قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن العالم يواجه حاليا نقطة تحول تاريخية إذ أسفرت الحرب الروسية في أوكرانيا عن ظهور قوى جديدة في العالم أو عادت بعض القوى إلى الظهور ومن بينها الصين القوية اقتصاديا والحازمة سياسيا.
وأشار شولتس، في سياق مقال رأي نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية اليوم الإثنين على موقعها الإلكتروني، إلى أنه في هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب تتنافس الدول والحكومات المختلفة على السلطة والنفوذ.
وأكد شولتس أنه في ظل ذلك تبذل ألمانيا كل ما في وسعها للدفاع عن نظام دولي قائم على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ولأن ألمانيا تعتمد في ديمقراطيتها وأمنها وازدهارها على القوة الملزمة للقواعد المشتركة لذلك فهي عازمة على أن تصبح الضامن للأمن الأوروبي وأن تدافع عن حلول متعددة الأطراف للمشاكل العالمية، مشيرا إلى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لألمانيا لتجاوز الخلافات الجيوسياسية الراهنة بنجاح.
وذكر المستشار الألماني أن تأثير الحرب الروسية يتجاوز أوكرانيا، إذ تسببت الحرب في تحطيم بنية السلام الأوروبية والدولية التي استغرق بناؤها عقودا، وهو ما يتطلب ثقافة استراتيجية جديدة إذ كانت القرارات المتعلقة بأمن أوروبا ومعدات القوات المسلحة تُتخذ على مدار العقود الثلاثة الماضية على خلفية أن أوروبا تنعم بالسلام، ولكن الآن ينبغي الاستعداد لهجمات محتملة على الأراضي الأوروبية والحرب الإلكترونية وحتى الفرصة البعيدة لهجوم نووي، وقال “هنا يتمثل الدور الحاسم لألمانيا في تصعيد دورها كواحدة من ضامني الأمن الرئيسيين في أوروبا من خلال الاستثمار في الجيش وتقوية صناعة الدفاع الأوروبية وتعزيز التواجد العسكري على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتدريب وتجهيز القوات المسلحة الأوكرانية”.
وأكد شولتس أن ألمانيا ستواصل جهودها لدعم أوكرانيا طالما كان ذلك ضروريا، موضحا أن أكثر ما تحتاجه أوكرانيا حاليا هو المدفعية وأنظمة الدفاع الجوي، وهذا بالضبط ما تقدمه ألمانيا، كما يشمل الدعم الألماني لأوكرانيا أيضا الأسلحة المضادة للدبابات وناقلات الجنود المدرعة والمدافع والصواريخ المضادة للطائرات وأنظمة الرادار، وستوفر بعثة الاتحاد الأوروبي الجديدة تدريبات لما يصل إلى 15 ألف جندي أوكراني من بينهم نحو 5 آلاف جندي سيتدربون في ألمانيا.
وذكر المستشار الألماني في مقاله أنه من بين الحسابات الخاطئة لبوتين هو رهانه على أن الحرب في أوكرانيا ستؤدي إلى توتر العلاقات بين خصومه، إلا أنه أشار إلى حدوث العكس إذ أصبح الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو أقوى من أي وقت مضى، وقال “يتجلى هذا الأمر في العقوبات الاقتصادية غير المسبوقة التي تواجهها روسيا، ومن الواضح منذ بداية الحرب أن هذه العقوبات يجب أن تكون سارية المفعول لفترة طويلة ولن يتم رفع عقوبة واحدة إذا حاولت روسيا إملاء شروط اتفاق السلام”.
وأضاف شولتس أن الحرب الروسية لم تؤد إلى توحيد الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ومجموعة الدول السبع فقط ولكنها حفزت التغييرات في السياسة الاقتصادية والطاقة وأعطت دفعة للانتقال الحيوي إلى الطاقة النظيفة الذي كان جاريا بالفعل، إذ سيؤدي الابتعاد عن مصادر الطاقة الأحفورية إلى زيادة الطلب على الكهرباء والهيدروجين الأخضر، وتستعد ألمانيا لهذه النتيجة من خلال تسريع التحول إلى الطاقات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، فبحلول عام 2030 سيتم توليد 80 بالمائة على الأقل من الكهرباء التي يستخدمها الألمان من مصادر الطاقة المتجددة، وبحلول عام 2045 ستحقق ألمانيا صافي صفر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وقال المستشار الألماني إنه “ربما تكون الحرب الروسية هي التي أطلقت شرارة التحول التاريخي لكن التحولات الفعلية أعمق بكثير، يفترض الكثيرون أننا على شفا حقبة ثنائية القطبية في النظام الدولي إنهم يرون اقتراب فجر حرب باردة جديدة ستضع الولايات المتحدة في مواجهة الصين، إلا أنني لا أشترك في هذا الرأي وأعتقد أن ما نشهده هو نهاية مرحلة استثنائية من العولمة وتحول تاريخي متسارع بسبب الصدمات الخارجية مثل جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية في أوكرانيا”.
المصدر : أ ش أ