مصلحة مصر واستقرارها وبقائها وتقدمها”.
ونوه رئيس الوزراء إلى حرص الحكومة المصرية على الاستماع للرأي والرأي الآخر، واحترم كل الأراء طالما تبتغي الصالح العام للاستفادة منه في ظل هذه الفترة غير المسبوقة التي تشهدها المنطقة، لافتا إلى أهمية مناقشة البعد الأشمل لقارة إفريقيا، لما يمثله من أهمية بالغة لمصر، إلى جانب التحدى الخاص بقضية المياه والتعامل معها.
وقد حضر المؤتمر الصحفي كل من: الدكتور أحمد درويش، والدكتور أسامة الغزالي حرب، والدكتور محمد سلماوى، والدكتور جمال عبدالجواد، والدكتور محمد كمال، والدكتور مصطفي الفقي، والدكتور حسام بدراوي، والدكتور أحمد زايد، والدكتور سعيد المصري، والأستاذ حسن المستكاوى، والدكتورة نيفين مسعد، والأستاذة الدكتورة نورهان الشيخ، والدكتور عبد الفتاح الجبالي، والدكتورة عالية المهدي، والدكتور أحمد غنيم، والدكتور هشام إبراهيم.
المصدر: أ ش أ