ثمن فضيلة الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، جهود القيادة المصرية في تعزيز الخطاب الديني الوسطي المعتدل المستنير، مؤكدًا ضرورة تقديم خطاب ديني مستنيرٍ يواجه الفكر المتطرف؛ حفاظًا على أمن واستقرار المنطقة.
وأشاد المفتي – خلال البيان الختامي للمؤتمر الدولي التاسع للإفتاء اليوم الثلاثاء – بالسياسات المصرية التي تدعمُ الحوارَ والانفتاح على العالم مع احترام الخصوصيات الدينية، مما يعزز التعاون الإنساني المشترك.
وقال إن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم نظمت هذا المؤتمر إيمانًا منها بحاجة العالم الماسة إلى منظومة مبادئ حاكمة قائمة على الأخلاق والقيم الإنسانية المشتركة، لا سيما والعالم اليوم يشهد تحديات كبيرة تهدد السلم والاستقرار العالميين.
وأضاف أن فعاليات المؤتمر شهدت حضورًا مميزًا من كبار المفتين والوزراء، وعلماء الشريعة ورجال الفكر والإعلام، والباحثين وعلماء الفلسفة والأخلاق والاجتماع والسياسة والمتخصصين بحقوق الإنسان والقانون، حيث ناقش خلال جلساته العلمية وورش عمله وأبحاثه المقدمة قضايا الفتوى والبناء الأخلاقي، موضحًا دور الفتوى في إرساء بناءٍ أخلاقي يراعي القيم الدينية والمشتركات الإنسانية.
وأوضح أن المؤتمر حرص، خلال فعالياته، على تحقيق عدد من الأهداف، من أهمها تعزيز الوعي والتفاهم العالمي بأهمية الفتوى الرشيدة في إرساء منظومة المبادئ والأفكار العالمية لتكون قائمةً على الأخلاق والقيم الإنسانية المشتركة، وإعلاء قيمَ السلام والعدل والمساواة وتحديد القيم الأخلاقية التي يجب أن تكون أساسًا للواقع العالمي ودور الفتوى في ذلك.
وتابع أن الأهداف تضم أيضًا تحديد الأُطر والمبادئ التي ينبغي أن تحكم النظم السياسية والاقتصادية بالواقع العالمي وبيان دور الفتوى في تعزيز هذه المبادئ، وتعزيز التعاون والتضامن العالمي لتحقيق السلام والعدل والمساواة بين الدول والشعوب وأهمية دور الفتوى والإفتاء في هذا التعاون.
كما تتضمن أهداف المؤتمر، بيان دور هيئات ومؤسسات الإفتاء دوليًا وإقليميًا في تعزيز الأخلاق والقيم الإنسانية، وإبراز الأرضية الأخلاقية المشتركة للتعاون بين مؤسسات الفتوى والمنظمات الدولية، وتقديم الحلول الإفتائية لمواجهة تحديات البناء القائم على الأخلاق الإنسانية.
ولفت مفتي الجمهورية إلى أن المؤتمر ناقش موضوعاته خلال 3 محاور، الأول “البناء الأخلاقي في الإسلام ودور الفتوى في تعزيزه”، والثاني “الفتوى والواقع العالمي..الأفكار والمبادئ”، أما المحور الثالث “دور الفتوى في مواجهة عقبات وتحديات البناء الأخلاقي لعالم متسارع”.
وأشار إلى أنه على هامش جلسات المؤتمر عُقدت مجموعة من ورش العمل، تناولت الورشة الأولى صناعة ميثاق أخلاقي إفتائي للتطورات في مجالات العلوم التجريبية والطبيعية والاجتماعية والذكاء الاصطناعي، حيث استهدفت بيان التعريفات الأساسية المتعلقة بالعلم والأخلاق والدين والعلاقة بينها، وعرض تحليل إحصائي وشرعي لعينة متنوعة من الفتاوى المتعلقة بأخلاقيات العلم الشرعي، وعينة أخرى من الفتاوى المتعلقة بتطبيق الأخلاق على العلوم التجريبية.
وقال إن الورشة الثانية ناقشت موضوع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته بالعلوم الشرعية وعلوم الفتوى، حيث ركزت على طرح مفاهيم الذكاء الاصطناعي الأساسية وعرضت تطبيقاته بهذا المجال والتحديات التي تواجهه، وأكدت أهمية تعزيز ثقافة استخدام الذكاء الاصطناعي بالبحوث الشرعية، وضرورة التعاون بين العلماء الشرعيين والمتخصصين في التكنولوجيا، وأوضحت المبادئ الأخلاقية لاستخدامه، وضرورة تصميم برامج تعليمية تدمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الشرعي، واستشراف المستقبل الواعد بهذا المجال.
وأضاف أن الورشة الثالثة خُصصت لرصد وتحليل إشكاليات المحتوى الديني المتطرف بالمنصات الرقمية وسبل معالجته، كما تناولت تطور المحتوى المتطرف عبر منصات التواصل الاجتماعي والوسائل الرقمية؛ محللة أسباب رواجه وانتشاره على تلك المنصات، وأكدت أهمية محاربته عبر قنواته نفسها، وضرورة بناء وتعزيز الشراكات بين مراكز البحوث لرصده وتتبعه عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
ونوه بأن هذه الورشة أكدت أيضًا ضرورة التعاون مع المجتمع المدني لمحاربته، واستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في ذلك، مع التأكيد على أهمية بناء القدرات الرقمية للمفتين والمؤثرين في مواجهة هذا الفكر، وأهمية التعاون مع شبكات التواصل الاجتماعي في تتبع وإزالة هذا المحتوى المتطرف، مع عرض التجارب السابقة في هذا المجال للوقوف على النجاحات وأوجه القصور، واقتراح التوصيات الملائمة لتفعيل برامج محاربته.
وأشار مفتي الجمهورية إلى أن المؤتمر خرج بعدة توصيات منها دعوة جميعَ الدولِ العربية والإسلامية إلى تعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها لدعم القضية الفلسطينية عبر الجهود الدبلوماسية في المحافل الدولية أو من خلال المساعداتِ الإنسانية والتنموية للشعب الفلسطيني؛ تأكيدًا على وحدة الصف والتضامن الإسلامي.
وأوضح أن المؤتمر ثمّن دور مصر في تعزيز الإعلام المستنير، ودعوتها إلى استخدام وسائل الإعلام لنشر القيم الأخلاقية والتوعية بمخاطر الفكر المتطرف، كما أكد أهمية الدور الذي تلعبه التعاليم الإسلامية السمحة في الارتقاء بالأفراد والمجتمعات البشرية وهي التي نجدها منصوصًا عليها بكافة الشرائع السماوية، وأهاب المجتمع الدولي بضرورة احترام هذه التعاليم والعمل من خلالها على ضبط التسارع في الحركة العالمية، وتنامي النزعة الفردية على كافة المستويات؛ من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية الرئيسية.
وقال مفتي الجمهورية إن المؤتمر دعا جميع المؤسسات الإفتائية الوطنية إلى التعاون والتكاتف لمواصلة التجديد الفقهي والإفتائي، وتقديم خطاب فقهي وإفتائي يناسب العصر انطلاقًا من مقاصد الشريعة وغاياتها العليا.
وأضاف أن المؤتمر أكد على أن ما نملكه من ثروة فقهية وتشريعية قادرة على صناعة فتوى تتناسب وحجم التسارع والمتغيرات العالمية بكافة المجالات، ودعا المجتمع الدولي للبعد عن توظيف التفسيرات والتأويلات المتطرفة للتعاليم الدينية السماوية السمحة في شن الحروب وإذكاء الفتن والنزاعات العِرقية والطائفية، بما يهدد أمن وسلامة المجتمعات البشرية لا سيما الإسلامية.
وتابع أن المؤتمر أكد أهمية مواصلة العمل في مجال التأهيل الإفتائي، وبناء المزيد من جسور التفاهم والتعاون بين القائمين على صناعة الفتوى في العالم من مؤسسات وهيئات وطنية؛ لمواجهة التحديات الكبرى التي يفرضها علينا العالم المعاصر بتغيراته وأحداثه المتسارعة.
وأكد مفتي الجمهورية أن المؤتمر دعا المؤسسات التعليمية والدينية والثقافية في العالم كله إلى تكثيف جهودها في نشر ثقافة الحوار والتفاهم بين الأديان، وتعزيز التعايش السلمي، وتضمين مناهجها الدراسية مواد تعليمية تنشر ثقافة الحوار والتعايش السلمي.
وأضاف أن المؤتمر أكد أيضًا أهمية تعاون المتخصصين بمجالات التقنية ووسائل التواصل الرقمية مع مؤسسات الإفتاء لمساعدتها على تدشين بيئة آمنة عبر وسائل الاتصال لاتباع الدين الإسلامي يتم خلالها احترام خصوصياتهم، ومساعدتها في الترويج عالميًا لرقي وسماحة الدين الإسلامي لباقي الشعوب.
وأشار إلى أن المؤتمر أكد أهمية تحليل وتفكيك خطاب الجماعات المتطرفة، ومواصلة الجهود للتحذير منه، وبيان خطورته على أمن المواطنين واستقرار الأوطان.
المصدر: أ ش أ