يجري رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة دينيس فرانسيس اتصالات تشاورية موسعة مع مندوبي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة لعقد اجتماع استثنائي خاص وطارئ حول الحرب في قطاع غزة وأوضاع الشرق الأوسط، وذلك على ضوء الممارسات الإسرائيلية الخارجة عن القانون التي تتم في القدس الشرقية المحتلة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال الناطق باسم مكتب رئيس الجمعية العامة -في بيان- إن حماية المدنيين الفلسطينيين منصوص عليها ضمن بنود اجتماع الجمعية الاستثنائي العاشر الذي عقد في يونيو 2018 باعتباره بندا رئيسيا يستوجب تدخل الجمعية بعقد اجتماع استثنائي خاص حال فشل مجلس الأمن في التوصل لقرارات.
وأضاف أنه من صلاحيات رئيس الجمعية العامة الاضطلاع بهذا الأمر وترتيب الدعوة لعقد اجتماع استثنائي طارئ في حالة طلب أي من الدول الأعضاء بالأمم المتحدة ذلك، وهو ما تم البدء فيه بالفعل منذ 20 أكتوبر الجاري، حيث تلقى المكتب طلبين أحدهما تقدم به وفد نيكاراجوا الدائم فى الأمم المتحدة مشتركًا مع وفد الاتحاد الروسي ووفد الجمهورية العربية السورية.
وتابع أن الطلب الثاني تقدم به وفد المملكة الأردنية الهاشمية الدائم مشتركًا مع وفد الجمهورية الموريتانية، حيث تترأس الأردن المجموعة العربية في منظمة التعاون الإسلامي، وتترأس موريتانيا المجموعة العربية في الأمم المتحدة في دورة انعقاد الجمعية العامة الحالية.
وأشار إلى أن الاتصالات بهذا الشأن جارية على ضوء تطورات الوضع الصعب لقطاع غزة، وسيتم الإعلان عن أي جديد بهذا الشأن متى تم الاتفاق عليه، منوهًا بأنه وفقًا للائحة الجمعية العامة يتعين أن يتم عقد هذا الاجتماع الاستثنائي قبل نهاية الشهر الجاري، حيث تنص على ضرورة ألا يتعدى تاريخ الانعقاد 10 أيام من تلقي مكتب رئيس الجمعية العامة طلبًا بذلك.
ويأتي ذلك فى وقت تفاوض فيه الولايات المتحدة أعضاء مجلس الأمن الدولي على مسودة قرار تقدمت به واشنطن للمجلس حول التصعيد العسكري الأخير بإسرائيل وغزة، وهو القرار الذي، وفقًا لمصادر أممية، قد لا يمرر اذا استخدمت روسيا والصين حق الفيتو عليه؛ ردًا على فيتو أمريكي سابق على قرار مماثل تقدمت به روسيا والبرازيل الأسبوع الماضي.
ففي الأسبوع الماضي فشل مجلس الأمن في إصدار قرارين حول الصراع في غزة، الأول في 16 أكتوبر تقدمت به روسيا لإدانة العنف ضد المدنيين و التصعيد العنيف في غزة وفشل التصويت عليه لعدم حصوله على حصة الأصوات المطلوبة، والثاني تقدمت البرازيل بمشروع قرار جديد حول ذات الموضوع في 18 أكتوبر الجاري والذي أجهضه الفيتو الأمريكي.
وفي حالة إجهاض مسودة القرار الأمريكي المرتقب سيكون الطريق مفتوحًا أمام عقد اجتماع استثنائي للجمعية العامة تحت بند “الاتحاد من أجل السلام” وهو المسمى الذي صكه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة (رقم 377 أيه ) الصادر في 3 نوفمبر 1950 والذي كان ثمرة لجهد أول أمين عام للأمم المتحدة، النرويجي تريجف هالفدان لي في عام 1950 خلال الحرب الكورية.
وينص “الاتحاد من أجل السلام” على أنه في أية حالة يخفق فيها مجلس الأمن بسبب عدم توفر الإجماع بين أعضائه الخمسة دائمي العضوية في التصرف كما هو مطلوب للحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة وقد تصدر أية توصيات تراها ضرورية من أجل استعادة الأمن والسلم الدوليين.
وكانت المرة الأولى، التي استخدم فيها القرار بعد صدوره عقب الحرب الكورية، في حالة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث أطلقت الجمعية العامة دعوة لانسحاب جميع القوات الأجنبية (فرنسا وبريطانيا وإسرائيل)، وأنشأت قوة الطوارئ الأولى التابعة للأمم المتحدة – وهي أول قوة لحفظ السلام في الشرق الأوسط – لضمان إنهاء العدوان الثلاثي.
ووفق صيغة ” الاتحاد من أجل السلام” فإنه إذا عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار في وقت انعقاد جلسة الجمعية العامة، يمكن عقد جلسة طارئة وفق آلية الجلسة الخاصة الطارئة، كما ينص قرار الجمعية العامة رقم 262 الصادر في 26 أبريل 2022 على حق رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة الدعوة لانعقاد جلسة للجمعية العامة فيما لا يتعدى 10 أيام من استخدام أي من الدول الخمس دائمة العضوية لحق الفيتو لإجهاضه .
وكان مجلس الأمن الدولي قد عقد، أمس، جلسة نقاشية مفتوحة حول الوضع بالشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وترأس الجلسة وزيرة الخارجية البرازيلية مارو فيريا وبجانبها تور وينزلاند المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط..كما طرحت مصر أمام مجلس الأمن رؤيتها لجوهر الصراع الدائر حاليًا في غزة وطالبت بفتح مسارات الغوث الإنساني فتحًا مستدامًا وتجنيب المدنيين ويلات القتال بإعلان وقف فوري لإطلاق النار.
وكان آخر اجتماع دوري لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط قد عقد، في 27 سبتمبر الماضي، حيث قدم فيه تور وينزلاند منسق عملية السلام في الشرق الأوسط تقريرًا شفهيًا حول مجريات تنفيذ القرار الأممي رقم 2334 الصادر في 23 ديسمبر عام 2016 والذي أعاد تأكيد مسئولية إسرائيل “كقوة احتلال” للقيام بواجباتها المنصوص عليها بالقانون الدولي “الفصل الرابع من اتفاقية جينيف لحماية المدنيين أثناء الحرب” الصادرة في 12 أغسطس 1949 .
كما أعاد القرار (2334) التذكير بما قضت به المحكمة الجنائية الدولية في 9 يوليو 2004 بإدانة كافة أشكال التغيير العمدي للتركيب السكاني أو هوية المناطق الفلسطينية التي احتلت في عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية، وإدانة ما تقوم به إسرائيل من مصادرة الأراضي وهدم المساكن وتشريد المدنيين الفلسطينيين بالمخالفة للقانون الإنساني الدولي.
واعتبر القرار (2334) ما تقوم به إسرائيل من شأنه تقويض لحل الدولتين، وعليه طالب القرار إسرائيل بالتوقف الفوري عن النشاط الاستيطانس في المناطق الفلسطينية المحتلة بما في ذلك شرقي القدس، كما قضى بعدم الاعتراف بأي تغيير لخط حدود 4 يونيو 1967 بما في ذلك القدس إلا بموافقة أطراف الصراع من خلال التفاوض.
كما نص القرار على وقف كافة أشكال العنف الموجه للمدنيين وأعمال الإرهاب بما في ذلك هدم المباني السكنية وتشريد أصحابها، مع ضرورة محاسبة من يقوم بذلك، وتهيئة السبل لمكافحة الإرهاب من خلال عملية التنسيق والتعاون الأمني مع العمل على تعزيز إجراءات إعادة بناء الثقة ووقف التصعيد الاستفزازي على الأرض، والبدء في مفاوضات تحت مظلة احترام القانون الدولي.
ومن هنا تكتسب تحركات رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة أهميتها لتحريك ملف القضية الفلسطينية في وقت بدا فيه مجلس الأمن عاجزًا عن إصدار قرار يحمي المدنيين في غزة في ظل عدم توافق أعضائه الدائمين.
وكانت الدول الأعضاء بالجمعية العامة قد انتخبت السفير دينيس فرانسيس من دولة ترينيداد وتوباجو ليكون رئيسًا للدورة الـ78 للجمعية التي افتتحت أعمالها في سبتمبر الماضي، وجاء انتخابه بالتزكية من الجمعية العامة التي تضم في عضويتها 193 دولة.
ويتم انتخاب رئيس الجمعية العامة بالتناوب من بين المجموعات الإقليمية الخمس في الأمم المتحدة وهي، مجموعة الدول الإفريقية، دول آسيا والمحيط الهادئ، دول أوروبا الشرقية، دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، ودول أوروبا الغربية ودول أخرى.
وقد اتفقت دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي على ترشيح السفير دينيس فرانسيس ليكون مرشحها الوحيد لرئاسة الدورة الجديدة للجمعية العام؛ نظرًا لما يتمتع به من خبرة تمتد لـ40 عامًا في الخدمة الدبلوماسية في ترينيداد وتوباجو، شغل خلالها منصب سفير لمدة 18 عاما إلى أن وصل سن التقاعد عام 2016.
المصدر : أ ش أ