يُقام مساء الأربعاء المقبل حفل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية 2024 في ساحة “الكونكورد”، أكبر ميدان في العاصمة الفرنسية باريس، إيذانا بانطلاق منافسات الدورة البارالمبية المقررة في الفترة من 28 أغسطس الجاري وحتى 8 سبتمبر المقبل.
ولأول مرة، يُقام حفل افتتاح البارالمبياد خارج ملعب رياضي، وتحديدا في قلب مدينة النور؛ ليسجل لحظة تاريخية للدورات البارالمبية، فبعد تنظيم حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 خارج الملعب أيضا وعلى ضفاف نهر السين، سوف تبدأ فعاليات الحفل هذه المرة بموكب للرياضيين من جادة الشانزليزيه بمشاركة نحو 4400 من اللاعبين من 184 دولة، من بينهم البعثة المصرية والتي تشارك بـ 54 لاعبا ولاعبة في 10 رياضات مختلفة.
هذا العرض الاحتفالي يمتد بطول جادة الشانزليزيه ليتمكن الجميع من الاستمتاع بمشاهدته، وصولا إلى ساحة الكونكورد، والتي ستشهد المراسم التقليدية لحفل الافتتاح، وقد وعد المنظمون بأنه سيكون “حدثا استثنائيا لا يُنسى” وسط حضور متوقع أن يصل إلى أكثر من 50 ألف شخص.
وتعد ساحة “الكونكورد” علامة مميزة في باريس، إذ تقع في الدائرة الثامنة، أي في قلب العاصمة، وشيدت على مساحة نحو 8 هكتارات، مما يجعلها أكبر ساحة باريسية تقع بين جادة الشانزليزيه وحدائق التويلري المعروفة في العاصمة الفرنسية.
وشهدت “الكونكورد” أحداثا تاريخية عديدة، وكان لويس الخامس عشر ملك فرنسا من 1715 إلى 1774، أول من استغل هذه المساحة ليجعلها ميدانا ملكيا، وفي عام 1763 تم نصب تمثال للملك الفرنسي ليظل في مكانه لمدة 30 عاما قبل أن يطيح به الفرنسيون خلال الثورة الفرنسية عام 1792، وأصبح الميدان بعد ذلك مكانا للتجمعات الكبيرة، سواء كانت احتفالية أو الأكثر دموية فقد شهد إعدام الملك لويس السادس عشر وماري أنطوانيت عام 1793، كما تغير اسم الميدان عدة مرات بدءا من “ساحة لويس الخامس عشر” إلى ميدان “الثورة”، لنصل إلى “الكونكورد” والتي تعني الوئام خاصة بين الفرنسيين بعد سنوات من الاضطرابات.
وتزينت الساحة بعد ذلك بـ “مسلة الأقصر” التي يبلغ ارتفاعها 22.55 متر، وكانت تقع عند مدخل معبد الأقصر، وقدمتها مصر في عام 1833 كهدية إلى فرنسا، تعبيرا عن حسن التفاهم بين البلدين، إذ أهدى محمد علي باشا حاكم مصر آنذاك، المسلة لملك فرنسا لويس فيليب، وذلك تكريما لجهود العالم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون في فك رموز الكتابة المصرية القديمة.. وفي عام 1836 تم إقامة المسلة في الميدان ولاتزال حتى يومنا هذا تزين ساحة “الكونكورد” لتعبر عن وجود قطعة مصرية ثمينة في قلب باريس.
وأعرب دومينيك فارو عالم المصريات والأستاذ في كلية متحف اللوفر، عن فخره لوجود هذه المسلة في قلب العاصمة الفرنسية.. وقال في تصريحات خاصة لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس “من الرائع أن تكون هذه المسلة في ساحة تسمى الكونكورد وتعني الوئام بين الأطراف والأفكار المختلفة، إنه السلام والصداقة، ووضع مسلة كهذه وسط مكان يحمل هذا الاسم، أعتقد أنه أمر رائع وسيكون عنصرا مهما خلال حفل افتتاح الدورة البارالمبية”.. مضيفا “أن هذه المسلة تعتبر وكأن مصر في قلب باريس”.
وعبر فارو عن أمنياته أن يكون اختيار هذا المكان كرسالة سلام، فالمسلة المصرية شامخة وسط الميدان الذي شهد اتفاقات سلام ومصالحة، كما ربط وجود المسلة التي تنتمي لمصر وسط هذه الساحة المسماه بـ “المصالحة”، بموقف مصر في الوقت الراهن والدور الهام الذي تلعبه للتوصل إلى المصالحة بين الأطراف المختلفة وإحلال السلام في المنطقة، كذلك ربط تنظيم هذا الحفل في “الكونكورد” بما تمثله هذه الألعاب الأولمبية والبارالمبية التي تسهم في نشر ثقافة السلام.
هذه المسلة، وهي أقدم أثر على أرض فرنسا، إذ تعود إلى عهد الملك رمسيس الثاني أشهر ملوك الأسرة 19 في تاريخ مصر القديم، أصبحت اليوم علامة مميزة جذبت أنظار العالم خلال أولمبياد باريس، مع تنظيم منافسات سباق الدراجات (بي ام إكس) والتزلج على اللوح، وكرة السلة 3×3 في ساحة “الكونكورد” والتي تتزين مرة أخرى لتنظيم حفل افتتاح البارالمبياد.
ويعد تنظيم هذا الحفل في قلب المدينة واستضافة أول ألعاب بارالمبية في البلاد رمزا قويا لطموح باريس لوضع قضية دمج الأشخاص أصحاب الهمم في قلب المجتمع الفرنسي.
وأكدت وزيرة الرياضة الفرنسية “اخترنا لأول مرة، تنظيم حفل الافتتاح في قلب المدينة، في ساحة الكونكورد، التي ترمز أكثر من أي مكان آخر إلى وحدة الأمة، وذلك لمنح الجميع فرصة رؤية هؤلاء الرياضيين الذين يثير أداؤهم إعجاب الجميع بقدر ما يثيرون الإلهام”.
كما وعد المدير الفني للحفل توماس جولي بعروض لم يسبق لها مثيل، من خلال تنظيم عروض تسلط الضوء على الرياضيين البارالمبيين والقيم التي يجسدونها، فضلا عن عرض سيجمع المشاهدين من جميع أنحاء العالم حول الروح الفريدة للألعاب البارالمبية.
سيمثل حفل افتتاح دورة الألعاب البارالمبية باريس 2024 بداية لأحد عشر يوما من المنافسات الممتعة المتميزة، مع ألعاب مبتكرة ستترك بصماتها مع آمال وإنجازات الرياضيين، حيث سيجد كل لاعب مجالا شاسعا للتعبير عن حلمه في كل رياضة بارالمبية تقام فعالياتها وسط مواقع تراثية وأثرية في قلب العاصمة الفرنسية باريس.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)