وزير الخارجية المصري في حوار خاص مع «أخبار الخليج»: العرب تحدثوا بصوت واحد في «قمة البحرين»
منذ اندلاعِ الحرب الإسرائيليَّة على الشعب الفلسطينيِّ في قطاع غزة في أعقاب السابع من أكتوبر الماضي، تلعب مصر دورًا حيويًّا وتبذل جهودًا مضنية لإنهاء هذه الحرب التي أودت بحياة ما يربو على 40 ألفَ شهيد فلسطيني، وشرَّدت الملايين منهم.
في ظل هذه الجهود الكبيرة حرصت «أخبار الخليج» على الالتقاء بالسيد سامح شكري وزير خارجية جمهورية مصر العربية الشقيقة رغم جدول أعماله المزدحم باللقاءات الثنائية على هامش مشاركة بلاده في أعمال القمة العربية الثالثة والثلاثين التي استضافتها مملكة البحرين.
شكري الذي نجح في قيادة الدبلوماسية المصرية باقتدار في كثير من المواقف الإقليمية والدولية المؤثرة والمشهودة، يقوم بدور حيوي في هذه الأثناء للتنسيق مع نظرائه في العالم العربي من أجل تأكيد موقف عربي موحد رافض لما يجري من عدوان إسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ومحاولة إقناع الشركاء الدوليين للاضطلاع بأدوارهم لوقف هذه الجرائم الوحشية.
وزير الخارجية المصري في حديثه مع «أخبار الخليج» عكس المواقف المصرية الواضحة تجاه ما يجري من استفزازات إسرائيلية في رفح، وحمَّل الجانب الإسرائيلي بوضوح المسؤولية بشأن الأوضاع الإنسانية المتردية في قطاع غزة، وكذا تعرَّضَ للمواقف الغربية المزدوجة تجاه قضايا المنطقة والتي تؤدي إلى اهتزاز الثقة في منظومة القواعد الدولية.
وشدد شكري على أهمية القمة العربية التي استضافتها مملكة البحرين في إيجاد صوت عربي واحد وقوي يصل إلى العالم حول القضية الفلسطينية.. وهذا نص الحوار.
كيف ترى أهمية انعقاد القمة العربية في مملكة البحرين للمرة الأولى في تاريخها، وخاصة في ظل التحديات التي تواجه المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية؟
إن انعقاد القمة العربية في مملكة البحرين الشقيقة يعد حدثا بارزا، فاجتماع القادة العرب في هذه الظروف وخاصة مع تفاقم أزمة غزة كان أمرًا مهما، حتى يتحدث العرب بصوتٍ واحد، وبموقف واحد، وخاصة أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى لدى العالم العربي.
وما يتعرض له الشعب الفلسطيني الشقيق في قطاع غزة من أضرار وفي الضفة الغربية من اعتداءات، تستدعي وجود صوت عربي قوي يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار الفوري في غزة، وضمان دخول المساعدات الإغاثية والتعامل مع الوضع الإنساني المتردي، ومنع أي تهجير داخلي أو خارجي للشعب الفلسطيني لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية.
ولا بد أن أنوه بما شهدناه من جهود كبيرة بذلتها البحرين لإنجاح القمة العربية من الناحية التنظيمية، وكذلك حققت نجاحا في الناحية الموضوعية من خلال تعزيز الرؤية العربية المشتركة في التعامل مع قضية غزة، وبؤر الاضطراب الأخرى في المنطقة سواء في السودان أو ليبيا أو جنوب لبنان أو سوريا، وجميعها قضايا ملحة، لكن القضية الفلسطينية تحتل صدارة الأولويات في الوقت الراهن مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة.
وجاءت القمة لتعبر عن رؤية القادة العرب المشتركة تجاه العمل العربي المشترك لتعزيز الأمن القومي العربي من خلال التضامن ما بين الدول العربية والشعور بأهمية السير قدما نحو قضايا التنمية والتعليم، وهذا من الملفات التي أولتها مملكة البحرين الشقيقة اهتماما كبيرا وحرصت على تعزيز التركيز عليها خلال أعمال القمة العربية.
هل هناك جديد في المواقف العربية، في ظل المطالبات باتخاذ مواقف أكثر حزمًا تجاه العدو الإسرائيلي أو تجاه الدول الغربية الداعمة له؟
كثير من الدول العربية إن لم يكن جميعها تبرز مواقفها بالامتعاض وعدم الارتياح نظرا لاهتزاز منظومة القواعد التي تحكم العلاقات الدولية وتطبيقها والمواقف التي تتخذ حيال القضايا المختلفة، وقد أظهرت أزمة غزة، كثيرا من عدم الاتساق في المواقف من قبل كثير من الشركاء الدوليين، والتعامل بمعايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، تلك القضية التي تعد إحدى قضايا الاحتلال والتي يجب أن تكون وفقا لكل المعايير مرفوضة أينما وُجدت، لكننا لا نستشعر هذه المواقف من الشركاء الدوليين مع القضية الفلسطينية.
وأزمة غزة تعد الأزمة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي لا يهب المجتمع الدولي للمطالبة بوقف إطلاق النار فيها، وإنما يتحفظ الكثيرون ويمتنعون عن المطالبة بوقف إطلاق النار، وهذا من الأمور المستغربة أيضا.
كل هذه المواقف تجعل الدول العربية ترصد ذلك، وسوف يتم مراجعة لإطار العلاقات والتجاذبات الدولية اتصالا بذلك، ولا يكفي أيضا التعبير عن مواقف لفظية كما تعودنا من بعض البلدان، ولكن يجب أن تأتي بأفعال، حيث لا يمكن الحديث عن حل الدولتين كمخرج بينما لا تأخذ الدول التي تروِّج لحل الدولتين أية إجراءات عملية ملموسة لتنفيذ هذا الحل.
كل ذلك يدفع الدول العربية في إطار علاقاتها وسياساتها مع شركائها إلى المطالبة بجدية ومصداقية وموضوعية وفقا للمساعي المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار.
ما رؤيتكم لأهمية المبادرة البحرينية لاستضافة مؤتمر دولي لحل القضية الفلسطينية، وهل سيسهم ذلك في تفعيل لحل الدولتين؟
إن المبادرة البحرينية هي مقترح في محله ويعزز من فكرة الخيار الاستراتيجي للدول العربية نحو السلام القائم على العدل والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة، كما يتيح الفرصة لتأكيد الدول مواقف عملية يكون لها أثر في إطار حل الدولتين وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولا بد أن تكتمل الظروف الدولية لعقد هذا المؤتمر، وكذلك فإن الأعمال العسكرية الإسرائيلية الجارية في غزة قد تضع قيودا على توقيت هذا المؤتمر.
ولكن من حيث المبدأ فإن عقد المؤتمر وحضور الشركاء الدوليين وخاصة الشركاء ذوي التأثير وقدرة على تحريك الأمور أمر له إسهامه في حل الأزمة.
نحن من الأجيال التي عاصرت محطات عديدة من الصراع العربي الإسرائيلي، ونجد دائما أن الشعوب العربية لديهم توقعات كبيرة من القادة، ولكنهم يطرحون تساؤلا هل من المعقول أن تبقى 22 دولة عربية غير قادرة على التأثير في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، حتى وصل بهم الحال إلى أن هذا العصر ليس عصر العرب، ما تعليقك على ذلك؟
لا يجب أن نحمل أنفسنا أكثر مما تحتمل، نحن نتعامل في ظل أجواء دولية ومتغيرات نشهدها من ناحية الاستقطاب أو الصراع، وكذا توسيع رقعة الصراعات في العالم ونشوب بؤر لهذه الصراعات وتهديدات جديدة للمنطقة والعالم، فالقدرة على التأثير مرهونة دائما بالمناخ الدولي العام وإلى أي مدى هناك تضامن وارتباط وثيق بين الدول حتى تستطيع أن تقنع شركاءها بضرورة العمل في ترسيخ السلام، وهذا أمر لم يعد باليسير في ظل التحديات والتداعيات الدولية المتلاحقة والضغوط الاقتصادية القائمة بعد سنوات «كوفيد 19» مرورا بحرب أوكرانيا ثم الحرب الإسرائيلية في غزة، والدول العربية تعرضت لسلبيات كثيرة نظرا لهذه التطورات.
ويجب أن نتعامل بشكل فيه الكثير من الواقعية والموضوعية ولا تكن طموحاتنا متجاوزة لقدرات العناصر المختلفة ذات التأثير في العلاقات الدولية.
إننا أمام معضلة، فالدول الغربية لا تريد للحرب الإسرائيلية أن تتوقف، والدول العربية لا تستطيع أن تمارس ضغوطا رغم كل علاقاتها مع الغرب، إذن فإن الأفق مسدود، ما هو المستقبل، في ظل التقارير التي تشير إلى أطروحات أمريكية بشأن سيناريوهات جديدة؟
إننا نغفل أحيانا ما نشهده من تحول في مواقف كثير من الدول تجاه القضية الفلسطينية، ويأتي هذا التحول بسبب الجهود التي بذلت من قبل الدول العربية ومجموعة الاتصال العربية الإسلامية وتحركاتها الدولية، التي أسهمت في تغيير المشهد، وهناك دول أوروبية رئيسية مقدمة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك نشهد حاليا مظاهرات اجتاحت الجامعات الأمريكية والأوروبية ولها وقعها على الدول الغربية.
كل ذلك يأتي بسبب الجهود التي بذلتها الدول العربية لتوضيح حقيقة ما يحدث في المنطقة وما يحدث في غزة، وهذا له أثر على السيناريوهات المستقبلية في ظل تكثيف الجهود.
إننا نرى أن الاحتلال الإسرائيلي يتنصل من مسؤولياته تجاه توفير الضمانات اللازمة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي غزة، وتلقي بالكرة في ملعب مصر بشأن تنظيم ذلك عبر معبر رفح الحدودي، ما هو الموقف المصري من ذلك، كما أن البعض يرى أن إصرار إسرائيل على اجتياح رفح سوف يحيل السلام البارد بين مصر وإسرائيل إلى ما يشبه الحرب الباردة، كيف ترى هذا الأمر؟
إننا لا نريد أن نخلط الأمور، فقضية معبر رفح والاحتياجات الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين في غزة هي من الأولويات التي كانت مصر واعية لها من بداية الحرب، وكان ما يقرب من 65% إلى 70% من المساعدات الإنسانية جاءت من مصر سواء من الحكومة أو من المجتمع المدني المصري.
ومصر كانت حريصة على أن يظل معبر رفح مفتوحا وأن نعمل بالتنسيق مع الشركاء لإقناع إسرائيل بضرورة دخول المساعدات بكميات أكبر وأن نتجاوز كثيرا من المعوقات التي وضعتها إسرائيل للحد من دخول هذه المساعدات.
والآن في ظل الحرب القائمة والوجود العسكري على معبر رفح لا يمكن تأمين دخول المساعدات من خلال المعبر أو تأمين سائقي الحافلات أو العاملين في النطاق الإنساني، وبالتالي فإن استمرار العمليات العسكرية يعيق العمل الإنساني، وهذا لا ينفي مسؤولية دولة الاحتلال في توفير المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني، وإسرائيل تسيطر على 5 معابر متصلة بغزة وعليها أن تسمح بدخول المساعدات عبر هذه المعابر، ولا يمكن أن تلقي بالمسؤولية على مصر في ظل الأوضاع الاستثنائية القائمة على معبر رفح، وتهمل مسؤولياتها وقدراتها بأن توفر المساعدات التي تطمئن إليها وأن تكون نافذة بكميات تلبي احتياجات الشعب الفلسطيني في غزة.
الاستفزازات الإسرائيلية المتواصلة لمصر وإصرارها على اجتياح رفح، وهو ما اعتبره البعض انتهاكا لاتفاقية السلام المشتركة بينهما، ما الرؤية المصرية للتعامل مع هذا الوضع وخصوصا أن ذلك يشكل تهديدا لأمن مصر القومي؟
إن السياسات والقرارات التي تتخذها مصر تتم وفقا للمصلحة المصرية والعلاقة القائمة بين مصر وإسرائيل تخضع للآليات والأدوات التي تحدد مسار العلاقات بين دولتين بأي شكل من الأشكال، وتتدرج وفقا لتطور الأمور من منظور كل دولة في الحفاظ على أمنها القومي وسيادتها.
وكل فعل له رد الفعل المناسب من دون مبالغة، ولا بد أن نحافظ على أمننا القومي وأن نحافظ على مصالح شعبنا، وأن نتخذ من الإجراءات ما يخدم هذه المصالح، ونرتكن إلى الموضوعية والتناول المتزن بعيدا عن المغامرات غير المحسوبة.
ما الذي تضيفه قمة البحرين إلى العمل العربي المشترك؟
إقرار وجود رؤية مشتركة تعزز من العمل العربي المشترك وإتاحة الفرصة لظهور العالم العربي برؤية واحدة متسقة تجاه التحديات التي تشهدها المنطقة، وتعزيز الآليات العربية لمواجهة مثل هذه التحديات، واجتماعات القمة العربية تتيح للقادة العرب فرصة التداول المباشر والتنسيق المشترك وتعزز من التضامن والتوافق حول رؤية مشتركة حول مواجهة التحديات.
كيف ترى أهمية العلاقات البحرينية المصرية؟
إن العلاقات البحرينية المصرية تشكل أهمية كبرى وتتمتع بالخصوصية، لأنها مبنية على أرضية قوية من مشاعر الإخاء والمحبة بين البلدين والشعبين الشقيقين، في ظل العلاقات المتميزة التي تربط القيادتين جلالة الملك المعظم وأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، والفهم المشترك للتحديات، والرصيد الضخم من الامتزاج الشعبي، يجعل هذه العلاقات نموذجية، وعلاقات يحتذى بها، وتلبي مصلحة مشتركة على أساس من الحرص المتبادل والرغبة المشتركة في تعزيز هذه المقومات.
ودائما ما نشعر بسعادة في مملكة البحرين وبدفء وحسن الضيافة والوفادة، وما شهدناه من حسن لتنظيم أعمال القمة العربية في البحرين يبشر بأنها قمة سوف تنعكس بالخير على الأمة العربية.
المصدر: وزارة الخارجية المصرية