رأت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن التطور المتنامي للذكاء الاصطناعي بمقدوره أن يهدد المبدعين إذا سمح البشر بذلك.. مستشهدة ببرامج مثل /تشات جي بي تي/ ونماذج اللغات الكبيرة الأخرى المشابهة كونها أكثر من مجرد أدوات مفيدة لإعداد رسائل البريد الإلكتروني أو المقالات باللغة الإنجليزية لطلاب المدارس الثانوية المتكاسلين.
ووصفت الصحيفة – في مقال افتتاحي أوردته عبر موقعها الاليكتروني اليوم الاثنين – هذه الأدوات بأنها أيضا قوى إبداعية وتستخدم في كتابة الأعمال الدرامية والمقالات وكلمات الأغاني والنكات وعمليا أي شكل فني آخر كان يتطلب عقلا بشريا في السابق ، إذ تعد تلك الأدوات بقلب حياة الأشخاص الذين يكتبون أو يرسمون أو يغنون أو (نعم) يمارسون الصحافة ، ورأت أن هذه التكنولوجيا تستوجب فحصا جديدا لكيفية مكافأة المجتمع للجهد الفني.
وقالت : إن قانون حقوق الطبع والنشر يحكم كيفية القيام بذلك الآن ، إذ تعتمد أقوى نماذج اللغات الكبيرة على مجموعات ضخمة من البيانات التي تشمل، في الأساس، شبكة الإنترنت العامة بالكامل – والتي تحتوي بدورها على مجموعات كبيرة من المواد التي تحظى بحماية بحقوق الطبع والنشر. وهذا يطرح التساؤل التالي: هل تناول هذه المواد لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي ينتهك حقوق الملكية الفكرية للمبدعين؟ وإن لم يكن الأمر كذلك، فهل يتعين عليه ذلك؟.. وأجابت قائلة إن الكتاب والفنانين يجادلون بأن الشركات التي تقف وراء هذه النماذج لم تطلب الإذن قبل أن تقوم بجمع الأعمال الحياتية لعدد لا يحصى من الأشخاص. وبدون هذا العمل، ستواجه هذه النماذج صعوبة في تقليد قصة رومانسية، على سبيل المثال، عند الاستفسار عنها أو تصوير الأعمال الدرامية السياسية.
ومضت واشنطن بوست تقول : إن كتاب هوليوود الذين أضربوا عن العمل هذا الصيف شعروا بالقلق من أن خدمات البث ستعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج أفلام كوميدية رومانسية ممتعة وقد فاز الكتّاب بتلك المفاوضات مما أوقف أزمتهم مؤقتا لكن المبدعين الأفراد لن يتمكنوا دائما من الفوز بتنازلات من أصحاب العمل الذين يخططون لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
وتجادل الشركات بأن قانون حقوق الطبع والنشر يقف إلى جانبها وترى أنه ليس بالضرورة انتهاكا لحقوق الطبع والنشر إذا فشل شخص ما في الحصول على إذن قبل استخدام أعمال الفنان لإنتاج شيء جديد ، هذا هو “الاستخدام العادل”: إذ يمكن أن يكون إعادة إنتاج العمل الإبداعي قانونيا، طالما أن إعادة الإنتاج تكون إبداعية أيضا. فالنقد والتعليق والمحاكاة الساخرة والبحث العلمي – على سبيل المثال – كان يُنظر إليه دائما بشكل إيجابي بموجب القانون. وبشكل عام أكثر، يعتمد الاستخدام العادل على ما إذا كانت الطريقة التي يتم بها تعديل المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر تحويلية، وما إذا كان التعديل “سيضيف شيئا جديدا”، على حد تعبير مكتب حقوق الطبع والنشر الأمريكي.
وكل هذا يعني أنه من المحتمل أن يكون من السهل على المبدعين تحدي أعمال معينة في مجال الذكاء الاصطناعي من تلك التي تعتبر نسخا واضحة لمحافظهم الاستثمارية ، أو كما يقول المحامون، “الأعمال المشتقة” لكن هؤلاء المبدعين سيواجهون صعوبة أكبر في رفع قضايا ضد الأنظمة التي تم تدريبها على عملهم ولكنها لا تقلده عن كثب.
وأشارت الصحيفة إلى أن مكتب حقوق الطبع والنشر يجري مراجعة لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي يمكن أن توضح الحقوق التي يتمتع بها المؤلفون، وتقوم الشركات بمفردها بوضع تدابير لحماية منشئي المحتوى، وربما يقوم صانعو النماذج أيضا بترخيص أعمال رفيعة المستوى على الأقل طوعا لتجنب احتمال رفع دعوى قضائية في المستقبل.
ووفقا لواضعي الدستور، فإن حقوق الملكية الفكرية موجودة من أجل “تعزيز تقدم العلوم والفنون المفيدة”. لقد قدمت أحدث المعجزات في مجال البرمجة والحوسبة أشكالا غير مرئية من الإبداع للبشرية. ولكن من خلال إنتاج أعمال أسرع وأرخص تكلفة، يمكنهم تقليل الطلب على الصور التي يرسمها الإنسان أو المقالات الافتتاحية في الصحف التي يصوغها الإنسان، وهو ما يمثل الوقود لمحرك الذكاء الاصطناعي ، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تراجع التقدم الفني.
واختتمت الصحيفة الأمريكية قائلة : إن إعادة التفكير على نطاق أوسع في حقوق الطبع والنشر -ربما بشكل مستوحى مما تفعله بعض شركات الذكاء الاصطناعي بالفعل- يمكن أن تضمن حصول المبدعين من البشر على بعض المكافآت عندما يستهلك الذكاء الاصطناعي أعمالهم ويعالجها، وينتج مواد جديدة تعتمد عليها بطريقة لا يتصورها القانون الحالي. لكن مثل هذا التحول لا ينبغي أن يكون عقابيا إلى الحد الذي يجعل صناعة الذكاء الاصطناعي ليس لديها مجال للنمو وبهذه الطريقة يمكن لهذه الأدوات بالتنسيق مع المبدعين من البشر أن تدفع تقدم العلوم والفنون المفيدة إلى ما هو أبعد مما كان يمكن أن يتخيله واضعو الدستور.