فيما تتواصل الآثار الكارثية الناجمة عن ظاهرة تغير المناخ العالمية والاحتباس الحراري، قرعت دراسة علمية حديثة جرس الخطر، من أن ثلثي الأنهار الجليدية بالعالم في طريقها إلى الزوال بحلول نهاية القرن الحالي.
الدراسة التي نشرت قبل أيام في مجلة “ساينس” تضمنت تحليلا لجميع الأنهار الجليدية حول العالم، والتي يبلغ عددها 215 ألف نهر جليدي.
الأنهار تذوب بوتيرة أسرع مما كان يعتقد العلماء، لكن مدى سرعة ذوبانها يعتمد على مقدار ارتفاع درجة حرارة الكوكب.
لم يعد بالإمكان التحرك لإنقاذ العديد من الأنهار الجليدية الصغيرة، لأن الأوان قد فات بالفعل.
تتوقع الدراسة أن يتسبب الاحتباس الحراري العالمي بذوبان ما بين 38 و64 تريليون طن متري من الجليد من الآن وحتى نهاية القرن، ما يعني إضافة 3.5 إلى 6.5 بوصة إلى مستويات سطح البحر .
ويقول الخبير المناخي والبيئي أيمن قدوري عام 2022 سجل تطرفات مناخية قياسية، كالارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة صيفا، والتي تركزت آثارها في كل من القارة الأوروبية والأميركيتين بشكل ملحوظ، وهذا ما قاد لكوارث بيئية كثيرة كانتشار حرائق الغابات على مساحات كبيرة في دول مثل اسبانيا، البرتغال، فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والبرازيل.
يصنف 2022 ثاني أكثر الأعوام سخونة في القارة الأوروبية منذ بدء التسجيل عام 1864، ما يفسر الشتاء الدافئ نسبيا فيها الآن، حيث الارتفاع الحاصل في معدل درجات الحرارة والذي وصل إلى 1.3 درجة مئوية، والذي سبب بشكل رئيسي الانخفاض في سمك العمود الجليدي في القارة، ولتتناقص المساحات البيضاء في سويسرا تحديدا، والتي تحتوي على أكثر من 1500 نهر وموقع جليدي معظمها ضمن نطاق جبال الألب السويسرية، والتي فقدت الأنهار الجليدية فيها أكثر من 6 بالمئة من حجمها خلال عام واحد فقط.
التهديد الأكبر والذي ترتفع مخاطره مصدره القارة القطبية الجنوبية، حيث تتواجد أكبر مساحة يابسة متجمدة على سطح الأرض، حيث كان 2022 عام التسارع في ذوبان جوانب أكبر الأنهار الجليدية على سطح الكوكب نهر ثيوتس، والذي وضحت صور الأقمار الصناعية لوكالة ناسا، انهيار 4.2 كيلو متر من قاعدة النهر خلال العقد الماضي فقط .
يذكر أن ذوبان نهر ثيوتس كفيل برفع مستوى سطح البحر إلى 4.8 متر، الأمر الذي يهدد العالم بإغراق الكثير من عواصمه، والخطر هنا لا يقتصر على المدن الساحلية فقط .
بالدرجة الأولى يقف خلف ذلك الارتفاع بمعدلات الحرارة بفعل تزايد انبعاثات الغازات الدفيئة التي تعمل على حبس حرارة الكوكب داخله، والتي ترفع معدل ذوبان الجليد وتزيد تسارعه بطبيعة الحال، ولن تكون فترة الاستشفاء الشتوية كفيلة بإعادة التوازن للكتلة الجليدية، مقارنة بهذا التسارع في الذوبان خصوصا وأن 2022 كان من أكثر الأعوام شحة من حيث تساقط الثلوج.
زجدير بالذكر أن انهيار الكتل الجليدية يسبب خللا باستقرار النظام الجيولوجي، ينتج عنه تنشيط الفواصل والفوالق مسببا انهيارات أرضية وغمر الوديان والسهول بالكتل الصخرية، ما يعني تجريف الكثير من المدن والقرى في البلدان التي تعاني من فقدان كتلها الثلجية .
الفيضانات وتشكل بحيرات تعمل بدورها على استنزاف الخزين السطحي من المياه العذبة، وتكون سببا في تملحها، ثم تتعاظم الكوارث لتهدد الأمن المائي والغذائي والاقتصادي والاستقرار الاجتماعي، وربما تصل التبعات لحد إشعال النزاعات المسلحة بين البلدان المشتركة في مصادر مياهها العذبة.
ومن خلال المعطيات والدراسات المتطابقة ووفق مراقبة تسارع مراحل الاحتباس الحراري وعدم التوجه لمعالجة مسبباته، فإن الأنهار الجليدية بأوروبا تتجه نحو الاندثار، حيث أن ذوبانها بات حتميا وستختفي هذه الأنهار بنهاية القرن الحالي.
الأمر الذي ينسحب على الأنهار الجليدية في جبال آسيا ومنها أنهار هضبة التبت، الأكثر دفئا خلال الأعوام الخمس الأخيرة، لكن بوتيرة أخف مقارنة بأوروبا، حيث أن نحو ثلث الكتلة الحالية من الأنهار الجليدية بآسيا سيفقد بحلول نهاية القرن .
وتبقى الأنهار الجليدية في القطب الجنوبي “أنتاركتيكا” الأعلى سمكا هي التحدي الأكبر، والتي ما زالت الفرصة متاحة لترميمها، فإن كان ذوبان الأنهار الجليدية في أوروبا وآسيا يهدد الأمن العالمي مائيا وغذائيا، ويقود لصراع محموم على مصادر المياه، إلا أن انهيار أقل من ثلث أنهار أنتاركتيكا كفيل بإنهاء الحياة على وجه الأرض.
المصدر : وكالات