تشهد منطقة شرق الفرات، تهديدات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤكدًا أن أنقرة ستبدأ عملية عسكرية ضد الأكراد.
وهدد أردوغان الأربعاء الماضى ، بشن معركة ضد الأكراد في منطقة شرق الفرات، وطالب مسؤولون أتراك أمريكا التوقف عن دعمها للأكراد ممثلة في قوات حماية الشعب المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية «قسد».
وجاء التهديد التركي الأخير مُحَدِّدًا للمرة الأولى موعدًا «في غضون بضعة أيام»، لبدء عملية عسكرية ضد الأكراد في شرق الفرات؛ ما أربك المشهد، وسط ترقب لما ستتطور إليه الأحداث، خصوصًا وسط ما بدا من إصرار تركي؛ إذ جدد أردوغان تهديده في خطاب اليوم الجمعة، قائلًا: مصممون على التحرك لتطهير شرق الفرات.
وكان المشهد شرق الفرات اقتصر الأسبوعين الماضيين، على المعركة بين قوات سوريا الديمقراطية «قسد» (غالبيتها من الكرد) بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، وفلول تنظيم «داعش» في جيبه الأخير في سوريا، وسط تقدم الأولى، وبإطلاق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تهديده في 12 ديسمبر خلال قمة الصناعات الدفاعية، تتراجع العملية ضد «داعش»، والتي يبدو أنها لن تحسم قريبًا رغم أن القوات الكردية حققت تقدمًا لافتًا، وسيطرت على مواقع جديدة في منبج، غداة إطلاق أردوغان تهديده، وسط ترقب لما ستسفر عنه التهديدات التركية وطبيعة المعركة المقبلة شرق الفرات، خصوصًا أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» حذرت عشية التهديد من تنفيذه.
وتجنب أردوغان في تصريحاته الدخول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ قال : سنبدأ العملية لتطهير شرق الفرات من الإرهابيين الانفصاليين خلال بضعة أيام.. هدفنا لن يكون أبدًا الجنود الأمريكيين»، لكن التأكيد على أن العملية لن تنل من الوجود الأمريكي شرق الفرات، لم تعتبره الولايات المتحدة كافيًا، وشدد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الكابتن شون روبرتسون، على أن «إقدام أي طرف على عمل عسكري من جانب واحد في شمال شرق سوريا، وبالأخص في منطقة يحتمل وجود طواقم أمريكية فيها، هو أمر مقلق للغاية» .. محذراً : «أي عمل من هذا القبيل سنعتبره غير مقبول».
بعد التهديد التركي
وغداة التهديد عززت الولايات المتحدة الأمريكية وجودها في منطقة شرق الفرات، ونشرت إحدى الصفحات الكردية «منبج الحدث» عبر «فيس بوك»، أن التحالف الدولي يوسع قاعدته في عين عيسى ويرسل تعزيزات إضافية إلى مناطق شرق الفرات «منبج كري سبي كوباني» في ظل التهديدات التركية.
وأضافت أن التحالف ينشئ قاعدة عسكرية جديدة في مدينة منبج، في ظل التهديدات التركية باجتياح المنطقة، والتحالف الدولي يسير دوريات على الحدود السورية التركية، ونشرت الصفحة صورة لقاعدتين عسكريتين للتحالف الدولي في قرية تل رقبة وقرية ركبة التابعتين لكري سبي تل أبيض.
ونفى المرصد السوري لحقوق الإنسان أي انسحاب لقوات التحالف الدولي من مدينة منبج التي يسيطر عليها مجلس منبج العسكري في الريف الحلبي؛ حيث لاتزال هذه القوات موجودة في مواقعها ونقاطها بمنبج.
وأضاف أن «معلومات الانسحاب جرى ترويجها من قبل مصادر مقربة من تركيا، في ظل التحضيرات المتواصلة من قبل الفصائل المؤتمرة من تركيا للبدء بعملية عسكرية شرق الفرات».
وتدحض التحركات الميدانية والتحذير الأمريكي الواضح سيناريو «الضوء الأخضر الأمريكي» لضرب تركيا مناطق للأكراد شرق الفرات، وينذر بصدام بين القوتين الحلفتين في حلف «الناتو»؛ لذا فالمشهد المرتقب يدور بين 3 سيناريوهات:
السيناريو الأول:
«فقاعات الهواء التركية»، وذلك ما يدعمه الإعلامي الكردي هوشنغ حسن؛ إذ يستبعد إجراء عملية عسكرية واسعة جوًّا وبرًّا في شرق الفرات، معتبرًا التهديدات التركية محض فقاعات هواء تسعى إلى تحويل الأنظار عن الفشل في تنفيذ الاتفاق التركي – الروسي في إدلب.
وقال لـ«المرجع»: من المعروف عن أردوغان الخطابات «البلّونية» التي يصرح بها؛ حيث المضمون المتضخم والفعل الفارغ.
وأضاف: أردوغان عبر هذا التهديد يقصد التغطية على فشل اتفاق إدلب، والذي كان محددًا بنطاق زمني شهرين؛ لإفراغ المدينة من مسلحيها، وفيما تكاد مدة الشهرين على النفاد، وفي ظل بقاء الأوضاع على حالها، يسعى أردوغان إلى تحويل الأنظار إلى شرق الفرات.
السيناريو الثاني:
إقدام القوات التركية على تنفيذ اجتياح واسع لمناطق شرق الفرات، على غرار معركة «غصن الزيتون» في عفرين، وعلى الرغم من أن تصريحات أردوغان جاءت لتحمل ألفاظًا كـ«تطهير المنطقة من الانفصاليين» و«القضاء على بؤر الإرهاب شرق الفرات»، بما توحي به من عملية واسعة النطاق، لكن عمليًّا يصعب تنفيذ ذلك السيناريو، والذي سيعني صدامًا حادّا وقتالًا بين القوات الأمريكية المتمركزة شرق الفرات والقوات التركية التي ستتولى مهمة اجتياح المنطقة، ومن غير الوارد إقبال أنقرة على خطوة كتلك، حتى في ظل «الدفع الروسي لتركيا لخوض معركة شرق الفرات» وفق الإعلامي الكردي حسن، والذي أشار إلى أن روسيا تحاول النيل من الوجود الأمريكي عبر تركيا، في ظل عدم مقدرة روسيا خوض معركة مباشرة ضد أمريكا في الشمال السوري، وكذلك عجز النظام عن اجتياح المنطقة في ظل الوجود الأمريكي.
وبخلاف العلاقة المتداخلة بين أنقرة وواشنطن، والتي هي أعمق من الملف السوري، أشار أردوغان صراحة أن عمليته «لا يمكن أن تنل من الوجود الأمريكي والجنود الأمريكان»، وفي ظل توسعة ذلك الوجود، والرفض الأمريكي لأي عملية «من طرف واحد» يصبح ذلك السيناريو الأبعد بين السيناريوهات المحتملة.
لكن رغم ذلك، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن تحضيرات تجري من قبل الفصائل (المسلحة) المؤتمرة بأمر تركيا، للبدء بعملية عسكرية في شرق الفرات، وذلك يعيد إلى الأذهان معركة عفرين والتي تمت باجتياح كامل.
وأضاف المرصد أنه وفق معلومات حصل عليها من قياديين في فصائل مقربة من تركيا، فإن الفصائل العاملة استكملت عمليات تحضرها لعملية عسكرية تركية في شرق الفرات، وأكد القادة للمرصد السوري أنهم بانتظار أوامر «أخوانهم الأتراك» للانطلاق بالعملية التي وصفوها بأنها «ستمتد من الفرات حتى الحدود العراقية».
السيناريو الثالث:
ويتمثل في تنفيذ عملية تركية «محدودة» شرق الفرات، لا تضمن الاجتياح البري، وتقتصر على بعض المواقع، والتي قد يتم إعلام الجانب الأمريكي بها لضمان عدم وجود قوات أمريكية، وهنا تبرز العبارة الأمريكية «رفض أي عملية من جانب واحد»، ويعد ذلك السيناريو الأقرب لتنفيذ التهديد التركي وفي الوقت ذاته عدم إضرار مصالح الولايات المتحدة أو تحقيق تغييرًا فعليًّا على الأرض.
والسيناريو السابق تدعمه التحليلات التركية نفسها، فنشر الكاتب التركي محمد آجات عبر موقع تركي تحليلًا بعنوان «رموز عملية شرق الفرات» إلى أن معلومات حصل عليها تفيد بأن العملية ستنفذ من خلال استهداف نقاط محددة، سيستهدف الجيش التركي كامل الخط الحدودي الذي يطلق عليه شرق الفرات ويتخطى طوله 500 كم، لافتًا إلى أن الجيش التركي يمتلك القدرة على ضرب هذه الأهداف بشكل مؤثر برًّا وجوًّا دون دخول المجال الجوي والبري السوري.
وعن الرد الأمريكي أشار إلى العملية التي نفذها الجيش التركي في منطقة كاراجوك الواقعة ضمن المنطقة الحدودية، بمشاركة نحو 40 طائرة مقاتلة ليلة 17 أبريل 2017. وتابع: لكن الضغوط الأمريكية لم تسمح حتى اليوم بتنفيذ المزيد من العمليات.
والأكراد أيضًا يعدون ذلك السيناريو مطروحًا، فيقول الإعلامي الكردي هوشنغ، في حال حدث الهجوم (اتوقع عدم حدوثه) فسيكون محدودًا، يستهدف بعض النقاط الحدودية، وإذا ما تطور أكثر فسيكون قصف جوي لبعض النقاط المعروفة لقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، كما حدث في جبل كاراجوك في الجزيرة، حين قصفت تركيا مركز القيادة العامة لوحدات حماية الشعب، أما الحديث عن عملية عسكرية واسعة، خصوصًا أن نقاط المراقبة الامريكية على مناطق الحدود التركية يتم تعزيزها ولم تنتهِ كما تحاول وسائل إعلام تركيا تصوير ذلك.
وبإشارة حسن وهو إعلامي مقرب من قوات «قسد» إلى معرفتها بالضربة التركية في العام 2017 قبل تنفيذها، يعني أن الولايات المتحدة أخبرت حلفاءها على الأرض بها، لتخرج أقرب إلى مسلسل منها ضربة تعيق «قسد» أو تنل منها.
الصمت السوري
تجاهلت سوريا التهديد التركي باجتياح شرق الفرات، وعلق السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية الأسبق والخبير في العلاقات الدولية، إلى أن منطقة شرق الفرات خاضعة للنفوذ التركي أو الأمريكي؛ لذا فتحرك أنقرة فيها بواسطة روسيا.
واستبعد في تصريحات لـ«المرجع»: أن تستهدف أنقرة قوات أمريكية؛ لأن التهديدات التركية بشأن شرق الفرات وسيلة من وسائل الضغط على إدارة ترامب لكي تلبي مطالب تركيا فيما يتعلق بتعاون مع العناصر الكردية في شمال سوريا، كما أن الحكومة التركية تسعى لترسيخ الفكرة لدى الجميع بأن شرق الفرات تابعة لها.
المصدر : وكالات