بعد مرور عام على اندلاعها في جنوب العاصمة الخرطوم، صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023، خلفت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع نحو 17 ألف قتيل، وأحدثت دمارا اقتصاديا قدرت خسائره بمليارات الدولارات، وأوجدت وضعا إنسانيا وصف بالأكثر مأساوية في العالم حيث شردت الملايين من منازلهم وأدخلت 25 مليونا في دائرة الجوع، وسط مخاوف من تحولها إلى حرب أهلية شاملة، بحسب أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات.
فقد تتفاقم المخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر في ظل انكماش مساحات الملاذات الآمنة للفارين من مناطق القتال. واتسعت رقعة الحرب بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة لتشمل اكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، حيث انتقل القتال من الخرطوم إلى دارفور وكردفان في الغرب والنيل الأبيض في الجنوب وولايتي الجزيرة وسنار في الوسط والجتوب الغربي.
ورسم تقرير صدر عن الأمم المتحدة صورة قاتمة عن الأوضاع الإنسانية في البلاد. وقال التقرير إن السودان يواجه واحدة من أسرع الأزمات التي تتكشف على مستوى العالم، حيث يحتاج نحو 25 مليون شخص – منهم أكثر من 14 مليون طفل – إلى المساعدة والدعم الإنساني.
ووفقا للتقرير فإن 17.7 مليون شخص – أكثر من ثلث سكان البلاد – يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة. وأشار التقرير إلى فرار أكثر من 8.6 مليون شخص – حوالي 16 بالمئة من إجمالي سكان البلاد – من منازلهم منذ بدء النزاع.
و تقدر قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 إلى 700 مليار دولار، محذرا من أن يؤدي استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.
و يعتبر القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمئة فالقطاع الزراعي بنسبة 65 بالمئة.
وإلى جانب المجهود الحربي وتدمير الترسانة العسكرية، فقد شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.
وبسبب الحرب انكمش الناتج القومي باكثر من 40 بالمئة، وتقلصت الايرادات العامة بنحو 80 بالمئة لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولي، في ظل انهيار المصارف والمشاريع الانتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الايرادات.
وتجاوزت معدلات التضخم 520 بالمئة، ودخل اكثر من 40 بالمئة في دائرة البطالة بعد الحرب نتيجة لفقدان مصادر دخلهم في ظل إغلاق معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
وتضاعفت السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجري حاليا تداول الدولار الواحد عند 1400 جنيها، مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، فبالتزامن مع العمليات القتالية؛ انتشر المئات من اللصوص والمتفلتين في المناطق الصناعية ونهبوا كل شيء بما في ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجي وحتى اسقف المباني واجهزة التكييف والإضاءة.
وجدير بالذكر أن الخسائر تفاقمت أكثر بسبب ثقل مساهمة الولايات الاكثر تأثرا بالحرب في الناتج المحلي الاجمالي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض. ويوضح “تتركز معظم قواعد الانتاج والبنيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني، في الولايات الأكثر تأثرا بالحرب حتى الآن”.
وفي ذات السياق، قالت الأمم المتحدة إن الحرب في السودان قد أثرت بشكل كبير على على البلدان المجاورة، خصوصا دولتي تشاد وجنوب السودان حيث يؤدي تعطل التجارة ونزوح أعداد كبيرة من السكان إلى استنزاف الموارد وتفاقم الجوع.
وتوقع التقرير تراجعا كبيرا في اقتصاد جنوب السودان في ظل معاناة الأسر من التضخم المفرط والانخفاض الشديد في قيمة العملة، بسبب توقف خط أنابيب تصدير النفط الرئيسي في البلاد والذي يمر عبر السودان في مارس. والنفط هو المصدر الرئيسي للدخل في جنوب السودان ويشكل 95 بالمئة من الإيرادات.
ويحدث سيناريو مماثل في تشاد، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية في شرق البلاد تقريباً في العام الماضي. وقد أدى إغلاق الحدود إلى تقييد التجارة بشدة وسبب نقصا حادا في الغذاء في الأسواق.
في حين تسعى المجموعات الموالية وذات التأثير القوي على صناعة القرار في بورتسودان، للدفع في اتجاه استمرار الحرب ورفض كافة الجهود الدولية والإقليمية والمحلية الرامية لحل الأزمة، يعقد معظم السودانيين آمالا على جولة المفاوضات المقترحة خلال الأيام المقبلة في إطار منبر جدة المتوقف منذ اكثر من 4 أشهر.
و من الواضح ان جولة المبعوث الأميركي للسودان توم بيريلو الأخيرة في المنطقة واتصالات دبلوماسية أجرتها الخارجية الأميركية مع عدد من الأطراف الدولية والسودانية، خلصت إلى تأييد دولي وإقليمي كبير للخطة الأفريقية المكونة من 6 نقاط تشمل إدخال قوات أفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين وتجميع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن وفتح مسارات إنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية ومن ثم البدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب والتي كانت تستند إلى الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022.
لكن، في الجانب الآخر تدور شكوك كبيرة حول إمكانية نجاح الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، خصوصا بعد التصريحات التي ادلى بها البرهان والتي قال فيها إن الجيش لن يعود للمفاوضات قبل خروج قوات الدعم السريع من كافة المدن التي تسيطر عليها.
ووفقا لمصادر موثوقة فإن البرهان يواجه ضغوط كبيرة من قبل عناصر تنظيم الإخوان لمنعه من القبول بإرسال وفد أكبر تمثيلا للمفاوضات المقترحة خلال الأيام المقبلة. وأكد المصدر أن خلايا التنظيم السياسية تطالب بالاستمرار في الإمساك بالعصا من المنتصف وإرسال وفد غير مكتمل الصلاحيات بحيث يتم تقييم كل مرحلة على حدا بالرجوع إلى القيادة في بورتسودان وتطويل أمد التفاوض إلى حين تقوية موقف الجيش ميدانيا.
المصدر : وكالات