وفى عالم ينوء بالعواصف فتتزلزل أركانه ، إختار الشعب من أخذ على عاتقه حشد كتائب الدولة وحشد مواردها بشرية كانت أو مادية .. فجاء عام ٢٠٢٣ تجسيداً واضحاً لمعنى إتخاذ القيادة ومعها الشعب وضع التأهب وانتقال الدولة من مرحلة استعادة تماسك المؤسسات ثم تفعيل كامل قدراتها و استعادة هيبتها خارجياً مثلما داخلياً وصولاً لتجدد دولتنا وتحقيق آمال وأحلام مواطنيها.
وفى القلب من كتائب مؤسسات الدولة التى اصطفت فى تناغم وعزم لتتكامل أدوارها خلف إنفاذ رؤية قائدها فى استعادة مجد الأمة المصرية ، فى القلب من هذه الكتائب ظهر بجلاء دور كتيبة الدبلوماسية المصرية لتفتح مع أصدقاء مصر فى الخارج نوافذ للتعاون والمصالح المشتركة مثلما تغلق على أعداء الوطن ثغرات قد تراودهم فيحاولون أن ينفذوا منها للنيل من مصالح مصر القومية .. سياسية كانت أو اقتصادية، ثقافية أو حضارية.
وفى ظل تعاظم دور مصر إقليمياً ودولياً تعاظمت وتنوعت المهام التى تعكف الآلة الدبلوماسية المصرية على الاضطلاع بها لتتجاوز بها آفاق الدبلوماسية التقليدية .
وتسلحت كتيبة الدبلوماسية المصرية فى تنفيذ مهامها بخبرات تاريخها العتيد كأقدم جهاز دبلوماسى فى التاريخ مثلما تسلحت باحترافية وكفاءة أبنائها وعمق انتمائهم للوطن .. وتسلحت قبل ذلك وبعده برؤية واعية وواضحة للقيادة السياسية حددت فيها الأهداف والوسائل ومهدت بعلاقاتها المتميزة مع قادة دول العالم الطريق لانجاز هذه الأهداف .. قيادة سياسية حددت خطوطنا الحمراء مثلما عززت وعمقت مساحات الصداقة والسلام البيضاء التى تتحرك فيها آلتنا الدبلوماسية لتوسيع دوائر الأصدقاء وتعميق أواصر التعاون معهم بالتوازى مع تحييد الأعداء وتقليص أدواتهم .
واستطاعت مصر خلال السنوات الأخيرة أن تُسخِّر كافة تلك الإمكانات المُتراكمة عبر العقود الماضية، وتطويع مقومات القوة الشاملة التي تتسلح بها، مما زاد من فاعلية دورها في ترتيب الأوراق الإقليمية.
سياسة خارجية ناجعة لمصر فى جمهوريتها الجديدة عنوانها ندية وإحترام متبادل وشراكة وقرار وطنى مستقل، وفقا للمحددات التى رسمها الرئيس السيسى فى خطاب التنصيب فى يونيو 2014، والذي أكد فيه أن مصر بما لديها من مقومات يجب أن تكون منفتحة فى علاقاتها الدولية، وأن سياسة مصر الخارجية ستتحدد طبقاً لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصرى، وأنها ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية مبادئ أساسية لسياساتها الخارجية فى المرحلة المقبلة، وذلك انطلاقاَ من مبادئ السياسة الخارجية المصرية، القائمة على دعم السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي والدولي، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولي، واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن بين الدول، وكذلك الاهتمام بالبعد الاقتصادي للعلاقات الدولية، و عدم التدخل في الشئون الداخلية للغير.
وانعكس ما تشهده مصر من استقرار راسخ وتنمية شاملة في إطار تدشين الجمهورية الجديدة بالتبعية في تحركات واعية لسياستها الخارجية التي باتت واضحة الملامح في توجهاتها، وزادت من ثقتها في تحركاتها الدولية والإقليمية في إقليمٍ يموج بالاضطرابات والعواصف السياسية ولا تتوارى فيها مُنغِصات استقراره.
وحسبما أكد وزير الخارجية سامح شكرى فقد نجحت مصر خلال عشر سنوات من العمل الشاق والعزيمة الصادقة فى أن تتبوأ دورها الإقليمي التقليدي، الذي يسعى إليها بقدر ما فُرِضَ عليها وأخلصت فيه بلا تَزيُّد .. وتمكَّنت باقتدار، من خلال القيادة السياسية، أن تنتقل من مرحلة استعادة التوازن إلى استعادة التأثير، وأن تكون طرفًا مؤثرًا في مُحيطها الإقليمي، تضع خطوطها الحمراء التي تنسج بها قوة ردع تحفظ توازن المنطقة، وتحول دون انجرافها إلى هوة الفوضى.
فعلى مدى السنوات العشر جنت مصر بقيادة الرئيس السيسى ثمار سياستها الخارجية الجديدة من خلال العمل والتحرك الدبلوماسى بشقيه الثنائى والمتعدد الاطراف بل وامتد كذلك الى الدبلوماسية الاقتصادية والتنموية والبيئية بخلاف دبلوماسية المناخ الذى بات مصطلحا جديدا فرضته التغيرات المناخية التى باتت تهدد الكوكب.
واستنادا لحقيقة كون قوة مصر الحضارية تنبع من مبادئها الراسخة فقد واصلت السياسة الخارجية المصرية نهجها الذى ما حادت عنه ولا تحيد فى تبنى قضايا أمتها العربية والدفاع عن كل ما يمس الأمن القومى العربى وتعزيز المصالح العربية المشتركة بيقين لا يتزحزح فى ان الأمن القومى العربى جزء لا يتجزأ عن أمن مصر القومى .
ومن السودان إلى ليبيا كانت مواقف مصر ومبادراتها تتخطى بكثير ردود الفعل .. فوضعت مصر خطوطها الحمراء بأفعال صاغتها أقوال .. أفعال وسياسات ، جهود وتحركات يصعب حصرها فى كل ملف تصب جميعها فى اطار الحفاظ على وحدة واستقرار وسيادة دول الجوار ورفض التدخل الخارجى فى شئونها .. جهود ومبادرات وتحركات تواصلت ولم تزل على مدار الساعة لوقف العدوان الاسرائيلى على غزة والحيلولة دون تصفية القضية الفلسطينية ، ومساع مضنية لتغليب رؤية السلام وحل الدولتين استنادا لقرارات الشرعية الدولية .
ولطالما حذرت مصر من يريدون ان تمس نيرانهم حدودنا لكن التكبر والغطرسة أعمى عقولهم قبل أن يستشعروا حرارتها تحرق أصابعهم .. فجاءوا لمصر وقيادتها يسترشدون سبيلاً لطوق نجاة .
ومن إفريقيا حيث التاريخ والمستقبل المشترك والمصالح المشتركة بعمق مصر الاستراتيجى صنعت مصر سياسة خارجية أكثر عمقاً وواقعية لتدشين شراكات فاعلة وبناءة مع دول القارة واطارها المرجعى ممثلا فى الاتحاد الافريقى .. وشهد العام المنصرم زيارات رئاسية ووزارية متبادلة وقيادة مصرية لمواقف القارة السمراء فى المحافل الدولية رسخت أسساً واضحة لبناء مستقبل افضل تحافظ فيها على مواردها لتبقى حقاً اصيلاً لشعوب القارة .
ومرورا بآسيا والقوى البازغة التى تقفز بقوة لصدارة وقيادة إقتصاديات العالم وتجارته شهدت علاقات مصر بالصين والهند واليابان دفعات أكبر انخرطت مصر فى اطارها فى شراكات استراتيجية ثنائية وتجمعات فى مقدمتها تجمع بريكس .
وامتداداً لأوروبا التى تكتلت دولها فى كيان الإتحاد الأوروبي جار مصر الشمالى والمتوسطى وشريك مصر التجارى الأول تجدد اتفاق الشراكة بين الجانبين ليغطى كافة أوجه التعاون أخذا فى الاعتبار الأولويات المستجدة للجانبين وفى العالم.. فيما شهدت علاقات مصر الثنائية مع مختلف دوله الأعضاء قدراً عالياً من التنسيق والتعاون على مختلف الاصعدة عززته زيارات رئاسية ووزارية متواصلة ايمانا بأهمية مصر ومكانتها الجيوستراتيجية وقدراتها البشرية المتميزة واقتناعا بأن مصر المستقرة تظل هى مفتاح السلام والاستقرار فى شرق وجنوب المتوسط بانعكاساته المباشرة على سلام واستقرار اوروبا .
ووصولاً لعلاقات مصر بالولايات المتحدة وروسيا يرى المراقبون السياسيون ان الدبلوماسية المصرية نجحت باقتدار فى ادارة نمط علاقات متوازنة قائمة على الندية والاحترام المتبادل مع كل من واشنطن وموسكو رغم تنامى حالة الاستقطاب والعداء بين هاتين القوتين فى العديد من مناطق العالم مثلما فى العديد من ملفات السياسة والتجارة وغيرها .
ولم تكن الالة الدبلوماسية فى ظل تزاحم وحدة ملفات اجندة الملفات السياسية الدولية لتغفل مهمتها الأساسية فى رعاية المصريين بالخارج فى ظل التوجيهات الحاسمة من القيادة السياسية بأن يكون المصريون بالخارج فى قلب أولويات واهتمامات الدبلوماسية المصرية .. وجاء مشهد الانتخابات الرئاسية بالخارج ليظهر مدى التلاحم الذى تجلى بوضوح بين رعايا مصر بالخارج الذين يناهز عددهم ١٤ مليون نسمة وسفارات وقنصليات مصر .. وبدت معه بعثات مصر الدبلوماسية بالفعل البيوت الآمنة التى يستنشق فيها المصريون رغم بعد المسافات عطر الوطن فتمتلىء صدورهم بالهوية وروح الانتماء .
ووسط بحور من الأمواج المتلاطمة التى تهز كوكبنا من حروب دامية الى صراعات داخلية ، من كوارث طبيعية الى جائحة وكوارث صحية .. ومن تغير المناخ الى تغير منظومة القيم والاخلاق يتابع شعبنا بوعى وبصيرة ما يدور حول ديارنا وما أبعد من حدود جوارنا .. ومن وضع الحركة الدؤوبة والمبادرة .. من دور الفاعل المُبادِر تحركت آلة مصر الدبلوماسية فى الخارج للتعامل مع كل الملفات بعقل واعٍ ورؤية واضحة وأدوات بناءة وفعالة دفاعا عن مصالح مصر الحيوية وأمنها القومى .. تحركت آلتنا الدبلوماسية للأمام خطوات أخرى واثقة فى عام ٢٠٢٣ بمبادىء مصر الحاكمة واضعة نصب أعينها أن تكون خط الدفاع المتقدم للدفاع عن أحلام المصريين وآمالهم .
المصدر: أ ش أ