فيما أسدل الستار الليلة الماضية على النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم ، الذي احتضنته مدينة شرم الشيخ على مدى أربعة أيام ، برعاية وبحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى صاحب مبادرة إقامته ، إلا أنه لم يسدل على التواصل الحضاري الذي أشعلت جذوته تلك المنتديات منذ انطلاق نسختها الأولى في عام 2017 .
فقد جاء ختام هذه النسخة ليؤكد من جديد أن الحضارة تعنى مصر ، وأن حلم عالم واحد يسوده الحب والسلام ممكنا ، وأن ترسيخ ثقافة الاختلاف فى طريقها للوجود بعدما نبتت بذورها في أرض مصر محدثة نقطة التقاء بين 7 آلاف مشارك يمثلون مختلف الثقافات والحضارات .
شهادة نجاح منتدى شباب العالم تجعل شباب مصر يصطف مع شباب العالم لكتابة فصل جديد من دستور الحياة ، وليشهدوا معا على قوة الشباب وقدرته على الإبداع ، حيث ميزه أن من قام عليه وأداره ، وتحدث فيه هم الشباب أنفسهم ، مما يمنح لشباب العالم القدرة على التأثير والتغيير في خريطة القوى الشبابية على المستويين الإقليمي والعالمي.
تكللت جهود الرئيس السيسى بالنجاح ، بدءا من لفت أنظار العالم إلى واحدة من أبرز المعالم السياحية في مصر ، مرورا بالرواج السياحي والانتعاش الاقتصادي منقطع النظير الذي شهدته مدينة شرم الشيخ فى تلك الآونة ، وإعطاء نموذج عالمي يحتذى به في كيفية فتح ذراع العالم للمستقبل بفكر جديد وبسواعد الشباب الذين يبنون أوطانهم ، وفى كيفية مساعدتهم وتقوية قدراتهم الذاتية من أجل معالجة مواطن الخلاف بشجاعة وثقة والخروج بحلول جذرية تساهم في حل قضاياهم بطريقة إيجابية وسلمية ، وانتهاء بالتوصل لصيغة حوار مشتركة تسهم في جعل العالم مكانا أفضل للحياة٠
وتؤمن مصر بأن تطلعات الشباب والتحديات التي تواجههم تتشابه في ملامحها في كل البلاد غنيها وفقيرها ، رغم تنوعها بحسب خصوصية وإمكانيات كل مجتمع ، تجمعها قواسم مشتركة تتجاوز حدود المكان وتفرضها قيم ومبادئ باتت مستقرة ومعترفا بها دوليا و معا تخاطب شباب العالم حول نفس المبادئ والقيم والأفكار وتحاوروا حول نفس القضايا ، فأثرى اختلافهم النقاش وحقق التكامل لا الخلاف ، وجمعهم المستقبل والأحلام والمصلحة المشتركة لكوكب واحد يعيشون عليه ٠
بناء قاعدة من الشباب الواعي بقيم ومفاهيم السلام حقق المنتدى حشدا قويا للمشاركة في نشر مفاهيم السلام وأدواته التسامح وقبول الآخر والاعتراف بالاختلاف وفتحت عوالم وآفاق جديدة للتواصل بين شباب العالم فالسلام وهو المعنى الأسمى للحياة يستتب بتوحيد المفاهيم وطرحها خلال حوار متكافئ لتصبح الصداقة قيمة مضافة لخصائص الشباب المصري وتتويجا لحواره وخبراته المتبادلة مع الآخرين٠
“تدشين الحوار بين الثقافات والحضارات المختلفة بهدف إحياء الإنسانية والسلم والأمن والمحبة بين البشر والقضاء على العنف والكراهية ” كان هدية مصر للعالم خلال هذا المنتدى ، ورسالة المحبة والسلام القائمة على الحوار البناء والتوجه للمستقبل التي وجهها الرئيس السيسي لشباب العالم من منبره ، مفادها أن الجميع بمختلف جنسياتهم وأفكارهم ودينهم قادرون على التعايش السلمي في مكان وزمان واحد يتسع للجميع إذا تقبل كل منهم الآخر ، وانصهر معه في سلام يخدم البشرية ، وهو الأمر الذي فعله المصريون من قبل وعلى مدى العصور المختلفة.
خلال 24 جلسة علمية ، و14 ورشة عمل ، أقيمت داخل 9 قاعات بمركز المؤتمرات الدولي بشرم الشيخ ، شارك الرئيس السيسي شباب العالم عصفهم الفكري ، يستمع لآرائهم ومناقشاتهم من مقاعد الحضور ويشاركهم الحوار ، فيعبر بهم الفجوة الذي تخيل البعض أنها بين الأجيال ، وما طرحه في مداخلات من رسائل لخصت التجربة الوطنية ، جاءت تعبيرا مصريا خالصا شمل مختلف القضايا المثارة على الساحة المصرية والعالمية ، مؤكدا أن التحديات المصيرية ومستقبل التنمية لم يعد رهنا بتعبئة الموارد المادية وجذب الاستثمارات فحسب ، بل بات رهنا بمدى النجاح في توظيف الطاقات البشرية الكامنة وتحرير طاقات الشباب وتدعيمها والاعتراف بها كقوة مؤثرة في تحقيق التقدم والسلام المنشود٠
فيما عبرت مناقشات الشباب خلال فعاليات جديدة وثرية ، وجلسات وورش عمل عن إرادتهم القوية وطموحاتهم وآمالهم في تحقيق مجتمع آمن يسوده السلام ويعتمد على الحوار كطريقة للتواصل واستتباب الأمن والسبيل الأفضل الذي يتعين الاعتماد عليه في السعي نحو علاج المفاهيم الخاطئة واستئصال بذور النزاعات ، فترسيخ ثقافة الاختلاف وقبول الآخر تكون بالمعايشة والتجربة خاصة في سن الشباب٠
تناول المنتدى موضوعات حيوية ، دارت حول مستقبل مهارات الشباب في عصر الثورة الصناعية الرابعة ، ونموذج الاتحاد من أجل المتوسط ( شباب المتوسط جذور مشتركة )، وتمكين الأشخاص ذوى الإعاقة نحو عالم متكامل ، وسبل التعاون بين الشباب الأفريقي لتعزيز التنمية ، والأمن الغذائي في العالم .. مبادرات شبابية للتحرك ، وتطبيقات الذكاء الاصطناعى وريادة الأعمال ، والتحديات الراهنة للأمن والسلم الدوليين ، وأثر التغيرات المناخية على الإنسانية ، والتحول الرقمي والتعليم الفني والتدريب ، وتطبيقات رؤى الشباب للحفاظ على البيئة ،وآفاق التنمية في ـفريقيا ، والمرأة والحق في التنمية ، ودور الفنون في التعامل مع قضايا الإنسانية ، ومكافحة خطاب التطرف والكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشهد المنتدى لأول مرة انطلاق منصتين جديدتين هما “انسبير دى” وتمثل ساحة للقصص يعبر خلالها الشباب من مختلف اتجاء العالم عن التجارب التي مرت بحياتهم وخبراتهم بهدف بث الأمل والإلهام وتغيير حياة الآخرين إلى الأفضل ، وحاضنات منتدى شباب العالم ” وويف لاب ” ، وهى منطقة ريادة عالمية وساحة لرواد الأعمال لمشاركة خبراتهم وتجاربهم بما فيها من تحديات ونجاحات ، وتدور فكرتها حول تكوين نواة للشركات المختصة بالتكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها لإنعاش مجال ريادة الأعمال ، وتوفير فرص عمل للشباب وتوظيف طاقاتهم الإبداعية.
التسجيل الدقيق لكل تفاصيل المنتدى ، يؤكد أنه انحاز للحاضر والمستقبل ، وأنه أحدث علاقة تكاملية بين الشباب بحماسهم والكبار بحكمتهم وخبرتهم ، محدثة تحركا موجها نحو البحث عن منصة للحوار وفلسفة مصرية جديدة تستهدف توثيق القدوة المستطاعة والنبيلة وثقافة تقف وتتلقف كل الأمراض الاجتماعية التي استشرت بين قطاعات عريضة من الشباب .
النسخة الثالثة من منتدى شباب العالم لم تبدأ من فراغ ، فقد أرسى المنتدى الأول الذي أطلق شرارتها الرئيس عبد الفتاح السيسى في العام قبل الماضي
خطوة هامة نحو تحوله إلى ملتقى سنوي دولي ومنصة للحوار وساحة لتقريب وجهات النظر ، وتبادل التجارب في رحاب مصر مهد الحضارات وملتقى الثقافات ، فكانت ثمار اليوم محصلة عمل الأمس ، فتضاعف عدد الشباب المشارك فى المنتدى الثاني والثالث ، وكذلك تضاعفت المبادرات التي خرجت عنه و حملت رؤية مستقبلية ٠
“الشباب بما يملكه من طاقة وحماس وفكر جديد ثروة ومستقبل ” ، مبدأ كرسته الطبيعة وعززته مناقشات المؤتمر التى امتدت على مدى 4 أيام من النشاط غير مسبوق ، مكللة بدور بارز للشباب المصري في تخطيط وتنظيم وإدارة فعاليات هذا المنتدى الذي خرج للعالم بصورة تليق بمكانة مصر الريادية والحضارية والتاريخية ، مبرزا إمكانات الشباب الهائلة ككوادر فاعلة في عملية بناء المستقبل ، وحملت اقتراحات الشباب المشارك في الجلسات الحوارية المدرجة على جدول أعماله ، رؤية شاملة للمستقبل ٠
تبادل الرأي ووجهات النظر كان هدف المنتدى الذي نجح في التوصل إلى ما يحقق حشدا قويا يساهم في نشر مفاهيم وثقافة السلام بين المجتمعات ، ويستند إلى إعداد الشباب لمواجهة تحديات الغد ، ومساعدتهم في بناء مستقبل ينعم بالسلام والصداقة والتعاون والاحترام المتبادل وقبول الآخر ويستفيد من الثراء الذي يقدمه التنوع ويستثمره ، ويعمل على خلق جيل جديد يؤمن بالحق والواجب معا وهما دعامتان أساسيتان للسلام الذي يرتكز على الجوانب الاجتماعية والتربوية ضد العنف والتعصب والتفرقة والتمييز بين البشر ليكون سلوكا حياتيا يوميا ينبع من قيم روحية وأخلاقية واجتماعية أصيلة يعبر عنها البعض بأنها سلام وقائى٠
أما ضيوف مصر من شباب مختلف حول العالم فقد بدؤوا مغادرة شرم الشيخ عائدين لبلادهم ، كسفراء للمنتدى وحاملين لرايات التواصل والاتصال والتحاور بين شباب مصر وأقرانهم حول العالم ، والناقل للإنجازات الهائلة التي تجري على أرض مصر من مشروعات قومية عملاقة ، والقدرة على توفير الأمن والأمان والحماية الكاملة لضيوف مصر وشعبها ٠
المصدر : أ ش أ