لمدة عام، ظلت جمهورية الصين الشعبية، محايدة رسميًا فى الحرب الروسية – الأوكرانية، لكن مع الذكرى السنوية لهذه الحرب، بدا أن هذا الموقف على وشك التغيير على الأقل فى المظهر، حيث قدمت مبادرة سلام، أطلق عليها خطة السلام الصينية، حيث اقترحت الصين رسمياً خطة للتسوية السلمية للنزاع المسلح فى أوكرانيا، لكن جاءت فرص نجاحها ضئيلة، خصوصاً بعدما تسببت هذه الخطوة التى اتخذتها بكين بالفعل فى إثارة غضب ملحوظ فى الغرب، حيث لا تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى مشاركة من الصين لحل المشكلة الأوكرانية، خصوصاً وأن الصين لا تتحدث أبدًا عن الحرب الروسية، بل تتحدث عن أزمة أو صراع أو المسألة الأوكرانية.
لم تكن الصين، من وجهة النظر الغربية، قادرة على إدانة الحرب، ولم تكن قادرة كذلك على القول إن هذه حرب غير شرعية، وذلك على حد تعبير الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج، ما يجعل هناك أسبابا كافية للشك فى جدية بكين. لكن هل يمكن لخطة سلام صينية، أن تنجح فى ظل هذه الظروف، حيث إن هناك مؤشرات، على أن الصين مهتمة بوقف إطلاق النار؟ سؤال طرحته مطبوعة واتسون الصادرة باللغتين الفرنسية والألمانية، فى معرض تحليلها للموقف الراهن مؤكداً أن الواقع يقول إن المقاومة الأوكرانية، دفعت بكين إلى تغيير رأيها وإظهار استعدادها لوقف إطلاق النار، لتجنب المزيد من الانتكاسات الروسية، أو حتى هزيمة فادحة، واستند التحليل إلى ما كتبه مراسل صحيفة وول ستريت جورنال فى الصين، نقلاً عن أشخاص مقربين من مركز السلطة فى بكين
من هنا أصبح وقف إطلاق النار، هو الحل الأكثر وضوحا لكى تستميل الصين قلب أوروبا، بعد أن عادت علاقتها مع الولايات المتحدة إلى التجمد مرة أخرى، بسبب قضية منطاد التجسس. وعليه فإن بكين ترغب على الأقل فى تأمين علاقاتها مع أوروبا، بينما تأمل فى منع إنشاء كتلة أمريكية – أوروبية
يضاف إلى ذلك حقيقة أن أوروبا، متأثرة بشكل مباشر بالحرب فى أوكرانيا أكثر من تأثر الولايات المتحدة، حيث ازداد ضجر الحرب ودعوات التفاوض، خصوصاً فى ألمانيا، وهى الشريك الاقتصادى الرئيسى للصين فى أوروبا، وبالتالى يمكن لخطة السلام الصينية أن تجد أرضًا خصبة، حيث إن من مصلحة أوكرانيا أيضا، أن تتدخل الصين لإيجاد اتفاق سلام
وبعيدا عن بوتين، فإن السؤال المثير للاهتمام هو: ماذا سيحدث إذا رفض الغرب وأوكرانيا، قبول خطة السلام الصينية؟
للوهلة الأولى، لن يحدث شيء، فالخطة تبدو إلى حد ما بسيطة ولا تحتوى على مطالب صارمة من الغرب، ولا تحتوى كذلك على تهديدات
هل سيستمر الاستقبال البارد من قبل بعض شركاء كييف لخطة السلام الخاصة بالتسوية السياسية للأزمة الأوكرانية ، التى تدعو إلى احترام سيادة جميع الدول ، وتنتقد توسيع أو تعزيز الكتل العسكرية وتدعو إلى إنهاء العقوبات الأحادية ، وعدم استهداف السكان المدنيين أو البنية التحتية، وعدم اللجوء إلى الأسلحة النووية؟ أم أن شركاء كييف الغربيين بقيادة الولايات المتحدة، سيظلون على موقفهم الانتقادى الرافض، باعتبار أن دعم العملاق الصينى مخيف، لأنه جديد وغير متوقع أيضًا، على حد تعبير مطبوعة فرانس انفو الفرنسية، التى رأت أن الغرب يتعامل مع الاقتراح الصينى بأنه تحدٍ للنظام العالمي، الذى ساد منذ نهاية الحرب الباردة. فالصين لا تريد أن تلعب دور الوسيط فى الحرب فى أوكرانيا، بل تريد الظهور كقوة مسئولة. إنها لا تدعم روسيا علانية، وهدفها هو الظهور بمظهر المسئولية وتمييز نفسها عن الولايات المتحدة على حد تعبير أنطوان بونداز الباحث فى مؤسسة البحوث الإستراتيجية، ومؤلف كتاب بعنوان بكين والنزاع الأوكراني: الانتهازية البراجماتية
موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الروسية – الأوكرانية من وجهة نظره، ما هو إلا انتقاد للولايات المتحدة، حيث تصور الصين واشنطن على أنها مسئولة عن استمرار الصراع، وتصور نفسها على أنها قوة مسئولة تدعو إلى السلام. فذكر السيادة ليس انتقادًا صريحًا لحرب روسيا، لكنه وسيلة للصين لرفض كل المخاوف الغربية بشأن تايوان، التى تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها وانتقاد عقلية الحرب الباردة هو إشارة مباشرة إلى الولايات المتحدة، وهو عنصر من عناصر اللغة الصينية، فى أن واشنطن تزيد من أمنها على حساب الآخرين. والقول بأنه لا ينبغى تأجيج نيران الصراع هو أيضا انتقاد للولايات المتحدة والغربيين فى عمليات تسليم الأسلحة لأوكرانيا باعتبارهم مسئولين عن استمرار الصراع.
والقول بعدم تسييس المساعدات الإنسانية، هو نقد للولايات المتحدة لنقص المساعدات الإنسانية لسوريا بعد الزلزال وذكر الأسلحة البيولوجية هو أيضًا إشارة مباشرة إلى الولايات المتحدة، باعتبار أن الأمريكيين من وجهة نظر الصين لديهم برامج سرية فى أوكرانيا.
إذن فالوثيقة من وجهة نظر بعض المحللين الغربيين، هى وثيقة فارغة لأنها مليئة بالتناقضات لأنها تدعى دعم سيادة أوكرانيا بينما لم تنتقد بكين أبدًا ضم الأراضى الأوكرانية من قبل روسيا.
لكن هل الصين مستعدة للمضى قدمًا فى دعم الملف الأوكراني؟.. الواقع يقول إن أوكرانيا بلد صديق لبكين، فهناك علاقات تجارية مهمة بين البلدين، ولذلك فهى تسعى إلى ما هو أكثر قليلاً، لتتبع مسار عودة الشركات الحكومية الصينية، بعد الصراع، إلى الأراضى الأوكرانية لتحقيق الأرباح وتعزيز النفوذ الصينى من خلال الوسائل التجارية والاقتصادية
الوثيقة الصينية لتسوية الأزمة :
البند الأول ينص على ضرورة احترام سيادة جميع الدول، وأن جميع الدول متساوية، بغض النظر عن حجمها أو قوتها أو ثروتها، وأنه يجب تطبيق القانون الدولى بشكل موحد والتخلى عن المعايير المزدوجة
البند الثانى يطالب بنبذ عقلية الحرب الباردة، مشيرا إلى أنه لا يمكن ضمان أمن دولة ما على حساب أمن الدول الأخرى، ولا يمكن ضمان الأمن الإقليمى من خلال تعزيز الكتل العسكرية وتوسيعها، وأنه من الضرورى احترام المصالح المشروعة، والهواجس الأمنية لجميع البلدان ومعالجتها بشكل مناسب
. البند الثالث يدعو إلى وقف القتال والصراع، وأوضحت بكين فى هذا البند أنه لا رابح فى الصراعات والحروب، وأنه يجب على جميع الأطراف التحلى بالعقلانية وضبط النفس، وعدم صب الزيت على النار، وعدم السماح بمزيد من التصعيد وخروج الأزمة الأوكرانية عن السيطرة، مؤكدة الحاجة إلى استئناف الحوار المباشر بين موسكو وكييف، فى أسرع وقت
البند الرابع يدعو إلى إطلاق مفاوضات السلام، مشددة على أن الحوار والمفاوضات هما السبيل الحقيقى الوحيدة للخروج من الأزمة الأوكرانية، وضرورة تشجيع كل الجهود الرامية إلى إيجاد حل سلمى، وتهيئة الظروف وتوفير منصة لاستئناف المفاوضات، بين روسيا وأوكرانيا
البند الخامس يطالب بحل الأزمة الإنسانية، داعيا إلى دعم كل الإجراءات التى من شأنها تخفيف آثار الأزمة الإنسانية، مع التزام العمليات الإنسانية بمبادئ الحياد والعدالة، وتفادى تسييس القضايا الإنسانية .
البند السادس ينص على حماية المدنيين والأسرى، مشيرا إلى الالتزام الصارم بالقانون الإنسانى الدولى، وعدم استهداف المدنيين والمواقع المدنية وحماية حقوق الأسرى، ومعربا عن دعم الصين لتبادل أسرى الحرب بين موسكو وكييف
البند السابع يؤكد على ضرورة الحفاظ على سلامة المحطات النووية، مشيرا إلى ضرورة مواجهة الهجمات المسلحة، على المنشآت النووية السلمية مثل محطات الطاقة النووية، وداعيا لدعم الدور البناء الذى تلعبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فى تعزيز أمن المنشآت النووية
البند الثامن يدعو إلى التقليل من المخاطر الإستراتيجية، حيث أكدت بكين عدم جواز استخدام الأسلحة النووية أو شن حرب نووية، داعية إلى مكافحة استخدام الأسلحة النووية، أو التهديد باستخدامها وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وضرورة منع الانتشار النووى
البند التاسع يطالب بضمان تصدير الحبوب، داعيا جميع الأطراف إلى الامتثال لاتفاقية نقل الحبوب عبر البحر الأسود، لافتا النظر إلى مبادرة التعاون الدولى فى مجال الأمن الغذائى التى اقترحتها الصين، والتى يمكن أن توفر حلا حقيقيا لمشكلة أزمة الغذاء العالمية
البند العاشر يدعو إلى التخلى عن فرض العقوبات أحادية الجانب، مؤكدا أن الصين لا توافق على إساءة استخدام العقوبات الأحادية فى سياق النزاع الأوكرانى، لأنها لا تساعد فى حل الأزمة وتؤدى إلى مشاكل جديدة
البند الحادى عشر، يدعو إلى ضمان استقرار سلاسل الصناعة والإمداد، وعدم تسييس النظام الاقتصادى العالمى، واستخدامه كأداة وسلاح
البند الثانى عشر والأخير، يشدد على إعادة الإعمار بعد النزاع، مشيرًا إلى أن الصين مستعدة للمساعدة والقيام بدور بناء فى إعادة الإعمار، فى منطقة الصراع فى مرحلة ما بعد النزاع .
المصدر : وكالات