العديد من القضايا المهمة تظل فيها مصر سباقة بتحديد الخطر ومناشدة العالم للالتفات له وسبل مواجهته، ولا تتوقف عند هذا الحد، بل تسارع باتخاذ الإجراءات العاجلة وطويلة المدى على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، ومن تلك القضايا كانت مواجهة تحدي تغير المناخ، والذي بات يهدد العام دون تفرقة.
قاد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال السنوات التسع الماضية، جهودًا حثيثة لمواجهة تحدي تغير المناخ طوال سنوات توليه المسئولية في مصر، انعكست في سياسات القيادة والدولة ومساعيها، وتكللت تلك الجهود باستضافة مؤتمر الأطراف الـ27 لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية المعنية بتغير المناخ (COP27)، والذي عقد “بمدينة السلام” شرم الشيخ تحت شعار “معًا للتنفيذ” خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الماضي.
ونجحت مصر في احتضان العالم للتصدي لتغير المناخ وحقق المؤتمر نجاحًا بشهادة جميع الدول المشاركة، على مختلف النواحي اللوجستية والفنية ومخرجاته، بالإضافة إلى مكاسبه على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وحشد المشاركات المختلفة من أنحاء العالم من مختلف الفئات، حيث شارك به أكثر من 50 ألف من الأفراد والكيانات المختلفة الرسمية وغير الرسمية، منهم 120 من رؤساء الدول والحكومات ونواب الرؤساء والممثلين رفيعي المستوى المشاركين في الشق الرئاسي، بزيادة عن نظيره السابق (COP26) حوالي 14 ألف مشارك.
وافتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي قمة القادة للمؤتمر، معلنًا الهدف الأساسي للقمة، وهو وضع خارطة طريق لتنفيذ الإجراءات المتفق عليها باتفاق باريس، قائلًا: “إن الوقت يداهم العالم ولا مجال للتراجع عن تنفيذ الالتزامات المناخية، حيث تسهم نتائج مؤتمر المناخ في تحول حياة ملايين البشر نحو الأفضل”، ليتم في نهاية المؤتمر ولأول مرة إدراج بند الخسائر والأضرار بعد رفض إدراج هذا البند لسنوات عديدة من قبل الدول المتقدمة، والانتهاء من التفاوض على بند 6 الخاص بسوق الكربون، وكذلك برنامج عمل التخفيف، والمضي قدمًا في كل من الهدف العالمي للتكيف والتمويل لمناقشتهم في الإمارات، وإعلان صندوق تمويل الخسائر والأضرار، وهي نقاط مهمة لدعم الإنسانية لتستطيع مواجهة آثار تغير المناخ.
وأثبتت الدولة بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي قدرتها على تنظيم حدث دولي بهذا الحجم؛ ما عكس التنسيق والتناغم بين كافة الوزارات والجهات المعنية بالدولة، وتسليط الضوء من الإعلام الدولي على مصر، وخاصة في التعامل مع ملف تغير المناخ على المستوى الدولي وكذلك الوطني وأيضًا القدرة التنظيمية والجدية في تنفيذ التزاماتها.
وعلى المستوى الإفريقي أبرز المؤتمر دور مصر الريادي في القارة من خلال تفعيل المبادرة الإفريقية للتكيف التي أطلقها رئيس الجمهورية، وذلك بعد النجاح في الحصول على دعم مالي تم تقديمه من الولايات المتحدة الأمريكية والدول المتقدمة بقيمة 150 مليون دولار، واستضافة وحدة إدارة المبادرة بالقاهرة، وشحذ 100 مليون دولار للدول الأقل نمواً (صندوق الدول الأقل نموا والجزرية، صندوق الخاص لتغير المناخ).
وعلى المستوى الوطني حققت مصر عددًا من المكاسب، ونجحت في حشد التمويل لبرنامج “نوفي” (ربط الطاقة والغذاء والمياه) ما يعد تنفيذًا جزئيًا لخطة المساهمات الوطنية المحدثة، وذلك من خلال منظمات التمويل الدولية بمبلغ يتجاوز 10 مليارات دولار لبرنامج “نوفي”، و”نوفي+” في مجالات الطاقة والزراعة والمياه، متضمنًا مشروعات لقطاع النقل، والتوسع في مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة، وتوقيع الاتفاقيات بقيمة 83 مليار دولار.
وتجسد عزم الرئيس السيسي في التحول للطاقة النظيفة، بنموذج تحويل شرم الشيخ إلى مدينة خضراء، ما يسهم في تشجيع حركة السياحة العالمية، وآليات هذا التحول من خلال فتح شراكات واستثمارات جديدة على المستوى الوطني مع شركاء التنمية والقطاع الخاص في مشروعات تغير المناخ، خاصة في قطاع الطاقة الجديدة والمتجددة والهيدروجين الأخضر.
جهود واستراتيجيات القيادة السياسية، ركزت على جعل مصر مركزًا إقليميًا للطاقة الجديدة والمتجددة وفتح المجال أمام القطاع الخاص للسوق الطوعية للكربون، كنقطة تتيح للقطاع الخاص العمل في ملف تغير المناخ وبيع شهادات الكربون، رفع الوعي بموضوعات تغير المناخ وخاصة فئة الشباب، فضلًا عن إطلاق الخطة الاستثمارية للاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، وإطلاق أول سوق مصري وإفريقي طوعي لإصدار وتداول شهادات الكربون.
وشهد المؤتمر إطلاق مجموعة من المبادرات منها (دليل شرم الشيخ للتمويل العادل لاستخدام الدليل لدعم الدول النامية للحصول على التمويل لتنفيذ مشروعات لتغير المناخ، ومبادرة الغذاء والزراعة من أجل التحول المستدام (FAST) ، ومبادرة “حياة كريمة” من أجل الصمود في إفريقيا، ومبادرة بشأن تغير المناخ والتغذية I-CAN، ومبادرة لاستجابات المناخية لاستدامة السلامCRSP، ومبادرة انتقال الطاقة العادلة والميسورة التكلفة في إفريقياAJAETI، ومبادرة أولويات التكيف للمرأة الإفريقية (CAP)، ومبادرة التكيف والمرونة المناخية في قطاع المياه (AWARE)، ومبادرة أصدقاء تخضير الخطط الاستثمارية الوطنية في إفريقيا والدول النامية، ومبادرة تعزيز الحلول القائمة على الطبيعة لتسريع التحول المناخي).
وخصصت الولايات المتحدة الأمريكية 25 مليار دولار لتمويل خارطة الطريق لـ (NbS)، فيما تستثمر ألمانيا 1.5 مليار دولار سنويًا للحلول القائمة على الطبيعة، ومبادرة المرونة الحضرية المستدامة للأجيال القادمة (SURGe)، إضافة إلى إطلاق مبادرة المخلفات العالمية 50 بحلول عام 2050 من قبل وزارة البيئة بالشراكة مع البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة و10 دول إفريقية، ومبادرة النقل منخفض الكربون من أجل الاستدامة الحضرية (LoTUS).
ومن ضمن الإنجازات التي تحققت كذلك في ملف تغير المناخ إصدار الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050؛ والتي تضمنت الأهداف الخمسة: تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وبناء المرونة والقدرة على التكيف مع مخاطر تغير المناخ، وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة المناخية، وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة والوعي، بالإضافة إلى قيام وزارة البيئة برئاسة الدكتورة ياسمين فؤاد تنفيذا لتكليفات الرئيس السيسي برفع الوعي بقضية التغيرات المناخية بهدف المشاركة في التصدي لآثارها السلبية من خلال المشاركة في كافة المنتديات والمؤتمرات الوطنية وورش العمل ومعسكرات شباب الجامعات، ومنصات مكاتب المنظمات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، والندوات لمختلف الفئات العمرية من الأطفال والشباب والمرأة.
وتم أيضا اعتماد تقرير المساهمات المحددة وطنيًا المحدث وتقديمه إلى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ من أجل تحقيق خطة خفض الانبعاثات الوطنية، واتخاذ إجراءات دمج بُعد تغير المناخ في السياسات والخطط التنموية، والبدء في إعداد استراتيجية التنمية منخفضة الانبعاثات 2050 بهدف وضع سيناريوهات لحساب كمية غازات الاحتباس الحراري المنبعثة على المستوى الوطني في كافة القطاعات.
وبدأت وزارة البيئة في إعداد تصور لإنشاء نظام وطني للرصد والإبلاغ والتحقق لحصر انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى أنشطة الخفض المحققة، وإطلاق مشروع الخريطة التفاعلية لمخاطر ظاهـرة التغيرات المناخية على مستوى الجمهوريـة، والذي يتم على 3 مراحل؛ بهدف مساعدة متخذي القرار على تحديد المناطق المعرضة للمخاطر المحتملة من تغيـر المنـاخ؛ بما قد يؤثر على تنفيذ خطة التنمية في الدولة، واتخاذ التدابير اللازمة في القطاعات التنموية المختلفة؛ وكذا اقتناص الفرص التمويلية للتكيف من الجهـات الدولية، حيث تم الانتهاء من المرحلة الثانية من المشروع، كما تم إنشاء المجلس الوطني للتغيرات المناخية برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية الوزارات والقطاعات المعنية.
وشهد عهد الرئيس السيسي، تنفيذ العديد من المشروعات القومية في مجالي التخفيف والتكيف، والتي تعد قصص نجاح قامت مصر بعرضها على العالم خلال رئاستها لمؤتمر المناخ (COP27)، ومن مشروعات التخفيف إقامة مجمع بنبان للطاقة الشمسية كأكبر مجمع لتوليد الكهرباء النظيفة في الشرق الأوسط، ومشروعات كفاءة الطاقة ومشروعات طاقة الرياح، ومشروعات النقل المستدام مثل مشروع (المونوريل وشبكة مترو الأنفاق)، ومشروعات تحويل المخلفات لطاقة والإدارة المتكاملة للمخلفات مثل مشروعات البيوجاز والمدافن الصحية ومصانع التدوير، أما مشروعات التكيف فمنها مشروعات ترشيد المياه وتبطين الترع، ومحطات تحلية مياه البحر والصرف الصحي، ومبادرة “حياة كريمة” كنموذج متكامل لمشروعات التخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ من خلال تنفيذ مشروعات توصيل الغاز الطبيعي وإدارة المخلفات.
وبلغت تكلفة برامج التخفيف نحو 211 مليار دولار، وتكلفة برامج التكيف نحو 113 مليار دولار، بجانب ما تم من جهود لتحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء سواء في مجال السياحة الخضراء، من خلال حصول الفنادق ومراكز الغوص على العلامة الخضراء وتحول الفنادق لاستخدام الطاقة الشمسية، ووضع خطة لاستخدام الطاقة الجديدة والمتجددة في المدينة، بالإضافة إلى مشروعات تطوير البنية التحتية، والتحول إلى النقل الكهربائي.
وكانت رئاسة مصر لمؤتمر الدول الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للتنوع البيولوجي الـ14، (COP14) لمدة عامين، وذلك تحت رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال الفترة من 13 إلى 29 نوفمبر 2018، بمدينة شرم الشيخ، بمشاركة 196 دولة وأكثر من 9 آلاف مشارك، تحت شعار “الاستثمار في التنوع البيولوجي من أجل صحة ورفاهية الإنسان وحماية الكوكب”، نجح في تحقيق العديد من النتائج الإيجابية التي شهد بها العالم.
وكذلك رئاسة مصر مع ألمانيا، المفاوضات الوزارية حول تمويل المناخ أثناء مؤتمر الأطراف الـ24 لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ التي عقدت في بولندا 2018، للتأكيد على تمثيل احتياجات الدول النامية في مسار المفاوضات، وتولت مصر رئاسة مؤتمر وزراء البيئة الأفارقة 2015-2017 لتقوم بدورها الريادي في خدمة القارة في القضايا البيئية، وكذلك تولي رئاسة لجنة رؤساء حكومات إفريقيا المعنية بتغير المناخ (CAHOSCC) برئاسة رئيس الجمهورية لتقوم بتمثيل القارة الإفريقية في الاجتماعات الدولية وإعداد وإطلاق مبادرة الطاقة المتجددة في إفريقيا، ومبادرة تعبئة الدعم الدولي لأنشطة التكيف.
أ ش أ