تسببت العملية العسكرية التي شنتها روسيا على أوكرانيا، في مثل هذا اليوم من العام الماضي 24 فبراير، في هزة عنيفة وخسائر كبيرة للاقتصاد العالمي تفاوتت بشأنها التقديرات الدولية، بخلاف أزمة إنسانية واسعة النطاق.
الحرب التي دخلت عامها الثاني عصفت بسلاسل الإمداد وعمقت أزمة الحبوب حول العالم، نظرا لأن روسيا وأوكرانيا من أكبر المصدرين في العالم.
دراسة ألمانية حديثة أعلنت أن خسائر الاقتصاد العالمي جراء الحرب قدرت بنحو 1.3 تريليون دولار في عام 2022.. وفي الوقت نفسه، حذر صندوق النقد الدولي من تداعيات الحرب، وقال هي “أهم عامل” في تباطؤ الاقتصاد العالمي واضطرابه، كما أكد أن الاضطرابات التي سببتها حرب أوكرانيا لتدفقات الحبوب والأسمدة، أدت إلى أسوأ أزمة للأمن الغذائي منذ تلك التي أعقبت الانهيار المالي العالمي في عامي 2007 و2008 على الأقل، إذ يواجه نحو 345 مليون شخص الآن نقصا في الغذاء يهدد حياتهم.
وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا – في تصريح سابق – “أوقفوا الحرب.. هل هناك طريقة أكثر وضوحا لإعادة الاقتصاد إلى مساره الصحيح”.
وتداعيات الحرب المستمرة، لم تقتصر على طرفي النزاع، إنما طالت كافة دول العالم، فمن لم تتأثر من الدول بارتفاع أسعار الحبوب والأسمدة، عانت من هروب الاستثمارات بفعل ارتفاع الفائدة.
وعقب تحركات الجيش الروسي في 24 فبراير من السنة الماضية، قفزت أسعار النفط، وبعد أن كان برميل خام برنت يتم تداوله في نطاق 95 دولارًا سجّل 130 دولارًا على وقع مخاوف الإمدادات، بالنظر إلى كون روسيا ثاني أكبر منتج للنفط في العالم قبل أن يتراجع لاحقا عن هذا المستوى.
ارتفع الخام الأمريكي إلى 123.70 دولار للبرميل بعد أن كان يتم تداوله في نطاق 92 دولارًا، وفي المجمل ارتفع الخامان القياسيان بأكثر من 40% خلال النصف الأول من العام الماضي، إلا أنهما فقدا أغلب مكاسبهما مع مخاوف إغلاقات الصين الساعية، آنذاك، إلى كبح انتشار فيروس كورونا، فضلًا عن السحب من المخزون الأمريكي لكبح الأسعار.
وتخطى سعر الذهب 2043 دولارا للأوقية بعد أن كان قد بدأ تداولات السنة فوق 1790 دولارًا بقليل، على اعتبار أنه ملاذ آمن وسط المخاوف الجيوسياسية التي تحققت بالفعل، إلا أن أسعار الذهب تراجعت لاحقًا تحت ضغط رفع الفائدة في كبرى البنوك المركزية في العالم، فالمعدن الأصفر مخزن للقيمة ولا يدر دخلًا، وهو ما تفعله السنوات المعتمدة على الفائدة.
أما أسعار القمح فقد سجلت 354.46 يورو للطن في يوم احتدام الأزمة، لكنها قفزت إلى 458.5 يورو للطن في 7 مارس 2022، وتراجعت قليلًا مع الحفاظ على مستويات مرتفعة إلى أن بلغت ذروتها في 17 مايو عند 462.46 يورو للطن، وفق بيانات “بزنس إنسايدر”.
وتتميز أراضي روسيا وأوكرانيا بأنها سهلية خصبة مع أمطار موسمية ما يسهل زراعة الحبوب، ومع بداية الحرب توقف تصدير القمح الأوكراني عبر البحر الأسود.
وفي يوليو الماضي.. توصلت روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق، برعاية أممية ووساطة تركية، يهدف إلى تخفيف نقص الغذاء العالمي، وقد وفر الاتفاق، ممرا بحريا يحظى بالحماية والسماح باستئناف الصادرات من ثلاثة موانئ في أوكرانيا.
مع ارتفاع أسعار السلع صعدت مؤشرات أسعار المستهلكين في كافة اقتصادات العالم، بما في ذلك الاقتصادات المتقدمة، فقد زاد التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى في نحو 40 سنة منتصف العام الماضي، ما حدا ببنك الاحتياطي الفيدرالي إلى بدء دورة تشديد نقدي برفع الفائدة في اجتماعاته بدءًا من 16 مارس حتى أول فبراير الجاري من مستوى 0% – 0.25% إلى 5.5% – 5.75% في آخر اجتماعاته.
رفع كذلك البنك المركزي الأوروبي نسب الفائدة 5 نقاط لأول مرة منذ 11 عاما، في يوليو الماضي، على عمليات إعادة التمويل الرئيسية وأسعار الفائدة على تسهيل الإقراض الهامشي وتسهيلات الودائع إلى 0.50% و0.75% و0.00% على التوالي، ليزيدها عدة مرات وصولا إلى 2.5% على الإيداع و3% على عمليات إعادة التمويل الرئيسية، و3.25% على الإقراض، بدءًا من 8 فبراير الجاري.
دفعت هذه الزيادات في معدلات الفائدة أغلب البنوك المركزية حول العالم إلى زيادة النسب، لكن عدد من الدول النامية والاقتصادات الناشئة لم تستطع مجاراة هذه الزيادات ففقدت استثمارات غير مباشرة في أدوات الدين بمليارات الدولارات.
وخلال سنة من الحرب تردد صدى كلمة “العقوبات” في المحافل الدولية، إذ راحت الولايات المتحدة وأوروبا وحلفاؤهما يضغطون على روسيا بالمزيد منها خاصة تلك التي تمس الاقتصاد بهدف وقف تمويل العمليات العسكرية، وكان آخر هذه العقوبات وأشدها وطأة اتفاق اقتصادات مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا على حظر استخدام التأمين البحري والتمويل والوساطة من جهات غربية للنفط الروسي المنقول بحرا بسعر يزيد عن 60 دولارا للبرميل اعتبارا من 5 ديسمبر الماضي.
كما فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على مشتريات المنتجات النفطية الروسية وحدد سقفا للأسعار اعتبارا من 5 فبراير الجاري، ما دفع نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى القول إن بلده تعتزم خفض إنتاجها النفطي بمقدار 500 ألف برميل يوميا في مارس، فيما يشبه لعبة “عض الأصابع”.
تأثر اقتصادا روسيا وأوكرانيا بالحرب، فقد أعلن وزير المالية الروسي أنتون سيلوانوف، أن عجز الميزانية الروسية في نهاية 2022 وصل إلى 3.3 تريليون روبل، أو 2.3% من حجم الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
وأشار إلى أن إيرادات الميزانية الروسية بلغت العام الماضي قرابة 28 تريليون روبل، كما لفت إلى أن الإيرادات في 2022 تجاوزت التوقعات 2.8 تريليون روبل ووصلت إلى 28 تريليون روبل.
وذكرت وزارة المالية والبنك المركزي الروسي، منتصف الشهر الماضي، أنهما عادا إلى التدخل في أسواق الصرف الأجنبي للمرة الأولى خلال عام عبر بيع 54.5 مليار روبل (793 مليون دولار) من صندوق الرعاية الوطنية في 13 يناير، ومن المقرر أن تستمر عمليات البيع لمدة 3 أسابيع.
وتستخدم روسيا صندوقها للتحوط، الذي بلغت قيمته 186.5 مليار دولار في الأول من ديسمبر، لتمويل عجز ميزانيتها، وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد في مواجهة عقوبات غربية متزايدة الصرامة على مبيعات الطاقة الروسية.
وتتوقع وزارة التنمية الاقتصادية الروسية انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8% في عام 2023.
أما أوكرانيا فقد تراجعت صادراتها من الحبوب بنسبة 29.6% في موسم (2022-2023)، إذ أظهرت بيانات وزارة الزراعة أن البلاد صدرت نحو 23.6 مليون طن من الحبوب انخفاضا من 33.5 مليون طن صدرتها بحلول الفترة نفسها من الموسم السابق.
وذكرت الحكومة أن أوكرانيا ربما تحصد نحو 51 مليون طن من الحبوب هذا العام، هبوطا من رقم قياسي عند 86 مليون طن في 2021، وذلك بسبب سيطرة القوات الروسية على أراض وضعف المحاصيل.
وخلال الشهر الماضي، قالت نائبة وزير الخارجية الأوكراني أمينة جباروفا، إن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمدنية الأوكرانية تجاوزت قيمتها 127 مليار دولار.
وأعلن رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، في وقت سابق، أن كلفة إعادة إعمار أوكرانيا تتجاوز 350 مليار دولار على الأرجح.
المصدر : وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )