يحيي وزراء خارجية حلف شمال الأطلسي، الخميس، الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف، بعدما اتفقوا على البدء في التخطيط للقيام بدور أكبر في تنسيق المساعدات العسكرية لأوكرانيا.
وفي اليوم الثاني من اجتماع لهم في بروكسل، يحتفل الوزراء بذكرى التوقيع في واشنطن في الرابع من أبريل من عام 1949 على معاهدة شمال الأطلسي التي أسست حلفا سياسيا وعسكريا عبر المحيط.
وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرج الأربعاء “في الوقت الذي نواجه فيه عالما أكثر خطورة، فإن العلاقة بين أوروبا وأميركا الشمالية صارت أكثر أهمية من أي وقت مضى”.
وانطلق الحلف باثني عشر عضوا من أمريكا الشمالية وأوروبا، وقد تأسس في وقت شهد مخاوف متزايدة من التهديد العسكري الذي شكله الاتحاد السوفيتي على الديمقراطيات الأوروبية.
عام 2019، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الاتحاد السوفياتي على اعتبار أنه يعاني من “الموت الدماغي”.
والآن بعد أربع سنوات ونصف، توسع الحلف ليضم 32 بلدا مع انضمام السويد وفنلندا إليه بعد ما وصفها ماكرون بـ”الصدمة” التي أحدثها الهجوم الروسي عام 2022.
وجاء انضمام أحدث عضوين وهما فنلندا والسويد كنتيجة مباشرة للغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022.
وردا على ذلك، رفع الناتو عديد جنوده في خاصرته الشرقية ووضع خططا جديدة للتعامل مع أي هجوم روسي.
وقال ستولتنبرج للصحفيين “سنواصل تعزيز تحالفنا… وسنواصل العمل مع شركائنا في جميع أنحاء العالم من أجل السلام والأمن”.
وقالت روسيا الأربعاء إن الحلف عاد لعقلية الحرب الباردة. وذكرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا للصحفيين أن الحلف ليس له مكان في “العالم متعدد الأقطاب” الذي تقول موسكو إنها تسعى إلى بنائه لإنهاء الهيمنة الأميركية.
واتفق وزراء الحلف الأربعاء على البدء في التخطيط لدور أكبر للحلف في تنسيق المساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا.
وقال دبلوماسيون إنه بموجب مقترح تقدم به ستولتنبرج، سيأخذ حلف شمال الأطلسي على عاتقه العمل الذي يقوم به تحالف خاص بقيادة الولايات المتحدة تحسبا لتطورات من بينها أي خفض في الدعم الأميركي إذا عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
ووفقا للدبلوماسيين فقد اقترح ستولتنبرج أيضا إنشاء صندوق بقيمة 100 مليار يورو (حوالي 108 مليارات دولار) لدعم الجيش الأوكراني على مدى خمس سنوات.
وليس من الواضح ما إذا كان الحلف سيوافق على هذا المبلغ. ويتعين أن يتخذ الحلف قراراته بالإجماع.
واقترح ستولتنبرج صندوق الدعم لكييف ومدته خمس سنوات وخطة لتعميق مشاركة الناتو في تسليم الأسلحة في محاولة لضمان تواصل الدعم في مواجهة عودة محتملة لدونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية.
وقال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي إن الحلفاء “اتفقوا على المضي قدما في التخطيط لدور أكبر للحلف في تنسيق المساعدة الأمنية والتدريب” بهدف التوصل إلى اتفاق بحلول قمة تعقد في واشنطن في يوليو المقبل.
وأضاف بعد أن أجرى وزراء الخارجية محادثات في بروكسل “التفاصيل ستتبلور في الأسابيع المقبلة. لكن لا يخطئن أحد، يمكن لأوكرانيا الاعتماد على دعم حلف شمال الأطلسي الآن وعلى المدى الطويل”.
رغم الترحيب بالصندوق المقترح من أقرب حلفاء أوكرانيا مثل بولندا ودول البلطيق، يبدو أن هناك شكوكا كبيرة بين حلفاء آخرين.
وأيدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إنشاء “آليات طويلة الأمد” لدعم كييف، لكنها حذرت من تحديد أرقام من دون توضيح مصدرها.
وشددت وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب على أن الاقتراح الذي ينص على مساهمة أعضاء الناتو وفقا لحجم اقتصادهم ليس “صدقة”، مضيفة “لكن من الخطير تقديم وعود لا يمكننا الوفاء بها”.
أما البند الثاني من خطة ستولتنبرج، والذي يبدو أنه حظي بقبول أوسع، فيتمثل في أن تتولى مهمة تتبع حلف شمال الأطلسي مزيدا من السيطرة على تنسيق إمدادات الأسلحة من المجموعة التي تقودها الولايات المتحدة وتشرف حاليا على الدعم.
تمثل هذه الخطوة تحولا كبيرا في دور الحلف العسكري الغربي الذي يرفض حتى الآن إرسال أسلحة إلى أوكرانيا خشية أن يؤدي ذلك إلى جره لنزاع مباشر مع روسيا.
لكن المجر، وهي الدولة الأكثر تقاربا مع روسيا في حلف شمال الأطلسي، قالت إنها لن تدعم أي اقتراح قد “يقرب الحلف من الحرب”.
وقال ستولتنبرغ إنه حاول التوصل إلى حل وسط مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، لكن دبلوماسيين أفادوا بأن الشعبوي اليميني رفض مقترح بند يتيح لبلده عدم المشاركة.
لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس مصدر التهديد الوحيد الذي يواجهه الناتو.
أحدث الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الشهر الماضي هزة في أوساط حلفائه عبر القول إنه سيشجع روسيا على “القيام بأي أمر ترغب فيه” لأي دولة في الناتو لا تفي بالتزاماتها المالية.
أشعلت تصريحات المرشح الجمهوري لانتخابات هذا العام الرئاسية عاصفة سياسية وأثارت الشكوك حيال التزام واشنطن تجاه حلفائها في حال هزم ترامب الرئيس الحالي جو بايدن في نوفمبر.
وقال المسؤول الرفيع السابق في الناتو والباحث حاليا لدى “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” كميل غراند إن “المشكلة الحقيقة في ترامب تكمن بصعوبة التنبؤ به”.
وأضاف أن “انسحاب الولايات المتحدة من الناتو ليس ضروريا حتى. كل ما يحتاجه الأمر هو تغريدة أو تصريح من قبيل: لن يموت أي جندي أميركي من أجل حليف مثل ليتوانيا”.
وفي خطوة استباقية، استعرض الناتو الزيادة الكبيرة في عدد الدول التي تقترب من الإيفاء بالتزاماتها في الوصول إلى هدف بلوغ الإنفاق الدفاعي 2 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي. يتوقع الآن بأن تحقق 20 دولة الهدف هذا العام مقارنة مع ثلاث فقط في 2014.
وما زال دبلوماسيون في مقر الحلف في بروكسل متفائلين حيال عودة ترامب المحتملة إذ أن الناتو كان في حال أفضل عند انتهاء ولايته الأولى.
ويقولون إن إحدى الوسائل التي يمكن من خلالها إقناع الولايات المتحدة بأهمية الناتو تتمثل بزيادة الاهتمام الذي توليه إلى الصين التي تمثل مصدر قلق رئيسي بالنسبة لواشنطن.
لكن رغم زيادة الإنفاق الأوروبي على الدفاع، يعتقد كثيرون بأن الناتو لن ينجح من دون قوة الولايات المتحدة.
على هامش الاجتماع، من المتوقع أيضا أن يناقش وزراء خارجية دول الناتو ملف خلافة ستولتنبرج الذي تنتهي في أكتوبر فترة ولايته المستمرة منذ عقد.
والمرشح الأوفر حظا لخلافته هو رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، رغم تقديم الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس ترشحه بشكل مفاجئ.
وقال دبلوماسيون إن روته يحظى بدعم نحو 90 بالمئة من دول حلف شمال الأطلسي، لكن المجر وتركيا ما زالتا تعرقلان تسميته.
في ما يلي بعض الحقائق والأرقام عن المنظمة التي أُنشئت خلال الحرب الباردة وأعيد إنعاشها بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقعت 12 دولة مؤسسة على معاهدة حلف شمال الأطلسي عام 1949 مع وقوف الولايات المتحدة وكندا ومعظم دول أوروبا الغربية صفا واحدا لمواجهة تهديد الاتحاد السوفياتي الذي كان حليفها سابقا خلال الحرب العالمية الثانية.
وكما قال أول أمين عام للحلف لورد إسماي فإن هدف الناتو كان “إبقاء الاتحاد السوفياتي في الخارج والأمريكيين في الداخل والألمان مهزومين”.
وعام 1952، انضمت تركيا واليونان إلى الحلف قبل أن تصبح ألمانيا الغربية عضوا بعد ثلاث سنوات.
وبعد انتهاء الحرب الباردة، توسع الناتو مرات عدة نحو الشرق ليزداد طول حدوده مع روسيا عبر انضمام بولندا ودول البلطيق السوفياتية السابقة.
وبعدما غزت موسكو أوكرانيا عام 2022، تراجعت جارتا روسيا الشماليتان عن سياساتهما التاريخية القائمة على عدم الانحياز، ليصل عدد أعضاء الحلف إلى 32 بلدا.
وتضم بلدان الحلف مجموعه 3.2 ملايين رجل وامرأة يخدمون في جيوشها.
وتعد إيسلندا الدولة الوحيدة المنضوية في الحلف التي لا تحظى بجيش خاص بها.
ولم يفعل الناتو غير مرة واحد المادة الخامسة المرتبطة بالدفاع الجماعي التي تفيد بأن الهجوم على أي من أعضائه يعد هجوما على الجميع، وذلك بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة.
اعتبر هذا القرار تعبيرا عن الدعم للقوة العسكرية التي تقود الحلف ومختلفا إلى حد كبير عن التهديد في أوروبا الذي توقعه مؤسسوه في الأساس.
وأدت تداعيات هجمات 11 سبتمبر إلى تدخل الناتو في أفغانستان حيث بقي حتى العام 2021 عندما سمح انسحاب كارثي بقادة الولايات المتحدة لطالبان باستعادة السلطة.
سيمثل يونيو 2024 مرور 25 عاما على نشر الناتو قوات في كوسوفو عام 1999، ليستكمل انسحاب القوات الصربية بعد حملة قصف جوي تواصلت على مدى 77 يوما.
ولم يكن هذا التدخل العسكري غير الثاني في تاريخ الناتو، بعد تدخله في البوسنة في منتصف تسعينات القرن الماضي.
وبعد ربع قرن، ما زالت قوة كوسوفو التابعة للناتو على الأرض في البلقان، لتصبح المهمة الأطول للحلف في تاريخه.
وبعدما أدى ارتفاع منسوب التوتر العام الماضي إلى أعمال شغب أسفرت عن إصابة 93 عنصرا من الناتو بجروح، اتفق الحلفاء على إرسال ألف جندي إضافي للانضمام إلى قوة كوسوفو، ليصبح مجموع الجنود حوالي 4500.
وفضلا عن البلقان، شملت مهمات الناتو الرئيسية الأخرى في الخارج عقدين تقريبا في أفغانستان وقصف العام 2011 على ليبيا.
لم تنسحب أي دولة على مر التاريخ من الناتو، لكن فرنسا أمضت حوالي 43 عاما خارج هيكل القيادة العسكرية للحلف بعدما انسحب الرئيس شارل ديغول عام 1966 احتجاجا على هيمنة الولايات المتحدة.
ولم يتم التراجع عن هذا القرار الذي تم بموجبه نقل مقر الناتو من باريس إلى بروكسل إلا في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي عام 2009.
مع ذلك، ما زال التوتر يهيمن أحيانا على العلاقة مع الناتو وفي 2019 قال الرئيس إيمانويل ماكرون إن الحلف يعاني من “الموت الدماغي”.
وقال ماكرون لاحقا إن الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022 أيقظ الناتو عبر “أسوأ الصدمات”.
المصدر: وكالات