في انتخابات يتوقع أن تكرّس صعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية، ما قد يعيد رسم توجهات الأجندة السياسية في بروكسل، يبدأ الأوروبيون، اليوم الخميس، الإدلاء بأصواتهم عبر بلدان التكتل لتجديد البرلمان الأوروبي.
ويرتقب أن يبدأ التصويت اليوم في هولندا، لينتهي الأحد في فرنسا وألمانيا.
وسيختار حوالي 370 مليون ناخب نوابهم الـ720 في 27 انتخابات وطنية مختلفة ينظمها كل بلد في غياب لوائح عابرة لأوروبا، وذلك في ختام حملة غالبا ما هيمنت عليها مواضيع وطنية.
ففي ظل التضخم المرتفع ما بعد كوفيد والحرب في أوكرانيا التي أججت أزمة الطاقة ونقاط التوتر التجارية والحرب في قطاع غزة وغضب المزارعين، تركزت النقاشات حول خيارات الاتحاد الإستراتيجية بمواجهة الصين والولايات المتحدة، ولا سيما مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو معروف بعدم اهتمامه بأوروبا.
كما أظهر استطلاع نشرت نتائجه في أبريل الماضي، أن مسائل مكافحة الفقر والصحة العامة ودعم الاقتصاد وكذلك الدفاع والأمن تتصدر مشاغل المواطنين الأوروبيين، متقدمة على البيئة والهجرة التي كانت موضع “ميثاق” أوروبي أقر مؤخرا بعد مفاوضات شاقة، حسب ما نقلت فرانس برس.
فقبل خمس سنوات، ساهمت التظاهرات الشبابية من أجل المناخ في فرض موضوع البيئة كأولوية، إذ أدرجته المفوضية الأوروبية في صلب خطتها الواسعة النطاق لإنعاش الاقتصاد بعد جائحة كوفيد، قبل إطلاق رزمة تشريعات “الميثاق الأخضر” الطموحة التي شملت سوق الكربون والطاقة والنقل وإزالة الغابات وغيرها من المسائل البيئية.
غير أن هذا “الميثاق الأخضر” بات اليوم مسألة سياسية خلافية بسبب المخاوف من انعكاساته على التنافسية الصناعية والزراعة والقوة الشرائية.
ومن المتوقع أن تبقى الغالبية في البرلمان المقبل لـ”الائتلاف الكبير” الذي شكلته المجموعات السياسية الثلاث الكبرى، حزب الشعب الأوروبي PPE (يميني، الكتلة الأولى في البرلمان الأوروبي) والتحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين S&D وكتلة “تجديد” (“رينيو”، ليبراليون)، من أجل إقرار معظم النصوص المطروحة.
غير أن أحزاب اليمين الراديكالي والأحزاب القومية قد تتخطى حزب الشعب الأوروبي من حيث العدد الإجمالي للنواب الأوروبيين، ما سيمنحها إمكانية التأثير في ملفات جوهرية مثل الدفاع الأوروبي بمواجهة التوسع الروسي والسياسة الزراعية الجديدة وسبل تحقيق تحييد أثر الكربون وغيرها.
إذ تتوقع استطلاعات الرأي صعود هذه الأحزاب بعد تقدمها في عدد من الانتخابات الوطنية ووصولها إلى السلطة مؤخرا في إيطاليا وهولندا.
علماً أن اليمين المتطرف منقسم في البرلمان الأوروبي إلى كتلتين هما كتلة “المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين” ECR (حزب فراتيلي ديتاليا الإيطالي وحزب العدالة والقانون البولندي حزب فوكس الإسباني وحزب “استرداد” أو “روكونكيت” الفرنسي وغيرها)، وكتلة “الهوية والديمقراطية” ID (التجمع الوطني الفرنسي والرابطة الإيطالية والبديل من أجل ألمانيا)، اللتان قد تفوزان معا بحوالي ربع المقاعد. وإن كانت الكتلتان تتشاطران التشكيك في جدوى المؤسسات الأوروبية والتمسك المعلن بالسيادة الوطنية من دون أن تصلا إلى حد المطالبة بالخروج من الاتحاد، إلا أن انصهارهما يبدو مستبعدا، نظرا إلى الخلافات الكبرى في وجهات النظر بينهما، ولا سيما بشأن روسيا.
وأيد المستطلعون في تحقيق “يوروباروميتر” بنسبة 75% تعزيز الصناعة الأوروبية الدفاعية ودعموا بغالبيتهم إرسال ذخائر إلى أوكرانيا، إلا أن معارضة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد في النصف الثاني من العام 2024، يمنع التوصل إلى دعم على مستوى الدول الـ27.
إلى ذلك، ستحدد التوازنات التي ستنبثق عن هذه الانتخابات توزيع المناصب القيادية داخل الاتحاد. وفي هذا السياق، فإن أورسولا فون دير لاين مرجحة للبقاء في منصبها على رأس المفوضية الأوروبية لولاية ثانية، وهي مرشحة لهذا المنصب عن حزب الشعب الأوروبي الذي يتصدر الانتخابات بحسب التوقعات.
غير أن تعيينها ليس مؤكدا إذ يصطدم بمعارضة حتى داخل حزبها ويتطلب مصادقة قادة الدول الـ27.
فقد واجهت فون دير لاين بعد أن أعلنت استعدادها للتعاون مع ميلوني وحزبها “فراتيلي ديتاليا” من الفاشيين الجدد، تنديد أحزاب اليسار وكتلة رينيو التي ترفض السماح لرئيسة الوزراء الإيطالية بإعادة رسم المشهد السياسي الأوروبي.
وكان اليمين المتطرف واجه قبل أيام قليلة من انطلاق تلك الانتخابات، شبهات في قضية تدخلات روسية وصينية، طالت بصورة خاصة حزب البديل من أجل ألمانيا ورأس لائحته الانتخابية ماكسيميليان كراه.
يذكر أن البرلمان الأوروبي الذي يتخذ مقرا في ستراسبورغ وبروكسل هو المؤسسة الوحيدة المنتخبة في الاتحاد وهو مكلف التفاوض وإقرار التشريعات بالتنسيق مع مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يضم الدول الأعضاء، بناء على اقتراحات المفوضية.
المصدر:وكالات