شجرة زيتون فوق قمة جبل نيبو .. ربع قرن من دعوة بابا الفاتيكان الراحل لسلام لم يتحقق بعد
منذ قرابة ربع قرن من الزمان وتحديدًا في العشرين من مارس عام 2000، زار بابا الفاتيكان الراحل البابا يوحنا بولس الثاني الأردن، وذلك ردا على الزيارة الأولى للعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في 18 سبتمبر عام 1999، للفاتيكان وذلك عقب تسلمه العرش حينها، في تأكيد على دور الأردن في التواصل من أجل السلام بالمنطقة والعالم مع الفاتيكان.
ومع وصول البابا الراحل يوحنا بولس الثاني إلى محافظة مادبا ضمن جولته في الأردن، لزيارة جبل “نيبو”، وإعلانه حينها أنه ضمن مسار الحج المسيحي، زرعت شجرة زيتون فوق الجبل حيث وقف البابا عندها وسقاها الماء ليعلن من الأردن أن غصن الزيتون داعم للسلام ونشره في العالم، في رسالة لجميع الأطراف ودعوة من أجل تحقيق السلام العادل وإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ولكن للأسف ربع قرن ولم يتغير شيء في سياسة المحتل بل زاد الدمار والخراب والتهرب من السلام رغم المحاولات التي تقوم بها الدول الداعمة لعملية السلام وفي مقدمتها مصر والأردن.
فوق قمة جبل “نيبو” وفي وجه الكنيسة المثلثة وهي مبنى مربع الشكل يعود تاريخ بنائه إلى العصر الروماني، وقد تم تحويله فيما بعد إلى كنيسة ذات تصميم بازليكي، توجد شجرة الزيتون مكتوب إلى جوارها باللغة اللاتينية “شجرة الزيتون رمز السلام.. سقاها البابا يوحنا بولس الثاني في هذا الجبل في العشرين من مارس عام 2000″، فيما تهب ريح السلام من بين غصون هذه الشجرة تارة نحو القدس والمقدسات والدعوة للسلام والأمن والاستقرار، وتارة نحو الشعب الفلسطيني الذي مازال يعيش تحت ويلات الحروب منذ قرون.
أوراق الشجرة وغصونها شاهد عيان منذ أن تم غرسها في تلك الأرض المباركة جبل “نيبو” أحد أركان مسار الحج المسيحي، على دعوة بابا الفاتيكان الراحل يوحنا بولس الثاني من فوق قمة الجبل إلى السلام والعيش المشترك وقبول الأخر وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، لكنها دعوة لم يسمعها المحتل بل نكرها وبات أكثر بطشا واحتلالا للأراضي الفلسطينية وانتهاكا للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، فيما تحزن وتذبل أوراق الشجرة الزيتونية على ضحايا الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة حاليا.
مدير موقع جبل “نيبو” الأب عمار شاهين قال لمدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط، خلال زيارة الجبل، إن في 20 مارس عام 2000 جاء البابا يوحنا بولس الثاني إلى عمان ليبدأ حجته اليوبيل إلى الأراض التي وعد بها النبي موسى، مشيرا إلى أنه بهذه المناسبة قام بتأكيد وتثبيت زراعة شجرة الزيتون وسقاها بيده كرمز للسلام وتكريما لكل من يأتي ويعيش في هذه الأراضي المباركة.
وأضاف أنه تم التقاط صورة للبابا يوحنا بولس الثاني حينها وهو يرقد إلى الشجرة ويقوم برويها بالماء ليؤكد غرسها في هذا المكان المبارك، وتكون شاهد عيان على زيارته ودعوته للسلام، للأسف الشديد لم يتحقق بعد، موضحا أن الزائرين للمكان دائما يتبركون ويدعون للسلام من أمام هذه الشجرة.
وأشار إلى أن عالم الآثار العالمي الراحل الأب ميشيل بتشرلو كان برفقة البابا فوق جبل “نيبو” عند زيارته، مشيرا إلى أن الأب بتشرلو طلب حينها من بابا الفاتيكان بعد أن زرعت هذه الشجرة أن يدفن إلى جوارها وكان له ذلك عندما توفي عام 2009.
والأب بتشرلو هو من أهم علماء الآثار في العالم وأمضى زمنا طويلا في جبل “نيبو”، حيث مقام النبي موسى وأسهم بشكل كبير في الكشف عن موقع المغطس وإعادة أفواج الحجاج له في العصر الحديث.
ويبدو أن شجرة الزيتون، والتي يعتبرها العالم العربي والإسلامي وخصوصا أهل الأردن وفلسطين، رمزا للسلام والأمن والاستقرار ودعوة للمحبة والوئام، لها علاقة وتاريخ مع الفاتيكان، حيث في عام 1964 قدم الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال إلى البابا بولس السادس في ختام زيارته للأردن والأراضي المقدسة شجرة الزيتون المباركة التي رافقته نحو الفاتيكان، في زيارة كانت الأولى لبابا الفاتيكان إلى الأردن والزيارة البابوية الأولى خارج حدود إيطاليا.
وتم إحضار شجرة الزيتون التي رافقت البابا بولس السادس إلى الفاتيكان، وبناء على توصية من الملك الراحل، من جبل الزيتون المقابل للمسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف لهذا فجذورها استقت من ماء القدس ثم من عمان وحاليا تستقي ماء الفاتيكان بعدما حطت رحالها في حدائقه منذ أكثر من نصف قرن.
ويقع جبل “نيبو” على بعد نحو 45 كيلومترا جنوب العاصمة الأردنية، وبين جبال الحدود مع دولة فلسطين المحتلة، في المنطقة الغربية من محافظة مادبا ويطل على كل من وادي الأردن والبحر الميت بارتفاع 680م فوق مستوى سطح البحر، في حالة إنسجام روحاني مع المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة.
جبل “نيبو” يمثل أهم المواقع الأثرية الدينية المسيحية في الأردن وتم اعتماده كموقع من مواقع الحج المسيحي من بداية الألفية الثالثة، فيما يعتقد بأن النبي موسى- عليه السلام- وقف عليه هو وقومه، وتوفي ودفن فيه، ومن هنا جاء الجبل ليكون أيضا موقعا دينيا مهما لدى المسلمين.
قمة جبل “نيبو” تشاهد من فوقها وعلى بعد أمتار قليلة الأراضي الفلسطينية ويمكن من خلالها مشاهدة قبة الصخرة في محيط المسجد الأقصي المبارك، مما يجعلك تعانق في فضائه روحانيات المسجد الأقصي وكنيسة القيامة والمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين المحتلة، وهذا جعله قبلة سياحية للمسلمين والمسيحيين على حد سواء في تأكيد على التعايش والسلام والمحبة التي تنعم بها المملكة الأردنية الهاشمية.
وتعود تسمية جبل “نيبو” كما يرى المراقبون وخبراء الأثار إلى أنه مشتق تسميته من ”نبا” وهو إله التجارة عند البابليين، فيما اكتسب أهمية دينية لافتة للنظر جسدتها الزيارة التاريخية لبابا الفاتكيان الراحل يوحنا بوليس في عام 2000 حينما أطل من على مرتفع جبل “نيبو” مكرسا هذا المكان كأحد أهم موقعين للحج المسيحي في الأردن بعد المغطس، والذي أكد حينها أن المغطس يقع على الحدود الأردنية وليس الإسرائيلية.
المصدر : أ ش أ