لم تحسم تركيا قرارها بعد بتنفيذ عملية عسكرية برية ضد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) استكمالاً لعملية «المخلب – السيف» التي بدأتها يوم 18 نوفمبر، بقصف مدفعي وغارات طيران، إثر عملية التفجير التي وقعت في مدينة إسطنبول وأدت إلى مقتل ستة أشخاص وجرح أكثر من 80 شخصاً، واتهمت حزب العمال الكردستاني الذي يحظى بدعم« قسد» بالضلوع فيها.
لم تهيّئ تركيا بعد الظروف السياسية المناسبة لتنفيذ الهجوم، ويبدو أنها قررت إعطاء فرصة للجهود السياسية مع كل من واشنطن التي تبدي معارضة شديدة للقرار التركي، وتحذر من تداعياته على صعيد العلاقات الثنائية، وأيضاً مع روسيا التي تسعى لتجنيب منطقة شمال سوريا المزيد من المعارك، في محاولة منها لتمهيد أرضية تطبيع العلاقات بين دمشق وكل من أنقرة والأكراد.
لا يبدو حتى الآن أن الجانب الروسي حقق اختراقاً مهمّاً على هذا الصعيد، فيما تصرّ واشنطن على موقفها الداعم ل«قسد» وإصرارها على تحقيق «الإدارة الذاتية» التي تدعمها الإدارة الأمريكية بكل قوة.
وبعد الزيارة الثانية التي قام بها قائد القوات الروسية في سوريا الجنرال الكسندر تشايكو إلى الحسكة خلال الأسبوعين الماضيين، واجتماعه مع قادة «قسد»، بدا واضحاً أن الجهود الروسية لم تحقق أهدافها في إقناع قادة القوات الكردية بانتشار الجيش السوري على طول الحدود مع تركيا، والانسحاب جنوباً إلى عمق 30 كيلومتراً بما يفي بغرض إبعاد الخطر الكردي، كما تطالب أنقرة.
كما لم يستطع قائد القوات الروسية إقناع قادة « قسد» بالتخلي عن «الإدارة الذاتية» المعلنة في مناطق سيطرة الأكراد بدعم أمريكي واضح، كمقدمة لاتفاق كردي مع الحكومة السورية التي ترى أن «الإدارة الذاتية» مرفوضة ما لم يتم التوصل إلى تسوية سياسية شاملة تحدد شكل الحكم في سوريا، أما السعي لفرض أمر واقع بدعم أمريكي فمعناه محاولة للانفصال.
كما أن الاتصالات الأمريكية التركية ما زالت تراوح مكانها، أمام إصرار واشنطن رفض العملية العسكرية التركية لأنها تعني في حال نجاحها إلغاء «الإدارة الذاتية» التي تشكل «ورقة رابحة» بيد الأمريكيين في مواجهة موسكو ودمشق وأنقرة أيضاً، والادّعاء بأن عملية «المخلب – السيف» سوف تقوض جهود محاربة «داعش».
ووفقاً لمعلومات موثوقة، فإن الجانب الأمريكي حاول تليين موقف أنقرة باقتراح إعادة هيكلة «قوات قسد» بإبعاد القيادات التي تجاهر بالعداء لتركيا، لكن الأخيرة رفضت هذا العرض، وطالبت الجانب الأمريكي بعدم الالتفاف على مطالبها.
ولأنّ تركيا تدرك تماماً خلفيات الدعم الأمريكي للمسلحين الأكراد، وتعرف أسباب الموقف الروسي، وتحاول عدم إغضاب الطرفين فإنها قررت عدم الاستعجال في تنفيذ عمليتها العسكرية البرية في الشمال السوري، وإعطاء فسحة للجهود السياسية، مع استمرار القصف الجوي والمدفعي.