شهد عام 2016 جهودا مكثفة وإجراءات حكومية متتالية لتحسين مناخ وبيئة الاستثمار، وهو ما تم تتويجه بـ “الاحتضان الرئاسي” لقطاع الاستثمار من خلال إصدار قرار جمهوري بإنشاء المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية، فضلا عن تشديدات الرئيس عبد الفتاح السيسي دائما بضرورة الانتهاء من مشروع “قانون الاستثمار الجديد” قبل نهاية 2016، وأيضا جولات وزيرة الاستثمار داليا خورشيد داخل مصر وخارجها لتوضيح مميزات مناخ الاستثمار بمصر والتسهيلات المقدمة للمستثمرين.
ورغم حالة الترقب لإصدار قانون الاستثمار الجديد، إلا أن الحكومة والمسئولين بوزارة الاستثمار والهيئة العامة للاستثمار دائما ما يؤكدون على أن القانون ليس هو الحل السحري والوحيد لحل كل المشكلات والمعوقات التي تواجه الاستثمار في مصر، ولكن يتعلق الأمر بإعادة النظر في مناخ الاستثمار بشكل عام، ووجود تناسق بين التشريعات المتعلقة بالأنشطة الاستثمارية، ووضوح السياسات الاقتصادية والضريبية، وتبسيط إجراءات الحصول على التصاريح والتراخيص، والاهتمام بتدريب العمالة ورفع كفاءتها، وتوفير الأراضي الجاهزة للاستثمار بأسعار معقولة تناسب الأنشطة للمختلفة.
وشهد عام 2016 حوارا مجتمعيا طويلا بين وزارة الاستثمار والهيئة العامة للاستثمار والحكومة من جهة ومجتمع الأعمال والمستثمرين ورجال الأعمال ومنظمات الأعمال من جهة أخرى لاستطلاع آرائهم ومقترحاتهم بشأن ما تتضمنه مسودة قانون الاستثمار الجديد، والتي تم تعديل بنودها مرات عديدة للتماشى مع طموحات المستثمرين وتكون خطوة إيجابية لحل المشكلات والمعوقات التي تحول دون جذب المزيد من الاستثمارات، وكان الحوار المجتمعي يشهد العديد من وجهات النظر المختلفة، فهناك من يرى أن يتم الإبقاء على القانون القديم مع إدخال بعض التعديلات المطلوبة عليه، وهناك من يرى ضرورة إصدار قانون جديد يعالج كافة العيوب والمشكلات التي يشهدها القانون القديم، حتى تم في النهاية التوافق على إعداد قانون استثمار جديد يشتمل على خلاصة ونتائج هذا الحوار المجتمعي ليظهر بصورة يرضى عنها الجميع.
ونظرا لأهمية هذا القانون سواء للمستثمر المصري أو العربي أو الأجنبي، كان الرئيس السيسي حريصا على عقد العديد من الاجتماعات مع وزيرة الاستثمار داليا خورشيد للاطلاع على كل ما يطرأ على مسودة القانون الجديد والتشديد على ضرورة الانتهاء منه قبل نهاية 2016 لعرضه على مجلس الوزراء، وبعد ذلك إحالته لمجلس النواب لمناقشته .
وفي آخر تصريحاتها أمس، قالت وزيرة الاستثمار، خلال مؤتمر صحفي عقد بمقر مجلس الوزراء، إنه سيتم خلال الأسبوع الحالي الانتهاء من المسودة الثانية لمشروع القانون بهدف الوصول إلى صيغة توافقية للشكل النهائي للقانون، مشيرة إلى أنه سيتم عقد جلسة خاصة يوم 25 ديسمبر الجاري لمجلس الوزراء لإنهاء مناقشات المسودة الثانية من مشروع قانون الاستثمار والتي راعت الملاحظات التي تضمنتها المسودة الأولى عقب الحوار المجتمعي الذي تم مع الجهات المعنية.
وأضافت أنه تم مراعاة كافة الملاحظات التي طرحت بالمسودة الأولى التي تمخضت عن آراء الحوار المجتمعي والهيئات الاقتصادية والوزارات وبيوت الخبرة والمستثمرين والمستشارين القانونيين، والتي ركزت على إجراء تغييرات في تعريف المستثمر وتقليل المواد بالقانون لتسهيل الإجراءات وما يتعلق ببرنامج الحوافز وإجراء مرونة لتعريف الصناعات الصغيرة والمتوسطة وطبيعة المناطق الجغرافية والصناعات لكي يتم التوافق النهائي ويكون سهل التعامل مع مواد القانون.
وأشارت إلى أن قانون الاستثمار ليس هو القانون أو الإجراء الوحيد للتعامل مع المستثمر بل أن القانون هو جزء من حزمة تشريعية من القوانين للتعامل مع المستثمرين، حيث أن النقاش والصياغات في هذا القانون ستراعي عدم التشابك مع بقية التشريعات والقوانين الأخرى الخاصة بالاستثمار مثل قانون الإفلاس والتصفية.
وقبل هذا التصريح بأيام قليلة، أكدت وزيرة الاستثمار – في كلمتها خلال الحوار الشهري الأول للشباب برعاية الرئيس السيسي يوم 10 ديسمبر 2016 – أن قانون الاستثمار ليس وحده المسئول عن جذب الاستثمار ولكن هناك تشريعات وخطوات كثيرة أخرى، مشيرة إلى أنه تم عقد حوار مجتمعي حول المسودة الأولى لمشروع القانون بهدف الاتفاق عليه من الجميع وتم تطويره، وهو قائم على 3 محاور هي “الترويج للاستثمار وتبسيط إجراءات الإنشاء والنزاعات”، “ضمان دخول وخروج آمن للمستثمر”، والثالث هو “توافر حوافز للمستثمر بشروط معينة”، وسيتم مناقشته في مجلس الوزراء قريبا.
وتتضمن ملامح المسودة النهائية لمشروع قانون الاستثمار العديد من المزايا والمنح الاستثمارية التي تهدف إلى تشجيع المستثمرين وتهيئة مناخ الاستثمار بشكل كبير والتأكيد على منح المستثمر الحق في تحويل الأرباح الناتجة عن المشروع الاستثماري إلى الخارج دون قيود، وعدم اتخاذ أي إجراءات تمييزية ضد المشروعات بالطريق الإداري أو بأية طريقة أخرى إلا بموجب حكم بات أو أمر قضائي نهائي، وكذلك إعفاء الآلات والمعدات والسلع الرأسمالية للمشروعات من كافة الرسوم والجمارك والضرائب وإلزام الجهة الإدارية بالبت على وجه السرعة في طلبات المستثمرين في مدة أقصاها 30 يوماً، كما يمنح مشروع القانون لجميع مشروعات الاستثمار الداخلي بالمناطق التنموية الأرض بالمجان وتخفيض أسعار الطاقة وبعض المزايا الأخرى.
كما يستهدف القانون تيسير سبل فض المنازعات التي تنشأ ما بين المستثمر والهيئة، أو الجهات الإدارية بالدولة، أو الناشئة عن عقود الاستثمار الخاصة بأجهزة الدولة، بما يضمن للمستثمر الحفاظ على كافة حقوقه وبما لا يخالف أي قوانين أو تشريعات سارية أو اتفاقيات دولة تكون مصر طرفاً فيها .
ومن أهم أهداف القانون الجديد تحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية بما يكفل زيادة تنافسية الإنتاج المصري في السوق المحلية والعالمية، ودعم الاستثمارات الموفرة لفرص العمل بما يحقق استيعاب البطالة وتحسين مستوى دخل الأفراد والتوجه للاستثمارات التي تحقق النمو الاحتوائي ومنها زيادة الرقعة الزراعية، نقل التكنولوجيا وتطويعها وبناء قاعدة تكنولوجية حديثة تهدف للاستفادة بالأبحاث العلمية المصرية وربطها بالأبحاث العالمية وتتيح المجال للابتكار لخدمة الإنتاج، تصميم إطار واضح للاستفادة من أداء الشركات الدولية في مجال نقل التكنولوجيا وإتاحة الفرص والمجالات للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للتكامل مع المشروعات الكبيرة وتغذيتها.
وعن أهم مرجعيات مشروع قانون الاستثمار الجديد، فمنها مراجعة مسودات سابقة على مر سنوات طويلة وعمل استقصاء لجمعيات رجال الأعمال وجمعيات المستثمرين، وعقد لقاءات وحوارات معهم لمعرفة مقترحاتهم حول إصلاح بيئة مناخ الاستثمار، فضلا عن رصد الملاحظات التي ترد بوسائل الإعلام و دراسة قوانين الاستثمار في العديد من الدول المتقدمة، وكذلك التعرف على معايير البنك والمؤسسات الدولية لتقييم الأعمال.
و”النافذة الاستثمارية” تظل هي أهم ما ينتظره المستثمر في القانون الجديد، وكان الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة محمد خضير قد أعلن خلال الحوار المجتمعي – الذي عقده مع وسائل الإعلام مؤخرا حول أهم ملامح المسودة النهائية للقانون – أن منظومة “الشباك الواحد” تم تغييرها إلى مصطلح “النافذة الاستثمارية”، وهي النظام الإجرائي والقواعد المقررة بموجب أحكام هذا القانون لتيسير وتبسيط إجراءات حصول المستثمر سواء يدوياً أو إلكترونياً على جميع الموافقات والتصاريح والتراخيص اللازمة لمشروعة الاستثماري، وما يلزم لذلك من معلومات، من خلال الوحدة الإدارية المنشأة لهذا الغرض بالهيئة، كما تعد النافذة الاستثمارية للمستثمرين بحسب كل نشاط استثماري قائمة تتضمن كافة الاشتراطات الفنية والأوراق والمستندات اللازمة لإنشاء وتشغيل المشروع الاستثماري.
وتتيح الهيئة – من خلال موقعها الإلكتروني – إمكانية تلقي وإرسال الطلبات والموافقات وكذلك أسئلة واستفسارات المستثمرين والإجابة عليها سواء يدوياً أو إلكترونياً، وتعميم هذه المعلومات بقدر الإمكان وذلك دون الإخلال بالحق في الخصوصية، ويجوز للمستثمر أن يقوم باستيفاء الاشتراطات الفنية الواردة بتلك القائمة عن طريق مكاتب الاعتماد لدى الهيئة أو باللجوء مباشرة إلى الجهات الإدارية المختصة، سواء كان ذلك بمعرفته أو عبر إحدى شركات تقديم الخدمات المنصوص عليها في هذا القانون.
وتهدف منظومة “النافذة الاستثمارية” في الأساس إلى توحيد جهة تأسيس الشركات والمنشآت، واعتبار الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة هي الجهة المنوط بها التعامل مع كل الأمور التي تتعلق بمنح التراخيص والموافقات للاستثمار، وتقديم كل الخدمات الخاصة بالاستثمار والمستثمرين، بما يسهم في سرعة إنجاز الإجراءات الخاصة بتأسيس الشركات والمنشآت، ويوفر المزيد من فرص العمل للشباب.
“الاحتضان الرئاسي” لقطاع الاستثمار كان من أهم إنجازات عام 2016، وهو ما تم ترجمته من خلال إصدار الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبر الماضي قراراً بإنشاء المجلس الأعلى للاستثمار برئاسته وعضوية رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي، ووزراء الدفاع، المالية، الاستثمار، الداخلية، العدل، التجارة والصناعة، رئيس جهاز المخابرات العامة، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، رئيس اتحاد الصناعات المصرية ورئيس اتحاد جمعيات المستثمرين.
ونص القرار رقم 478 لسنة 2016 على أحقية المجلس في دعوة حضور اجتماعاته من يرى دعوته من الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات العامة والأجهزة الحكومية المختصة، ومن يرى الاستعانة بخبراته من ممثلي القطاع الخاص والخبراء في المسائل المعروضة.
ووفقاً للقرار، يختص المجلس الأعلى للاستثمار بمتابعة تطور تصنيف مصر في التقارير الدورية الخاصة بالاستثمار ومتابعة تحديث الخريطة الاستثمارية على مستوى القطاعات المتخصصة والمناطق الجغرافية المختلفة، في إطار خطة التنمية الاقتصادية للدولة.
كما يختص المجلس بمتابعة تنفيذ أجهزة الدولة للخطط والبرامج المتعلقة بالاستثمار وتطوير العمل بالمشروعات الاقتصادية الكبرى وموقف مشروعات المشاركة في القطاع الخاص، ووضع الإطار العام للإصلاح التشريعي والإداري لبيئة الاستثمار ومتابعة آليات تسوية منازعات الاستثمار وموقف قضايا التحكيم الدولي وتفعيل المسئولية التضامنية لكل الوزارات والهيئات العامة والأجهزة الحكومية المعنية بالاستثمار، وتحقيق التناغم في أدائها وحل الخلافات التي تثور بينها في هذا الشأن، واستعراض الفرص الاستثمارية المتاحة في كل قطاع وبحث محاور المشكلات المتعلقة بها وأي اختصاصات أخرى تتصل بتحقيق أهدافه.
ويجتمع المجلس بدعوة من رئيسه مرة كل شهرين على الأقل، وكلما دعت الحاجة إلى ذلك، وتكون اجتماعات المجلس صحيحة إذا حضر أغلبية الأعضاء، وتصدر القرارات بأغلبية آراء الحاضرين، وفي حالة التساوي يرجح الجانب الذي منه الرئيس، وتلتزم جميع الوزارات والمصالح والأشخاص الاعتبارية العامة كل فيما يخصه بتنفيذ القرارات الصادرة من المجلس، وأن تكون للمجلس أمانة فنية دائمة برئاسة وزير الاستثمار تتولى إعداد جدول أعماله ومحاضر جلساته وتعميم ما يصدر عنه من قرارات وتوصيات على الوزارات والجهات المعنية ومتابعة تنفيذها وعرض تقرير بنتائج المتابعة في كل جلسة، ويصدر بتشكيل الأمانة الفنية ونظام عملها قرار من وزير الاستثمار.
المصدر : أ ش أ