يوافق اليوم العاشر من مايو 2015 الذكرى المئوية الأولى لميلاد واحدا من رواد الإخراج السينمائى الواقعى فى مصر والوطن العربى، المخرج الراحل صلاح أبو سيف. ولد صلاح أبو سيف فى محافظة بنى سويف عام 1915، والتحق بمدرسة التجارة المتوسطة بعدما أتم مرحلته الإبتدائية، توفى والده وهو فى سن صغير، الأمر الذى أثر كثيرا على اتجاهه كمخرج خلال أفلامه، حيث أظهر كثير من التركيبات النفسية المتعلقة باليتم وقسوة الحياة.
المسؤولية التى تحملها أبو سيف فى صغره بعد وفاة والده لم توفر له رفاهية دراسة السينما وتحقيق طموحاته الفنية بها بعد تخرجه، فقد اشتغل بمصنع الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وهناك بدأت ثمار حبه للإخراج تنضج شيئا فشئ، فقد قدم بعض من المسرحيات مع عمال الشركة في فريق تمثيل كونه المهتمين بهذا المجال من العمال، وكان هذا الفريق هو السبب فى تعرفه على المخرج نيازى مصطفى الذى اكتشفه هناك، ووعده بالسعى فى نقله إلى أستوديو مصر.
أوفى نيازى بوعده وبالفعل عمل صلاح أبو سيف فى وحدة المونتاج بأستوديو مصر، وأصبح رئيسا للقسم لمدة عشر سنوات، وخلال تلك الفترة اشتغل على ثقل موهبته الإخراجية بالاطلاع والقراءة والثقافة.
تأثر صلاح أبو سيف كثيرا بواقعية السينما الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية، إلى جانب تجربته السينمائية التى مرت بعدد من المراحل المختلفة.
في أحد حواراته النادرة يقول أبو سيف: “المرحلة الأولى هى مرحلة التحسس وجس النبض ومعرفة موضع القدم وإثبات الوجود، أخرجت فى هذه المرحلة نحو خمسة أو ستة أفلام من جميع الأنواع، لأنى لم أكن قد عرفت بعد طريقى على نحو دقيق، فقد اخرجت فى هذه المرحلة الأفلام التاريخية والرومانتيكية والغنائية والرمزية، وكذلك أفلام المغامرات، إلى أن استقرت بى الرحلة عام 1950 على نوعية الأفلام الاجتماعية الواقعية التى تثبت بحد ذاتها الفكرة الأولى التى دفعتنى إلى الاشتغال بالسينما، وهى أن تكون وسيلة للكفاح الوطنى ضد الاستعمار والرجعية”.
ويستكمل أبو سيف قائلا: ” فى هذه المرحلة الواقعية قمت بإخراج نحو ستة أفلام يعدها النقاد من أهم الأفلام التى ظهرت فى تاريخ السينما المصرية، وهى “لك يوم يا ظالم”، و”الأسطى حسن”، و”ريا وسكينة”، و”الوحش”، و”شباب إمرأة”، و”الفتوة”.
وترجع أهمية هذه الأفلام في هذه المرحلة الإخراجية إلى أنها اتسمت بالجرأة فى المواضيع والصدق فى معالجتها، كما أنها قدمت في إطار مصرى خالص من حيث الشخصيات وطريقة الحديث، كما عولجت هذه الأفلام بلغة سينمائية محترفة أحدثت طفرة وقتها.
المرحلة الثالثة فى مراحل صلاح أبو سيف السينمائية، أطلق البعض عليها مرحلة إحسان عبد القدوس، حيث قدم الثنائى للسينما عددا من أروع الأفلام التى تناقش قضايا المرأة وأزماتها النفسية والواقعية أيضا، فقدما الوسادة الخالية، لا أنام، أنا حرة، الطريق المسدود، البنات والصيف، ولا تطفئ الشمس.
انحياز أبو سيف لعبد القدوس دون غيره من عباقرة الرواية المصرية كان سببه ما يجده صلاح أبو سيف في روايات إحسان عبد القدوس من تصوير واقعى ودقيق لعواطف وأحاسيس المرأة وجرأة وشجاعة عبد القدوس فى مواجهة المجتمع بمشكلاتها الحقيقة مهما كانت جريئة أو غير مرضية لكل فئات المجتمع.
الواقعية التى حرص الراحل صلاح أبو سيف على نهجها من خلال أعماله السينمائية، كان لها ضريبة لم يخجل أبو سيف من دفعها، فعلاقته بالنقاد كانت متوترة دائما، بعضهم يرى أن هناك جرأة وفجاجة فى نقل الواقع للمشاهد من خلال شاشة السينما، والبعض الآخر يرى أن استخدامه للجنس فى أفلامه لم يكن مبررا، وكان لفيلم “حمام الملاليطى” النصيب الأكبر في هذه الانتقادات التى رأت أن الفيلم يقوم على فكرة الجنس، بينما لم يهتم أبو سيف بمثل هذه الانتقادات وأكد مرارا وتكرارا أن الواقعية التى يسير عليها تحتم عليه إظهار كل ماهو حقيقى، وعدم دفن رؤوسنا فى التراب لمجرد أن تقاليدنا المجتمعية لا تقبل منا يمكن أن تنقله هذه الواقعية من خلال السينما.
كان رأى أبو سيف دائما فى النقاد المصريين أنهم غير منصفين أحيانا وقد بروز هذه الفكرة قراءته لكتاب “الفيلم الواقعى فى مصر”، لمؤلفة ألمانية عاشت فى مصر سنوات لتحكم على السينما المصرية، ووصف هذه الكاتبة للسينما المصرية وروعتها وحرفيتها كان أكبر دليل على صحة وجهة نظره التى تذهب لعدم إنصاف كثير من النقاد المصريين للسينما المصرية العظيمة.
المصدر: وكالات