يشكل “لقاء الأخوة الإنسانية” الذي يجمع خلال ساعات بين فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة،مرحلة مهمة في تاريخ التعاون والسعي المشترك لقادة الأديان من أجل ترسيخ السلام والتعايش والسلم العالمي.
وتستند جهود الإمام الطيب، في التأكيد على قيم التسامح والأخوة التي تدعو إليها تعاليم الأديان، إلى مسيرة أزهرية طويلة في هذا المضمار، وهو ما يعكس النهج الوسطي المعتدل للمؤسسة الدينية الأكثر تأثيرا في العالم الإسلامي، والتي تحمل على عاتقها نقل تعاليم الإسلام، وفقا لمنهج تعددي معتدل، إلى ربوع العالم أجمع.
وكان الأزهر الشريف سباقا في الدعوة لخروج أتباع الأديان من ضيق “الجدل العقائدي”، الذي لا يجلب إلا التشاحن والصراعات، إلى سعة “المشتركات الأخلاقية والإنسانية”، حيث تبنى فضيلة الشيخ محمد مصطفى المراغي، شيخ الأزهر الراحل، خلال مشاركته في “مؤتمر الأديان العالمي” في لندن عام 1936 الدعوة إلى اعتماد “الزمالة الإنسانية”، كرابطة تجمع بين البشر على اختلاف أديانهم وأعراقهم.
كما اعتبر المراغي، الذي أطلق دعوته هذه قبل سنوات قليلة من اندلاع الحرب العالمية الثانية التي أحالت أوروبا وأجزاء كبيرة من العالم إلى ركام، أن التقدم العلمي والفلسفي لا يمكن أن يكون بديلا عن الأديان وتعاليمها الإلهية، مؤكدا أن “التدين الحقيقي” هو “الدواء” الناجع لما أصاب البشرية من أمراض عضال.
كما نجح الإمام الطيب في البناء على دعوة الشيخ المراغي، وتطويرها والانتقال بها من الزمالة إلى الأخوة الإنسانية، مشددا على أهمية تصدي قادة الأديان للمآسي التي يتعرض لها البشر، والوقوف بجانب الفقراء والمهمشين، وذلك من خلال اجتماعهم تحت مظلة واحدة عنوانها “الدين ضرورة للإنسان”، معتبرا أن “وجود هذه المظلة يتطلب سلاماً بين قادة الأديان”.
كما سعى الإمام الأكبر من خلال إطلاق مبادرة “الحوار بين حكماء الشرق والغرب” في عام 2014، إلى تشييد المزيد من جسور الحوار والتعاون بين الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية في الغرب، وهو ما شهد نقلة غير مسبوقة، تجسدها العلاقة الأخوية المميزة التي تجمع بين فضيلته وقداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بما يمثلانه من ثقل ديني وروحي، باعتبارهما رأسي المؤسستين الأكبر والأكثر تأثيرا بين اتباع الإسلام والمسيحية.
وتتصف العلاقة الأخوية بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس بطابع خاص، كونها تستند إلى ما يجمع الرجلين من خطاب ديني منفتح، يعلي من شأن القيم الأخلاقية والإنسانية التي جاءت بها تعاليم الأديان، ويسعى لجعلها واقعا معاشا، يداوي آلام المحرمين، ويأخذ بيد الفقراء والمشردين، وتقود البشرية في طريق صنع السلام والتسامح.
كما تحرك الأزهر أيضا بقوة وبالتوازي مع تحركه على المستوى العالمي لرفض أي دعوات للتفرقة أو التمييز بين أبناء الوطن الواحد، على اختلاف أديانهم وأعراقهم، حيث شدد “إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك”، الصادر في عام 2017،على ضرورة تبني مصطلح “المواطنة” باعتباره مصطلحا أصيلا في الإسلام، وأدان الإعلان كافة التصرفات التي تقوم على التمييز وتتعارض مع مبدأ المواطنة والمساواة، كما دعا لضرورة إقامة شراكة متجددة بين المواطنين كافة تقوم على التفاهم والمواطنة والحرية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)