المواطن المثقف هو عنصر أمن وأمان للوطن، وعامل من عوامل ازدهاره ومكتسباته، والعلاقة بينهما طردية. عمومًا الثقافة هي القوة الناعمة التي ترفع راية الوطن في المحافل الدولية الثقافة العصريَّة تفرض علينا روافد ثقافيَّة من نوع آخر، وهو ما تغفله الحواضن الثقافيَّة العربيَّة، الثقافة السليمة تعتبر حائط الصد في وجه انحراف وعي المجتمع .
إن الشعوب الواعية ظلت وفية لدور الثقافة مستمسكة بمعانيها وأفاقها السامية ومتيقنة بها كعقيدة إنسانية تضفي للفكر والعقل حاضنَتَهُ التي لا يبدع في غيابه .
الثقافة بتمثلها الرمزي قد تراجعت في عالمنا، ولا يبدو أن الأمر قابل للتبسيط على هذا النحو، ولن تخطئ العين ذلك الكمَّ الهائل من الكتب المحليَّة والمترجمة التي تتمحور حول تطوير الذات، ومدى إقبال الشباب على كتب تُسهِّل طرق اكتساب المهارات، والتغلب على التحديات، يفهم ممن التبس علينا الأمر بأن تنمية المهارات البشريَّة هي تنمية الثقافة البشريَّة، غافلين عن أن الاكتفاء بقراءة هذه الكتب من أجل تطوير الذات ليس كافيًا للتغيير .
أحيانًا تتَّجه ثقافة تطوير الذات إلى ثورة مضادة للثقافة الجادة، لترتقي بالقارئ إلى مرحلة الإدمان على المسكِّنَات المؤقَّتة، والحلول السحريَّة للتغيير، وبعض العناوين وهميَّة تزيِّف الوعي والمعنى، ولا ننسى أن الواقع العربي المحبط جعلنا نقبل بنهم على الوصفات الجاهزة لتحقيق الأحلام بأقصر الطرق كما يتعهد رُعاتها .
على الأرجح، لسنا ضدَّ التنمية البشريَّة، ولكن الإدمان على قراءة هذه الكتب حصرًا، أو الاكتفاء بها مطلقًا، قد يضرُّ بصناعة الثقافة، ويجعل الإقبال ينحسر على الكُتب القيمة، ويجعل كذلك أعداد الكتب الجادة يتضاءل، وتأثيرها في نفوس الشباب يقلُّ. بقيت الثقافة معياراً لا غنى عنه لقياس الوعي العام، وشرطاً للاستجابة الشعبية، لقد حظيت به كتب التنمية من شهرة فائقة وصيت ذائع، ما عكس ثقافة الأقنعة لا القناعات الظاهر لا الباطن، ونؤكد أن الكتب الجادة أو العميقة مع كتب التحفيز ترفد القراء بأدوات تضبط عقولهم وتثري روحهم وترتقي بأفكارهم، فضلًا عن رفع قدراتهم على تصحيح مشكلات الذات وتعزيز المهارات، لاريب بأن مساوئ تلك الثقافة الأحادية أنها أفقدتنا القارئ الحصيف والجاد، حيث يفتقر شبابنا بالأساس إلى الثقافة الأصيلة، وأصبح هناك خلط واضح، لنصبح أمام أنصاف مثقفين، ونذيراً لأمية ثقافية، وجيلًا فارغًا من الداخل، وذلك خطر لو تعلمون عظيم!
فلا يخفى أن تطوُّر المجتمع وتقدُّمه يبدأ من قاعدة الإبداع والفكر والإنتاج الجاد، لكن الاستثمار في التنمية الذاتيَّة، ليست- كما يتصوَّر البعض- هي الثقافة بمجملها، أو في عمقها وزخمها المعرفي .
الحضارة الغربية الحديثة سلكت ثقافة التنمية البشرية والتطوير الذاتي بغية صناعة النجاح والشهرة والثراء المادي، وانصرفوا عن التربية والتزكية للنفس وترقي الروح بالقيم الروحية والمعرفية التي فيها غذاؤها واستقرارها، هناك تراث وثروة ثقافية قابعة بين ثنايا الكتب العظيمة بل مخزون معرفي ثري يهتم بقضايا تزكية النفس، ومحاولة الكشف عن علل النفس البشرية وتطهيرها وترقيتها الإنسانية، كان لهم تأثير كبير في التنمية الإنسانية والتربية .
بالمقارنة مع أحدى أخطر مخرجات كتب التنمية البشرية في نظري أنها تصنع أحلاماً مشوشة وآمالاً سطحية وطموحات جوفاء، تتعاطى مع تطوير الذات ” كغاية مادية نفعية، تشبع فيه النزعة الفردية الضيقة وحقوق مجردة، والنجاح الموعود يجعلهم يستمتعون بالمستقبل القادم، قبل أن يصبح واقعًا ملموسًا، وأن يحصلوا على رضىً وهمي وشبع نفسي، يمنعهم من التقدم بخطوات كافية لتحقيق هذا المستقبل، وتوطين العزم من أجل الإنجاز الإنساني المشرف أو رسالة نبيلة يؤجر ويثاب صاحبها كي يلبي فيه نداءات الشعور الإنساني أو تصورات الخير المتمايزة بل يتعلق برؤية متكاملة للعبور إلى المستقبل .
فالمواطن المثقف هو عنصر أمن وأمان للوطن، وعامل من عوامل ازدهاره ومكتسباته، والعلاقة بينهما طردية. عمومًا الثقافة هي القوة الناعمة التي ترفع راية الوطن في المحافل الدولية .
المصدر : وكالات