في سادس يوم من الحراك الاجتماعي الذى تشهده فرنسا على خلفية تدهور الأوضاع الاقتصادية، مع استفحال الغلاء وانهيار القدرة الشرائية للشرائح الأكثر هشاشة، وبلوغ التضخم مستويات غير مسبوقة منذ أكثر من ثلاثة عقود تأتي الدعوات للإضراب العام اليوم بجيمع القطاعات لتمثل نقطة تحول في معركة “لي الذراع” بين الحكومة الفرنسية والنقابات بشأن مشروع قانون إصلاح التقاعد الذي يناقش حالياً في مجلس الشيوخ قبل أن يعود مجدداً إلى مجلس النواب. .
وتدل كل المؤشرات المتوافرة على أن الفرنسيين سيعيشون «يوم ثلاثاء أسود» بسبب اتساع الدعوات للإضراب الذي سيطال قطاعات أساسية، على رأسها النقل متعدد الأشكال.
الجديد اليوم أن الدعوات تتكاثر لإضرابات مفتوحة وسط مخاوف من الأجهزة الأمنية من أن تبلغ التعبئة مستويات مرتفعة تتداخل مع مظاهرات وتجمعات مرتقبة تعد بالآلاف .
وفق ما جاء في مذكرة صادرة عن المخابرات الداخلية، فإن ما بين 1.1 و1.4 مليون متظاهر سينزلون اليوم إلى الشوارع، وستشهد العاصمة باريس المظاهرة الرئيسية حيث يتوقع أن تصل أعداد المتظاهرين إلى مائة ألف شخص.
وتسعى النقابات الثماني الرئيسية لدفع الحكومة إلى سحب مشروع القانون الذي تمت مناقشته لأسبوعين في المجلس النيابي. وطيلة 14 يوماً، شهد حالة من الشد والجذب بسبب المعارضة الجذرية التي أبدتها أحزاب المعارضة اليسارية (الاشتراكيون والشيوعيون ونواب حزب فرنسا المتمردة)، إضافة إلى «الخضر» إلى درجة أنه لم يتم التصويت على مشروع القانون فيما يسمى «القراءة الأولى» قبل أن ينتقل إلى مجلس الشيوخ، حيث تهيمن الأحزاب اليمينية التي نجحت في الحصول على بعض التعديلات الطفيفة، وأحياناً ضد إرادة الحكومة.
ولا تزال نقطة الخلاف الرئيسية تراوح مكانها، وتتمثل في رغبة الرئيس إيمانويل ماكرون، والحكومة، رفع سن التقاعد المعمول به حالياً، من 62 عاماً إلى 64، ووضع حد لما يدعى «أنظمة التقاعد الخاصة».وتشمل هذه الأنظمة الوظيفة العمومية والجيش والقوى الأمنية وقطاع النقل وموظفي المصرف المركزي وعمال المناجم وأصحاب المهن الصعبة وقطاع الطاقة والنواب… وهؤلاء يتمتعون بميزات لا يتمتع به الخاضعون لنظام التقاعد العام.
ورغم أن مشروع القانون يعد ترجمة لبند رئيسي في برنامج ماكرون الانتخابي الذي طرحه أثناء المعركة الرئاسية في الربيع الماضي ، إلا أنه لا يشارك في النقاش الجاري على المستوى الوطني.
وفي المقابل عادت رئيسة الحكومة وعدد من الوزراء لمطالبة النقابيين بـ«التحلي بالمسؤولية».
وبقراءة المشهد الراهن وتحليله سيظل مشروع قانون إصلاح التقاعد مرهونا بقوة التعبئة في الشارع والتى قد تجبر السلطة التنفيذية على التراجع .. أو يبقى الحال على ما هو عليه لتعيش فرنسا على صفيح من الاضطرابات والإضرابات وشلل يصيب قطاعات الدولة ونزيف من الخسائر الاقتصادية .