“فورين بوليسي”: يتعين على الولايات المتحدة الاستعداد لصراع محتمل ومتزامن مع الصين وكوريا الشمالية
أصدرت لجنة استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية (التي شكلها الكونجرس) الشهر الماضي، تقريرا، اقترحت فيه على وزارة الدفاع (البنتاجون) تطوير “قوة متعددة” بحجم مناسب؛ للتعامل مع التهديدات المتزامنة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا والشرق الأوسط؛ وذلك لمعالجة الخطر المتزايد لحرب مع كل من الصين وروسيا في أطر زمنية متداخلة، وكذلك التهديد المتمثل في حرب متزامنة مع كل من الصين وكوريا الشمالية.
وذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية أن هناك خطرا حقيقيا ومتزايدا من أن الصراع بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، لن يقتصر على مضيق تايوان فقط، حيث قد يتحول إلى حرب إقليمية تشمل شبه الجزيرة الكورية (كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية) .موضحة أن الصين (حين اندلاع هذا الصراع) ستجد حافزا قويا لضرب القواعد الأمريكية في كوريا الجنوبية، مع حث كوريا الشمالية على استفزاز القوات الأمريكية هناك لتقويضها.. علاوة على ذلك، قد ترى كوريا الشمالية فرصة في الانضمام إلى القتال لمنع هجوم أمريكي محتمل، أو الاستفادة من تشتت انتباه الولايات المتحدة؛ لتسوية حسابات قديمة مع منافستها في (سول) أو التأثير على نتائج حرب من شأنها أن تخلف عواقب عميقة على أمنها.
وترى المجلة أن افتقار (واشنطن) للاستعداد لسيناريو الحرب على جبهتين، قد يعطي (بكين) و(بيونج يانج) حافزا إضافيا للهجوم لاستغلال هذه النقطة الضعيفة التي تواجهها الولايات المتحدة وحلفاؤها.. وبالتالي، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تحديث استراتيجياتهم الدفاعية ومواقفهم بغرض الردع، والانتصار في حرب متزامنة (إذا اقتضت الضرورة) ضد كل من الصين وكوريا الشمالية.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أنه بتحليل احتمالات خطر اندلاع صراع أمريكي متزامن مع كل من الصين وكوريا الشمالية، تم التوصل إلى أن الحرب مع الصين بشأن تايوان قد تجلب صراعا مع كوريا الشمالية، والعكس صحيح؛ لذا، فإذا هاجمت الصين تايوان، فمن المرجح أن تستخدم واشنطن قوات عسكرية تعمل من قواعد في المنطقة ضد القوات الصينية المهاجمة. وردا على ذلك، أو لمنع هذا الاحتمال، سيكون لدى بكين حافزا قويا لضرب القواعد الأمريكية الإقليمية، بما في ذلك تلك الموجودة في اليابان وكوريا الجنوبية.
ومن هذا المنطلق، قد يكون لدى كوريا الشمالية أسباب مقنعة خاصة بها للانضمام إلى الصراع، حيث بعد أن ترى (بيونج يانج) (واشنطن) مشتتة في تايوان، قد تنخرط في عدوان انتهازي ضد ما يسميه زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون “عدوها الرئيسي” (كوريا الجنوبية) كما أنه مع حشد الجيش الأمريكي لتعزيزات واسعة النطاق في المنطقة، قد ترى (بيونج يانج) أن هذا الحشد من شأنه أن يؤدي إلى شن هجوم عليها بهدف “تغيير نظامها إما أثناء أو بعد هزيمة الولايات المتحدة للصين. ويجب هنا عدم إغفال أن كوريا الشمالية أعلنت مرارا أن عقيدتها هي الهجوم أولا إذا رأت تهديدا لنظامها “يلوح في الأفق”.
وبناء على ما سبق، فمن غير المرجح أيضا –وفقا لفورين بوليسي- أن تقف كوريا الشمالية مكتوفة الأيدي في حين يخوض أقوى رعاتها معركة ضد أقوى أعدائها في حرب من شأنها أن تحدد مصير المنطقة، مع عواقب كبيرة على أمن بيونج يانج، حيث من المرجح أن تؤدي الهزيمة الصينية إلى عزل كوريا الشمالية بشكل خطير، في حين أن الهزيمة الأمريكية قد تدفع القوات الأمريكية إلى الخروج من المنطقة وتحسين الموقف العسكري لكوريا الشمالية بشكل كبير.
ونبهت المجلة الأمريكية أن افتراض العديد من المحللين أن (واشنطن) و(بكين) لديهما مصلحة مشتركة في الحفاظ على الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية، وخاصة لتجنب التصعيد النووي الكوري الشمالي، وأنهما يتفقان ضمنا على أن كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية خارج نطاق الحرب بشأن تايوان، هو افتراض معيب، حيث إنه يطبق منطق زمن السلم على زمن الحرب.
وأوضحت في هذا الصدد أنه إذا بدأت الصين حربا مع تايوان، فهذا دليل على أن قادتها قرروا أن الاستقرار الإقليمي لم يعد أولوية قصوى، وحتى إذا تحركت بكين بحذر في بداية الصراع، بمعنى أن تتخلى عن توجيه ضربات للقواعد الأمريكية في المنطقة، وتشجيع كوريا الشمالية على ضبط النفس، فإن هذا الحذر سوف يتبخر سريعا مع استمرار الحرب، وخاصة إذا كانت بكين تخشى أن تخسرها. وعلاوة على ذلك، فإن الأدلة السابقة تظهر أن الزعيم الكوري الشمالي لا يمكن السيطرة على قراراته، وأنه يسير غالبا وفقا لرؤيته الخاصة.
وعلى الجانب الآخر، فمن المرجح أن تتدخل الصين في أي حرب قد تبدأ في كوريا، وكما حدث في الخمسينيات، فإن الصين لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تهزم الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية بشكل حاسم كوريا الشمالية، وتهدد بإنهاء النظام هناك، حيث إنها (على أقل تقدير) ستحاول الاستفادة من هذا الصراع عبر استنزاف الموارد العسكرية للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وحلفاء آخرين.
وأوضحت “فورين بوليسي” أن بكين سيكون لديها العديد من الخيارات لعرقلة الحملة الأمريكية وحلفائها، بما في ذلك تعزيز جهود الحرب لبيونج يانج، وإنشاء “مناطق عازلة” لمنع العمليات بالقرب من حدود الصين، والتدخل المباشر بالقوة العسكرية (إذا لزم الأمر). كما أنه عندما يحين الوقت المناسب، يمكن لبكين أيضا الاستفادة من الأمر، ومحاولة القيام بعمل عسكري ضد تايوان أو في أي مكان آخر في المنطقة، لاسيما في بحر الصين الجنوبي، وذلك قبل أن تتمكن الجيوش الأمريكية وحلفائها من التعافي بشكل كامل.
وترى المجلة الأمريكية أنه من المؤسف أن الولايات المتحدة وحلفاءها غير مستعدين إلى حد كبير لمثل هذه السيناريوهات، حيث إن قدرات الولايات المتحدة وحلفائها، وترتيبات القيادة والسيطرة، والموقف (بما في ذلك القوات والقواعد والاتفاقيات مع الحلفاء) ليست مناسبة للصراع المتزامن مع الصين وكوريا الشمالية.
ولفتت إلى أن واقع الافتقار الحالي إلى الاستعداد لصراع متزامن، قد يجعل سيناريو الحرب على جبهتين أكثر احتمالا، وذلك من خلال إعطاء بكين وبيونج يانج حافزا لتوسيع الصراع لاستغلال نقاط الضعف لدى الولايات المتحدة وحلفائها.
ولمنع هذا السيناريو الكابوسي، يتعين على الولايات المتحدة وحلفائها -في رأي المجلة الأمريكية- إعادة النظر والتصور الخاص بالاستعداد للصراع مع الصين أو كوريا الشمالية، أو كلاهما في وقت واحد، ما يتطلب بدوره تغييرات في التخطيط العسكري، وترتيبات القيادة والسيطرة، والتوافق بين الحلفاء، ووضع القوات، كما أن الأمر الأكثر أهمية هو أن القيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وقيادة القوات المشتركة لابد أن تدمج جهودها وتستعد لاحتمالية محاربة الخصمين في وقت واحد.
وأكدت “فورين بوليسي” أنه لجعل هذا الأمر ممكنا، يتعين على سول أن تعلن بشكل واضح التزامها بالتعامل مع التهديدات من الصين وكوريا الشمالية باعتبارها تهديدات مترابطة وليست منفصلة، وذلك لإيصال رسالة لبكين بأن سول لن تقف محايدة إذا تعرضت القواعد الأمريكية في المنطقة لهجوم. وعلى نحو مماثل، يتعين على واشنطن أن تؤكد بوضوح لبيونج يانج أن الولايات المتحدة سوف تحافظ على التزامها الراسخ بالدفاع عن كوريا الجنوبية حتى في حالة نشوب صراع مع الصين.
وينبغي كذلك على الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والفلبين وكوريا الجنوبية وغيرها من الحلفاء والشركاء أن يشاركوا علنا في التخطيط والتدريبات العسكرية القوية للتحضير لمحاربة الصين وكوريا الشمالية في وقت واحد في سيناريوهات مختلفة، مع الحفاظ على سرية التفاصيل العملياتية.
وبعد الانتهاء من هذا العمل الشاق، يتعين على واشنطن –وفقا لفورين بوليسي- أن تعلن بوضوح استعدادها المتزايد من أجل تعزيز الردع ضد الصين وكوريا الشمالية وطمأنة الحلفاء الإقليميين بهذا الشأن، حيث إنه في نهاية المطاف لا أحد يريد حربا متزامنة مع الصين وكوريا الشمالية، ولكن الفشل في الاستعداد لهذا الاحتمال بشكل واضح وسليم أو توصيل رسالة قوية بالردع والقدرة على خوض هذه الحرب المتزامنة، قد يدفع في النهاية نحو حدوثها.
المصدر : أ ش أ